خلع الحجاب، اعتبر من الأمور المحرمة في مجتمع متدين في غالبيته، وكان في السنوات الماضية أي قبيل الحرب في سوريا يشكل نسبة قليلة لدى الفتيات السوريات، لكن مع دخول الأزمة عامها السابع أصبحت أكثر انتشارا نتيجة الظروف بالإضافة للعديد من الأفكار التي دخلت إلى المجتمعات المحافظة عبر الانفتاح الكبير عبر التكنولوجيا بالإضافة للنزوح من مناطق كانت أكثر تشددا من غيرها إلى مناطق أخف وطأة.
تقول هبة (اسم مستعار) طالبة في كلية الهندسة بجامعة دمشق أنها خلعت الحجاب في عام 2016 بعد أن فرض عليها من قبل البيئة المحافظة التي وجدت بها، علما أنها لم تكن راغبة في ارتدائه لكنها فعلت من خلال ضغط الأهل وأقاربها.
وتتابع، "لم يكن خياري على الإطلاق، وجدت في بيئة متدينة ولم اختر ارتدائه حتى بات من الأمور المعتادة، لم استطع ارتداء الملابس التي أحبها، لأنها لا تناسب الحجاب، فكنت أكتفي بالنظر إلى الملابس في الأسواق وكنت أتمنى ارتداء ما أشاء، ووصل بي الأمر لاقتناء ما يعجبني وارتديه في المنزل لأشبع رغبتي وأكون مثل غيري من الفتيات".
وتقول هبة، أنها استطاعت خلع الحجاب بعد أن أصبح لها استقلاليتها ومكانتها في المجتمع لتشكل شخصيتها المستقلة وتنطلق نحو نظرة تناسب تفكيرها وما لديها من خبرة، دون أن تقتصر نظرة الناس لها بما ترتديه دون النظر إليها كإنسان لديه تفكيره الخاص والناضج.
سباق ارتداء الحجاب رغم معارضة الأهل
بعد سنتين من دخول روان (اسم مستعار) إلى كلية الإعلام في جامعة دمشق قررت خلع الحجاب إثر ارتدائه في مرحلة التعليم الثانوي، الفتاة لم يكن لديها رغبة في وضع الحجاب ولا ضغط عليها من قبل ذويها بل وضعته لتنافس صديقاتها في المدرسة وتتحداهن بأنها تستطيع فعل ما تشاء، وفي اليوم التالي جاءت إلى المدرسة بزي "شرعي" على حد وصفها.
رفضت والدة روان الأمر بشكل قاطع لأنه لم يكن مبنى على قناعة بل كان نتيجة التقليد، بعكس أهل أمها الذين استحسنوا ما فعلت ودفعوها نحو المحافظة على تقاليدهم.
تتابع روان، "ندمت على ارتداء الحجاب بعد فترة لكن الوعد الذي قطعته على والدتي منعني من التراجع عن القرار لأنها كررت أن ارتدائي للحجاب لم يكن مبنيا على عقيدة ولا عن تفكير"، وبينت أنها أجبرت نفسها على التأقلم لمدة أربع سنوات وكان هاجسها الأكبر هو متى ستخلع الحجاب؟
ارتديته لأني صغيرة وأبي من أجبرني..
علامات الدهشة والنظرات المنّصبة على سارة كان أشد ما أثار حفيظتها عندما دخلت إلى مكتبها محجبة وخرجت من دونه لتأخذ ردة الفعل الأولى من قبل زملائها في العمل، طلبت منهم رأيهم "هل أصبحت أجمل؟".
لم تفارقها البسمة أمام زملائها الذين شجعوها على هذه الخطوة، وأكدت أنها كانت بحاجة إلى دعم أولي حيث لم تجد مكانا أنسب لخلع ما اردته بأمر أبيها طوال سبع سنوات سوى أصدقائها.
تبين سارة، لقد جبرت على ارتداء الحجاب علما أني لم أكن مقتنعة به ولن أقتنع به على الإطلاق لأن العفة لا تحتاج لرداء بل تحتاج إلى قلب، وأشارت إلى أنها أقدمت على الخطوة بعد انفصال والديها حيث أمنت لها والدتها الحرية في الاختيار "ولم تعارض خياري بعكس بعض الأشخاص الذين نظروا لي بـ(احتقار)."
أما عن الاختيار والإجبار في ارتداء الحجاب فأكدت، "أن معظم البنات لم يختاروا ارتدائه بل كانت رغبة المجتمع في ذلك"، مشيرة إلى أن "الفتاة بعمر صغير لا تستطيع التمييز بين الصح والخطأ، بل تفعل كما محيطها، لذلك يجب أن تترك حرية أكبر للفتاة كي تكتسب معرفة ومن بعدها تقرر بشكل قطعي إن ما أرادت ارتدائه لكامل حياتها أم لا".
وتختم سارة أن ظروف الحرب السورية غيرت الكثير من المفاهيم والنظرة تجاه الدين، حتى البعض أصابهم حالة من النفور اتجاه المظاهر المتزمتة، "أصبح هاجسهم ما في داخل (البني أدم) دون النظر في القشور التي لا تضر سوى من أجبر على ارتداء الحجاب."
التقاليد أم الدين..!
ارتدت سناء حجابها في السعودية بحكم المجتمع "المتدين" والمحافظ جدا، "لم أضعه بضغط من أهلي بل بضغط من نظرات المجتمع".
تتابع، اعتقد أن الحجاب يشبه نوع من الزينة لطعام يتم تقديمه بشكل لائق وجميل، لكن هنالك أشياء أهم من الحجاب، علما أين أتخيل نفسي بعد وقت سأقوم بارتدائه مرة أخرى لكن بعد قناعة تامة ودون التفكير بالعودة عن القرار.
وتشير، "أن ارتداء الحجاب هو من الأمور الدينية إن كان على قناعة لا الترهيب، في حين يكون الحجاب تقليد يجب اتباعه كي لا تصبح الفتاة منبوذة ضمن مجتمعها."
الحلوى الغلفة هل تمنع التحرش؟
في إحدى الحلقات الدينية تقول إحداهن أن الفتاة الحلوى المكشوفة يتعرض لها الذباب بكثرة بعكس الحلوى المغلفة التي لا تثير حفظة المتحرش، هذا المثال يطابق تماما الشاشة اللاصقة للهواتف الذكية التي تمنع كسر الشاشة الرئيسية بتشبيه أن الفتاة التي تضع الحجاب تمنع المتحرش من الاقتراب منها بعكس "حاسرة" الرأس التي تدفع بالمتحرش بالاقتراب منها والنيل من أنوثتها.
هذه الأمثلة وغيرها لم تشكل دافعا لدى الفتيات للاقتداء بما يحكى في الجلسات التوعوية بل أثارت غضب الكثيرات اللواتي اعتبرن أن المتحرش هو ذاته لا يختلف مهما ارتدت الفتاة، لأن الأمر يتعلق بطبيعة الشباب الذي لا يترك فرصة لعينه أن لا ترى ما يرضي بها هواجسه.
وترى روان، أن المتحرش لا يتقيد بغير المحجبات على العكس فإن المتحجبة تكون أكثر عرضة للتحرش اللفظي أو الرقمي على مواقع التواصل الاجتماعي لأنه وبحسب وصفها تعتبر أضعف من غيرها ممن لا يضعوه.
حتى سناء تؤكد أن الحجاب ليس له علاقة بالتحرش لأن المجتمع لا يخلوا من مظاهر التحرش اللفظي "التلطيش" أو التقرب من الفتاة في المواصلات العامة.
وفي هذا الوقت الذي طالب فيه الكثير، بمزيد من الحرية للأنثى في واقع شبه محافظ، يبقى شأن النساء في سوريا مقيدا بمن لديه الحق بالسيطرة على قرارتها عدا بعضهن اللواتي يطلبّن المزيد… في مواجه مجتمع وصف بالذكوري، علما أن الحال في سوريا قد وصل بالنسوة إلى مراتب أعلى مما كنّ عليه في السابق، لما ترتب على عاتقهّن المزيد من المسؤوليات في ظل أزمة اتسعت على كامل الجغرافية السورية.