تقع المقبرة التي رصدها فريق عمل "سبوتنيك" اليوم الخميس، 8 فبراير/ شباط، في العراق، في منطقة المشاهدة ضمن المدينة القديمة في الساحل الأيمن من الموصل، مركز نينوى، شمال العاصمة بغداد، وهي عبارة حاليا عن مقبرة فوق أخرى قديمة.
بدأ المدنيون الذين دفنوا أطفالهم وأبنائهم وأقاربهم في المقبرة قرب جامع "أم التسعة"، والتي كانت حديقة أنشأها تنظيم "داعش" بعدما هدم مقبرة تاريخية تعود لليهود الذين كانوا يقطنون الموصل في فترات سابقة قبل أن يقرر العراق ترحيلهم عام 1948.
وقابلت مراسلة "سبوتنيك" في العراق، شاهد عيان من المنطقة الخالية تماما من السكان الذين لم يعودوا إلى دورهم بسبب دمارها ومخلفات الحرب التي مازالت تهدد حياتهم، — الشاهد رجل في الخمسينات من عمره يدعى "محمود شكر" وهو أحد الذين شاركوا في دفن المدنيين الضحايا الذين قتلتهم الحرب ما بين جرائم "داعش" الإرهابي، والقصف، والحصار القتال جوعاً.
يقول شكر:
يومياً كنا ندفن نحو 3 أو 4 أشخاص وخمسة، وستة، في هذه المقبرة بين المنازل لأن الناس في المنطقة لم تتمكن الخروج منها نحو المقبرة العامة بسبب القصف الشديد والصواريخ وقذائف الهاون والمفخخات وغيرها من العمليات الإرهابية التي نفذها "داعش" أثناء العمليات العسكرية للقضاء عليه.
وكشف لنا شكر، عددا تقريبا للرفات المدفونة في المقبرة، يتجاوز الـ150 جثة — من مختلف الأعمار — أطفال، ونساء، وشباب، وكبار في السن، من منطقة المشاهدة.
ولفت إلى أن العائلات الساكنة في مناطق مجاورة ضمن المدينة القديمة، كانت تأتي بجثث أفرادها الضحايا، لاسيما من منطقتي "حضيرة السادة والفاروق"، لدفنها في هذه المقبرة، عدا القسم الأكبر من الناس الذين صاروا يدفنون أبناءهم وبناتهم وصغارهم وكبارهم من يقتلون على يد "داعش" والقصف وقلة الأكل وما نجم عنها من نقص في الفيتامينات وجوع قاتل، والهاونات، داخل بيوتهم.
وأفاد شكر، في حديثه لنا، أن ابنة خالته تم دفنها في مقبرة المشاهدة، التي لجأ الناس لها لأنهم لم يتمكنوا أو لم يستطيعوا الخروج من المنطقة بسبب العنف الدائر فيها، منوهاً إلى أن التاريخ الذي بدء فيه الناس الدفن في المقبرة قبل بدء شهر رمضان الذي صادف في تموز/ يوليو العام الماضي — عند اشتداد العمليات العسكرية والقصف الكثيف.
وحسب شكر، لم يستخدم تنظيم "داعش" المقبرة هذه في دفن عناصره الذين تمكن طيران التحالف الدولي، وكذلك تقدم القوات العراقية، من قتلهم، كون التنظيم كان منشغلا في التمسك بآخر ما بقي له من وجود وتحصن في المدينة القديمة الواقعة في الجانب الغربي للموصل.
وكانت معالم مقبرة اليهود قائمة، حتى اجتياح "داعش" الإرهابي، في العاشر من حزيران/ يونيو عام 2014، وقام بجرفها وتدميرها، مثلما فعل مع الآثار والجوامع والملامح الأثرية الشهيرة في الموصل.
وتبلغ مساحة المقبرة أقل من ألف متر مربع، الوصول إليها تم بعد قيام شباب ناشطين بتنظيف الشوارع والأزقة الضيقة المؤدية إليها، من الأنقاض، بنسبة تطهير بلغت 75% سمحت لذوي الضحايا العبور واستخراج رفاتهم، على حد إفادات مصادر محلية من المدينة القديمة.
ووثقنا بالصور والفيديو، المقبرة التي تظهر فيها قبور محفورة واستخرج منها الضحايا، وغيرها مازالت لم تفتح بعد والعمل قائم عليها منذ يوم أمس، حيث ذهب ذوي الذين رفعت رفاتهم إلى دائرة الطب العدلي، للحصول على شهادات وفاة تحمل آخر صور التقطت لهم، ومنهم من احترق كل شيء له صلة بوجوده في الحياة سابقاً، جراء الحرب وبشاعتها.
ومن بعد الطب العدلي، توجه الأهالي إلى المقبرة العامة، ليوارى أبناؤهم الثرى، بعد معاناة من العنف والرعب طيلة سنوات سيطرة "داعش" الإرهابي على نينوى ومركزها الموصل التي لم يترك شيئاً فيها ولم يذبحه من البشر إلى الحجر.وتسعى الموصل، في الظرف الراهن، إلى ترميم حياتها والمضي نحو ترميم بيوتها وإعادة النبض إلى شوارعها مرة أخرى بعد خلاصها من بطش تنظيم "داعش" الإرهابي، في 31 آب/ أغسطس العام الماضي.