ورأى الكاتب أن "الربيع العربي" بدأ متدحرجاً، من تونس إلى ليبيا إلى مصر وصولاً إلى سورية أي — من الغرب إلى الشرق — الملفت أولاً أن جميعها دول متوسطية، وثانياً جميعها دول جمهورية الأنظمة، وثالثاً جميعها بشكل أو بآخر تمارس نوعاً ما من الديمقراطية بحده الأدنى، وتساءل هل كان ذلك بفعل فاعل! وما هي المشكلة؟
وأشار إلى أن المشكلة الأساسية مرتبطة بكامل المساحة الجغرافية الممتدة بين الإقليم الجنوبي (مصر) والإقليم الشمالي (سورية، وما بينهما) لبنان وفلسطين المحتلة وصولاً حتى قبرص، أي شرق المتوسط.
وأردف أن "حقيقة الصراع الحاصل سواء العربي — الإسرائيلي منه، أو حتى الحرب الحاصلة في سورية، هي لم تكن لأي لحظة حرب (أهلية أو طائفية أو عرقية) كما يدعي الكثيرون، في الحقيقة هي حرب محاور على الصعيد العالمي في هذه الرقعة الجغرافية.
وأضاف "طبعاً هذا لا ينفي أن الجيش السوري يخوض حرب وطنية منذ سبعة أعوام، في سبيل حماية الشعب السوري والوطن من التنظيمات الإرهابية التي اجتاحت معظم الجغرافية السورية، بتخطيط وأجندة صهيوأمريكية كاملة، تصب في خدمة تحقيق الهدف الاستراتيجي لهذه القوى، وهو السيطرة على سورية بكامل مقدراتها، وصولاً للسيطرة على شرق المتوسط".
وذكر الكاتب أنه "في العام 2012 أعلنت "شيفرون"، وهي ثاني أكبر شركة نفطية أمريكية، أن العالم استهلك أول تريلون برميل من النفط خلال 125 عاماً، لكنه سيستهلك التريليون الآخر خلال 30 سنة فقط، وقبلها بأعوام كثيرة صدرت دراسات عدة تؤكد ذلك. وسواء هذه الدراسة صحت أم كانت على نقيض مع غيرها من الدراسات، هي حتماً في صلب الحاصل ولا تخرج عنه".
وهي حتماً وضعت أمر البحث عن مصادر الطاقة في بقع جغرافية أخرى، على رأس الاهتمامات لدى الإدارة الأمريكية وغيرها من القوى الكبرى، فتوفير الطاقة والبحث عنها هو أصل البقاء لأي مجتمع، فكيف إذا كان هذا المجتمع وهذه الدولة الولايات المتحدة الأمريكية!، والتي قامت بكل حروبها السرية والمعلنة منها، لاستمرار تفردها بالسيطرة على منابع الطاقة في العالم، فمن يسيطر على الطاقة يحكم العالم بلا منازع، لذلك هي مستعدة لأي حرب في سبيل تحقيق هذه السيطرة، وما كان غزو العراق إلا في عمق ذلك.
وتساءل "ما هو المتغير على الساحة العالمية؟ والذي دفع باتجاه توليد كم الحروب هذه دفعة واحدة، في منطقة المتوسط عامة وشرقه خاصة؟.
أولاً- انكشاف الهدف والمشروع الأساسي الباطن والكامن، من فوضى أمريكا الخلاقة و"ربيعها العربي" في منطقة الشرق الأوسط، وقد وضح ذلك الرئيس السوري بشار الأسد في خطابه أمام مجلس الشعب بتاريخ 30 آذار 2011 بقوله:
"سأذكركم بمصطلح الدومينو الذي وجد بعد غزو العراق عندما افترضت الولايات المتحدة في ذلك الوقت، بأن الدول العربية هي أحجار دومينو وستأتي المشاريع لتضرب الأحجار أو تضرب حجرا ويسقط الباقي، ما حصل هو العكس تحولت المشاريع إلى أحجار دومينو وضربناها وسقطت واحدا تلو الآخر، وهذا المشروع سوف يسقط".
ثانياً- أنبوب الغاز القطري كان احد أبرز الأسباب التي أدت إلى اشتعال الحرب في سورية قبل سبع سنوات، بسبب حقول الغاز والنفط في شرق الفرات، ومدينة دير الزور على وجه التحديد أيضا.
ولعل هذا ما يفسر اليوم عزم أمريكا البقاء عسكرياً في شرق الفرات، من خلال القاعدتين التي أنشأتهما في كل من "تل حجر في الرميلان" و "التنف"، حيث اضطرت للحضور بنفسها بعد تدمير جيوشها "الداعشية" في كل من العراق وسوريا إلى غير رجعة، وما استخدامها الورقة الكردية إلا للضغط بهذا الاتجاه أيضاً.
ثالثاً- دخول روسيا الاتحادية على خط المواجهة الأول لجانب الدولة السورية وبطلب منها في أيلول 2015، حيث ترى موسكو أن أمنها القومي يمر من دمشق، ويجب القضاء على الإرهاب في سوريا والمحافظة عليها وعدم السماح للأطلسي بالتمدد إلى شرق المتوسط.
رابعاً- تركيا التي أعلنت عن أنها ستقوم للمرة الأولى بعمليات مسح للمناطق البحرية لها في مياه البحر المتوسط في إطار خطوات تمهيدية لبدء طرح هذه المناطق للتنقيب عن الغاز، والتي لديها حلم دائم أن يكون لها نصيب في عملية نقل النفط والغاز عبر أراضيها إلى أوروبا.
فتركيا وحسب الادعاءات ترى أنه وخلال تقسيم الإمبراطورية العثمانية من قبل سايكس — بيكو كان نصيبها من هذه الثروات صفراً، وهذا ما قد يفسر ربما التدخل المباشر بقواتها المسلحة في مدينة عفرين الواقعة في شمال غرب سورية من باب القضية الكردية، خلافاً لكل ما قدم من تحليلات.
ومن وجهة نظر الكاتب أنه هذا السياق أدى إلى منع القوات البحرية التركية في التاسع من الشهر الجاري لسفينة "سايبيم" التابعة لشركة "إيني" الإيطالية من الوصول إلى المياه القبرصية، للتنقيب بحقل غاز في منطقة متنازع عليها بين نيقوسيا وأنقرة.
خامساً- التطور الحاصل في هذا الملف على بلوك رقم /9/ بين لبنان وإسرائيل، والذي هو تطور يكاد أن يكون على شفا حرب، وما زيارة ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأمريكي الأخيرة وتهديداته، إلا في هذه الصدد.
ولكن الموقف اللبناني الرسمي والمقاوم كان واضحاً جداً، بعدم المساومة بحقوق لبنان النفطية في حدوده البحرية، حتى لو ذهبت الأمور لحرب مدمرة. وذلك بدا واضحا ً في إطلالة يوم أمس الجمعة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، خلال خطاب له بمناسبة ذكرى القادة الشهداء، حيث قال:
"نحن الأقوياء في معادلة النفط، وإذا أردتم أن تمنعونا، فإننا سنمنعكم، وإذا قصفتمونا فسوف نقصفكم، وإذا ضربتمونا فسوف نضربكم، ونملك الشجاعة ونملك القوة ونملك القدرة، وعدونا يعلم ذلك، وهذا ليس مجرد خطابات".
وأضاف الكاتب "إذاَ نخلص من كل ما سبق أن كل الحاصل هو جزء من عنوان عريض، هو الصراع على النفط والغاز في منطقة شرق المتوسط، وما عناوين الحرب الدائرة في مختلف الساحات والتي أهمها الساحة السورية، إلا حرب من جملة الحروب التي خيضت بين أمواج هذا البحر وفوق مياهه، والتي يبدو أنها مستمرة إلى ما لا نهاية".
وختم "ربما يفسر هذا كرة النار المتدحرجة في كل الاتجاهات، وبين كامل الجبهات والمحاور… فالصراع لا زال مستمرا".