وكالة "سبوتنيك" حاورت مندوب الجمهورية العربية السورية الدائم في الأمم المتحدة بشار الجعفري، والذي تحدث فيه عن أن منظمة الأمم المتحدة، ليست منظمة "خيرية"، وأن كبار موظفيها "يتبعون أجندات بعض الدول الغربية".
وأشار الجعفري إلى أن الأمم المتحدة تغاضت أولا عن العدوان التركي، وتتغاضى الآن عن انتهاك تركيا للقرار 2401.
وتطرق الجعفري في حواره إلى أن السعودية وقطر لهما دور أساسي في شن الحرب التي وصفها بـ"القذرة" على سوريا.
وتحدث الجعفري عن أن الحكومة التركية فتحت حدودها أمام عشرات الآلاف من الإرهابيين للدخول إلى سوريا، كما أنها كانت وراء سرقة معامل حلب والتي تبلغ قيمتها عشرات المليارات من الدولارات.
وأما عن موضوع الكيماوي، فقال الجعفري، إن سوريا أرسلت لمجلس الأمن 140 رسالة موثقة حول امتلاك الإرهابيين لمواد كيميائية، لكن الأمانة العامة لا تتعامل مع المعلومات الموثقة، بحسب قوله.
وإليكم نص الحوار:
- هل استخدام السلاح الكيماوي ورقة تستخدم دائما ضد الحكومة السورية في أروقة الأمم المتحدة؟
تقتضي الإجابة على هذا السؤال التنويه بأن بعض دوائر الأمم المتحدة، ومنذ اليوم الأول للحرب الإرهابية التي فرضت على سوريا مع بدء العام 2011، قد تبنت نهجا غير متوازنا إزاء ما يجري في سوريا في كافة الملفات، التي يتناولها مجلس الأمن، والتي تم ابتكارها لاستكمال استهداف سوريا، وأعني هنا الملفات الإنسانية والسياسية والكيمائية، حيث عمدت هذه الدوائر إلى تبني مواقف الدول الأعضاء المعادية لسوريا من خلال إصدار بيانات وتقارير تفتقر إلى المصداقية وتعتمد على مصادر مشبوهة، واستخدام لغات ماكرة وعبارات تضليلية.
لقد توقعت الدول الداعمة للإرهاب في سوريا، بعد مسلسل انهيار المؤسسات في كل من تونس وليبيا ومصر، أن الدولة السورية سوف تسقط بعد أسابيع أو أشهر على أبعد تقدير، وذلك بعد أن سخرت هذه الدول كل قدراتها لدعم الإرهاب، سواء كان ذلك من خلال اصدار الفتاوى التكفيرية أو فتح الحدود للإرهابيين أو تقديم السلاح والمال لهم أو استجلاب الإرهابيين من زوايا الأرض الأربع، وترافق كل ذلك بحملات إعلامية محمومة ضد الدولة السورية، وعقد جلسات متتابعة لمجلس الأمن للضغط على الحكومة السورية من خلال تدويل الوضع الداخلي في سوريا، وفرض حلول تدخلية تراعي مصالح الدول الداعمة للإرهاب، وهي بشكل رئيسي السعودية وقطر وتركيا وإسرائيل وبعض الدول الغربية، وفرض إجراءات قسرية اقتصادية طالت حتى وسائل الاعلام السوري لمنعها من نقل حقيقة ما يجري. وفي ظل فشل هذه الدول، بعد أن استنفذت كل هذه الإمكانيات، ابتكرت بدعة جديدة تُسمى "استخدام المواد الكيميائية كسلاح من قبل الجيش السوري، كذريعة لاستهداف الدولة السورية عسكريا من خارج إطار مجلس الأمن. فبدأ كبار مسؤولي هذه الدول بالحديث عن استخدام هذه المواد من قبل الجيش السوري، بعد أن قامت أجهزة استخباراتهم بارسال مواد كيميائية سامة لمرتزقتهم في سوريا من ليبيا ودول أخرى، وتدريبهم على استخدامها وحتى صنعها. وبدأوا بإصدار تهديدات عسكرية ضد الدولة السورية في حال تم استخدام هذه المواد، ورسموا خطوطاً حمراء للبدء بشن أعمال عسكرية ضد الدولة السورية في حال تم تجاوزها. وحين بلغت هذه الحملة ذروتها، أوعزت هذه الدول للمجموعات الإرهابية باستخدام المواد الكيميائية ضد المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها، وعملت مع أجهزة اعلام معروفة بعدائها ضد الدولة السورية لشن حملة إعلامية محمومة تتهم قوات الجيش العربي السوري باستخدام هذه المواد السامة، فكانت حادثة خان العسل بتاريخ 19 مارس/آذار 2013، وهي الحادثة التي طلبت فيها الحكومة السورية بعد وقوعها بساعات قليلة المساعدة من الأمين العام بان كي مون للتحقيق فيها، لكن التفاهم بين الأمين العام والحكومات الغربية بشأنها استغرق حوالي 4 أشهر، حتى تمكن من إرسال السويدي د.سيلستروم للتحقيق بما جرى في خان العسل.
وعلى الرغم من وصوله الى دمشق، الا أنه لم يتمكن من الذهاب الى خان العسل بسبب وقوع حادثة الغوطة بتاريخ 21 أغسطس/آب 2013، والتي أعقبها قيام الولايات المتحدة بإطلاق تهديد جدي بالعدوان العسكري على سوريا تحت عنوان مسرحي أسماه الرئيس أوباما بتجاوز "الخطوط الحمر".
ونتيجة للاتصالات الدولية بقيادة روسيا الاتحادية والتنسيق مع الحكومة السورية، انضمت الحكومة السورية بتاريخ 14 سبتمبر/أيلول 2013 إلى اتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتخزين واستعمال الأسلحة الكيميائية وتدمير تلك الأسلحة، وتلا ذلك اعتماد مجلس الأمن بتاريخ 27 سبتمبر/أيلول 2013 للقرار 2118. وبالفعل قامت الحكومة السورية، وفي وقت قياسي بالتخلص من برنامج أسلحتها الكيميائية باعتراف الأمم المتحدة.
وفي ظل الانتصارات العسكرية المتتالية للجيش العربي السوري مع حلفائه ضد المجموعات الإرهابية المسلحة، لم تيأس القوى الداعمة للإرهاب من استخدام ذريعة استخدام المواد الكيميائية كسلاح، لعرقلة هذا التقدم، ولاستخدامه كورقة ضغط سياسي ضد الحكومة السورية وحلفائها، فكانت مزاعم استخدام المواد الكيميائية السامة في عدة أماكن في سوريا، والتي أعقبها اعتماد مجلس الأمن للقرار رقم 2235 بتاريخ ٧ أغسطس/آب ٢٠١٥، والذي طالب بإنشاء آلية تحقيق مستقلة لتحديد المسؤولين عن استخدام المواد الكيميائية كسلاح في الجمهورية العربية السورية. وتعاونت الحكومة السورية بجدية مع هذه الآلية وقدمت لها كافة المعلومات اللازمة، حرصا منها على التوصل الى المستخدم الحقيقي لهذه المواد، إلا وهو المجموعات الإرهابية المسلحة بتعليمات من مشغليها من الحكومات الراعية لها. ولكن للآسف، الذي حصل أن هذه الآلية، التي يفترض فيها أن تتبع أعلى معايير النزاهة والموضوعية والحياد والمهنية، أصدرت تقارير كيدية استندت فيها الى معلومات قدمتها المجموعات الإرهابية، وشهود زور قدمتهم استخبارات الدول الغربية المعادية لسوريا، وافتقرت هذه التقارير الى أبسط القواعد القانونية المعمول بها، لا سيما سلسلة حفظ الأدلة، وذهبت الآلية بعيدا في تلاعبها في آخر تقرير لها حول حادثة "خان شيخون" عندما رفضت أخذ عينات من قاعدة الشعيرات الجوية، التي اعتدت عليها الولايات المتحدة الأمريكية، ورفضت زيارة بلدة خان شيخون بذريعة أن الظروف الأمنية لا تسمح بذلك، على الرغم أن الحكومة السورية تعهدت بتأمين سلامة فريق الآلية الى آخر نقطة يسيطر عليها الجيش السوري قبل بلدة خان شيخون، وأن وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون السلامة والأمن قد أعلم أعضاء مجلس الأمن أنه لا يوجد مانع أمني من زيارة فريق الآلية الى بلدة خان شيخون.
ويمكن القول إن الدول الغربية لا تزال تحاول استخدام هذه الادعاءات لاستهداف الحكومة السورية، كلما حقق الجيش العربي السوري وحلفائه انتصاراً جديداً ضد أدوات هذه الدول من المجموعات الإرهابية المسلحة.
تدين الحكومة السورية استخدام جميع أسلحة الدمار الشامل، بما فيها المواد الكيميائية، في أي مكان وفي أي زمان وتحت أي ظرف كان، وقد انضمت سوريا مبكرا إلى معاهدة حظر الأسلحة النووية NPT في العام 1969، ووقعت على اتفاقية "حظر واستحداث وإنتاج الأسلحة البكتريولوجية (البيولوجية) والتكسينية وتدمير تلك الأسلحة" بتاريخ 14/4/1972. وطبعا انضمت الى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بتاريخ 14 سبتمبر/أيلول 2013، وتخلصت من كامل برنامج أسلحتها الكيميائية، وتم تدمير مخزونها من هذه الأسلحة على متن السفينة الأمريكية Kape Ray في البحر المتوسط، وهذا البرنامج انتهى الى دون رجعة.
وهنا لابد من الإشارة إلى أن إسرائيل، ربيبة الولايات المتحدة الأمريكية، ليست طرفا في أي من هذه الاتفاقيات حتى الآن. لقد أكدت الحكومة السورية مرارا عدم استخدامها لمادة الكلور كسلاح في مواجهتها للتنظيمات الإرهابية في أشد المعارك ضراوة ضدها.
إن هذه الادعاءات كما أسلفت سابقا لا أساس لها من الصحة، من دون الخوض في تفاصيل دور المخابرات البريطانية في تمويل وإدارة ما يسمى "المرصد السوري" في لندن ومن يديره. إن الهدف من هذه الادعاءات الكاذبة هو حماية المجموعات الإرهابية المسلحة وعرقلة تقدم الجيش وحلفائه ضد هذه المجموعات في الغوطة الشرقية.
- ذكرتم أن الجماعات المسلحة داخل الغوطة الشرقية تجهز لهجوم بالكلور، ما مدى دقة هذه المعلومات لكي تتعاطى معها الأمم المتحدة؟
لقد أرسلنا الى مجلس الأمن ولجانه المختصة، بالإضافة إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، أكثر من 140 رسالة تتضمن معلومات موثقة حول امتلاك المجموعات الإرهابية المسلحة للمواد الكيميائية، بما في ذلك على سبيل المثال دخول شاحنات محملة بمواد سامة عبر معبر باب الهوى بتاريخ 22 فبراير/شباط 2018، حيث يتم توزيع هذه المواد على مناطق تواجد الإرهابيين على كامل الأراضي السورية لاستخدامها ضد المدنيين، لكن وللأسف فان الأمانة العامة لا تتعامل مع هذه المعلومات الموثقة على الرغم من أنني نقلت أنا شخصيا بعضا منها الى أعضاء مجلس الأمن في جلسة علنية عقدت قبل أيام.
- ذكرتم في تصريحات صحفية أن هدف مشروع الهدنة بصياغته الأولى داخل مجلس الأمن استفزاز الفيتو الروسي… لماذا؟
لم يشر نص المشروع في مسودته الأولى، في أي من فقراته، إلى استثناء داعش والنصرة والمجموعات المرتبطة بهما من وقف الأعمال العسكرية. كما أنه لم يشر أبدا الى ما تقوم به المجموعات الإرهابية المسلحة من قصف متعمد للمدنيين في مدينة دمشق. ولذلك بدا واضحا، منذ البداية، أن الهدف منه لم يكن حماية المدنيين، بل عرقلة العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش السوري بدعم من حلفائه لمواجهة الإرهاب، وإعطاء الفرصة للمجموعات الإرهابية لإعادة إمدادها بالسلاح والعتاد والأفراد كي يستمر مسلسل الضغط المستمر على الحكومة والجيش في سوريا. وأعتقد أن الهدف غير المعلن للإرهابيين في الغوطة الشرقية هو حماية استثمار هذه الدول في الإرهاب، بعد أن صرفت عليه مئات المليارات من الدولارات، وذلك كي تتمكن هذه الدول من إعادة تدوير هذا الإرهاب في بقع أخرى من الأراضي السورية بما يطيل حرب الاستنزاف الإرهابية ضد الجيش العربي السوري وحلفائه.
وعلاوة على ذلك، لم يشر النص الأصلي الى مسؤولية الدول والأطراف، التي تدعم المجموعات الإرهابية المسلحة لممارسة نفوذها على هذه المجموعات، كي توقف جرائمها بحق المدنيين، وضمان التزامها بوقف الأعمال العدائية، وتقديم ضمانات ذات صلة من تلك الدول، والهدف من تجاهل هذا الامر هو لإعطاء الانطباع بأنه لا توجد مجموعات إرهابية تقتل المدنيين، وانما فقط "معارضة سورية معتدلة" تدافع عن نفسها ضد "انتهاكات الجيش العربي السوري لاتفاق إنشاء منطقة خفض للتوتر في الغوطة". وندرك جميعا أن روسيا لن توافق على مثل هذه الصياغة غير المتوازنة والتي تهدف الى حماية الإرهاب في سوريا.
المعاناة الإنسانية موجودة طبعا، ولكن علينا تحديد سبب هذه المعاناة، فعلى سبيل المثال أهلنا في الغوطة يعانون من الحصار الذي تفرضه عليهم الجماعات الإرهابية المسلحة من الداخل، حيث تتخذهم دروعا بشرية وتمنع خروجهم الآمن من تلك المنطقة، وتحتكر المساعدات الإنسانية التي تعمل الحكومة السورية على ايصالها للمدنيين، وتبيعهم لهم بأسعار خيالية لا طاقة لهم بها.
إن طلب الهدنة من الدول الداعمة للمجموعات الإرهابية يترافق دائما مع أي تقدم يحققه الجيش السوري في مواجهة هذه المجموعات، ويكفي المرء أن يتابع ما يرسله أهلنا من المدنيين في الغوطة الشرقية، ليعرف حجم معاناتهم من سوء سلوك المجموعات الإرهابية، التي تأخذهم دروعا بشرية وتذيقهم أمر العذاب.
— الأمم المتحدة أعلنت أن خمس ساعات لا تكفي لإيصال المساعدات إلى المدنيين في الغوطة فما تعليقكم؟
الأمم المتحدة، كما قلت مرارا، ليست منظمة خيرية، وكبار موظفيها يتبعون أجندات بعض الدول الغربية، وتتجاهل الإجراءات التي قامت بها الحكومة السورية لضمان حماية المدنيين من أهلنا في الغوطة الشرقية، لا سيما تخصيص معبر آمن لخروج المدنيين وتأمين كافة متطلبات الحياة اليومية لهم، بما في ذلك المسكن والخدمات الطبية. إن ادخال قافلة المساعدات الإنسانية المؤلفة من ٤٦ شاحنة يوم الاثنين ٥ مارس/آذار يؤكد فاعلية الهدنة لمدة خمس ساعات.
— ما هي الدول العربية التي تعتبرها دمشق حليفة لها ضد ما يحدث في سوريا؟
عارضت العديد من الدول سواء كانت عربية أو آسيوية أو أفريقية أو من أمريكا الجنوبية واللاتينية وغيرها من الدول التدخل بشؤون سوريا منذ اليوم الأول لشن الحرب الإرهابية عليها.
وخير دليل على ذلك نمط التصويت على مشاريع القرارات التي تطرحها الدول المعادية لسوريا، سواء في مجلس الأمن أو في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك أو في مجلس حقوق الانسان في جنيف أو في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي، حيث تصوت العشرات من الدول من جميع القارات ضد أو بالامتناع عن التصويت، أو تغيب عنه كوسيلة لتلافي الضغط السياسي الهائل الذي يمارس عليها.
- ما هي الدول العربية التي ساهمت في تفاقم الأزمة السورية، وتعمل دائماً ضد ما تطرحونه من قرارات بالأمم المتحدة؟
إن ما قامت به السعودية وقطر بشكل أساسي، ودول خليجية أخرى ولكن بنسبة أقل، لشن الحرب الإرهابية المفروضة على سوريا معروف للجميع، ولا أعتقد أننا نحتاج بعد سبع سنوات من هذه الحرب القذرة، كما وصفها الكاتب الأسترالي تيم أندرسون، لشرح ما قام به هذان النظامان.
- قالت وكالة "سانا" السورية الرسمية أن تركيا تصعد انتهاكها للهدنة وقرار مجلس الأمن رقم ٢٤٠١ بقصف عفرين فكيف تتعاملون مع ذلك في المنظمة الأممية؟
إن الحكومة السورية لم تنتظر صدور القرار 2401 كي توصف جرائم الحكومة التركية، فقد أرسلنا عشرات الرسائل الى الأمين العام ورئيس مجلس الأمن لتوثيق هذه الجرائم الموصوفة، وذلك منذ الأيام الأولى للأزمة في سوريا. حيث قامت الحكومة التركية بفتح حدودها أمام عشرات الآلاف من الارهابيين للدخول إلى سوريا، وسهلت تسليحهم وتمويلهم، وأقامت لهم معسكرات تدريب داخل أراضيها، وسهلت أيضاً امتلاكهم للمواد الكيميائية السامة. وكلنا يتذكر ما قامت به المجموعات الإرهابية بإيعاز من الحكومة التركية لسرقة معامل حلب ونقلها الى الداخل التركي، والتي تُقدر قيمتها بعشرات المليارات من الدولارات.
إن قرار مجلس الأمن رقم 2401 واضح إذ طالب بوقف الأعمال العدائية على كامل الأراضي السورية، وكلنا استمعنا الى التصريحات الرسمية، التي صدرت عن الحكومة التركية بعد اعتماد القرار والتي رفضت فيها التقيد بأحكامه. وكما اسلفت سابقا، فإن الأمم المتحدة للآسف تغاضت أولا عن العدوان التركي، وهي تتغاضى الآن عن انتهاك تركيا للقرار.2401
أجرى الحوار: هند الضاوي