المواضيع في قسم المدونات تعبر عن رأي كاتبها فقط.
وبالطبع عمل الغرب وتحديداً الولايات المتحدة منذ عقود على مبدأ إن وجدت القوة فلا داعي للعقل ، فتارة كنا نرى الترغيب وتارة الترهيب وتارة ثالثة تسليط دولة على أخرى للتدخل فيما بينهما وتحصيل المطلوب بشكل يظهر أنه على أساس قانوني أو خلق نزاعات داخلية في هذه الدولة أو تلك لغاية ما تريدها الولايات المتحدة وغالباً ماكانت تنجح هذه الألاعيب، تطورت هذه الحالة بطريقة إدارة العالم بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية بشكل حذر ودقيق لأنه كانت هناك قوة دولية خرجت منتصرة ومن شأنها أن تضع حد لأي تجاوزات للولايات المتحدة ومن معها من دول الغرب ، لقد وجد الإتحاد السوفيتي نفسه ومعه الصين وغيرها من دول الحلف الشرقي كما سمي أنذاك في مواجهة المعسكر الغربي ومرت الكثير من الأحدث التي يطول ذكرها لتفريق بينهم ، هذا الأمر جعل الولايات المتحدة تفكر ملياً في طريقة التخلص من قوة الإتحاد السوفيتي وقدرته على مواجهة السياسات العالمية الجديدة بعد الحرب العالمية الثانية لتستفرد بإدارة العالم من خلال الأمم المتحدة المؤسسة العالمية المستجدة حينذاك والمنظمات التابعة لها ، فراحت توضع العقبات وتمارس الضغوط وتخلق المشاكل في الأجواء المحيطة للإتحاد السوفيتي وتضغط على حلفائه في منطقة الشرق الأوسط وأسيا الوسطى وفي أمريكا اللاتينية وكلنا نذكر أزمة خليج الخنازير في كوبا وقاعدة الصواريخ حين وصل العالم إلى حافة حرب جديدة ، والحروب التي تم إفتعالها في منطقة الشرق الأوسط وأهمها العدوان الثلاثي على مصر والعراق وحرب تشرين وقبلها نكسة حزيران ونكبة فلسطين ومن بعدها حرب أفغانستان والثورات الملونة في دول الإتحاد السوفيتي السابق في جورجيا وأوكرانيا والعد يطول.
عندما ضرب الزعيم السوفيتي السابق نيكيتا خروشوف منبر الأمم المتحدة بحذائه مهدداً ، وصلت الولايات المتحدة والغرب بشكل عام إلى نتيجة مفادها أنه لابد من التخلص من هذه القوة الصاعدة فبدأت توضع الخطط لتفتيت الإتحاد السوفيتي بدأت بالتنفيذ فعلياً بعد أن أعلن رونالد ريغان مايسمى بحرب النجوم في ثمانينيات القرن الماضي ، فتوجهت قيادة الإتحاد السوفيتي إلى نهج إستراتيجية جديدة تضمن لها التفوق في سباق التسلح في ظل حرب باردة أدت إلى تدهور الإقتصاد السوفيتي وزعزعة مشاريعه الوطنية على حساب المتغيرات الجديدة إلى أن إنهار في بداية تسعينيات القرن الماضي ، هنا تنفست الولايات المتحدة ومن معها الصعداء بأن إرتاحوا من هذا الأخطبوط الذي كان من الصعب مواجهته ككتلة واحدة في حال إستدعى الأمر ذلك.
إنطلقت مرحلة جديدة من الإستراتيجيات والتحركات الأمريكية على الساحة الدولية في وقت إلتهت روسيا بمشاكلها وبترتيب بيتها الداخلي وغابت وهمدت إلى حد كبير عن الساحة الدولية وفقدت عدد كبير من حلفاء في الشرق بكافة جوانبه تقريبا وخاصة الدول العربية التي طار معظمها إلى حضن الولايات المتحدة وقدمت الولاء والطاعة للعم سام بإستثناء عدد قليل جداً وعلى رأسهم الجمهورية العربية السورية ، ومن هنا عاشت الولايات المتحدة الأمريكية عقدين من الزمن وهي تقود العالم كما تشاء وكما يحلوا لها مستغلة الأمم المتحدة وماينبثق عنها من منظمات وهيئات ومجالس ومعها البنك الدولي ومحكمة الجنايات الدولية لخدمة مصالحها في كل أنحاء العالم.
مع بداية الإنتقال إلى مئوية جديدة وفق المخطط الأمريكي الغربي والذي جاء في منطقة الشرق الأوسط تحت شعار "الربيع العربي" ، هذا الربيع الذي أعلنت عن مخاضه وزيرة الخارجية الأمريكية عام 2010 تحت مسمى الشرق الأوسط الكبير أو الجديد على مبدأ الفوضى الخلاقة ، وسارت هذه الفوضى كما كان مخطط لها مع بداية عام 2011 وماجرى في دول "الربيع العربي" كلنا نعرفه بتفاصليه المتوفرة والتي كشفت زيفها روسيا وتعمق هذا الكشف بالدلائل القاطعة بعد صمود سورية طوال هذه السنوات بدعم الحلفاء الروسي والإيراني وقوى المقاومة وغيرهم من قوى التحرر الوطني العربية والدولية ودول أخرى تعبت من الغطرسة الأمريكية ، إلى أن وصل الدور إلى سورية المقصد الأساس في هذه النار المستعرة لحرقها وحرق آخر قلاع التصدي للمشاريع الغربية والإمبريالية العالمية والصديق والخل الوفي لروسيا الإتحادية بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي وأمل روسيا في الوصول إلى المياه الدافئة لما لتواجدها هناك من أهمية جيوسياسية وإقتصادية وعسكرية تحمي مصالح روسيا في المنطقة وماحولها وصولاً لأسيا الوسطى وشمال إفريقيا وأمنها القومي على المستوى الداخلي والمحيط القريب ، نعم تكشفت الآن الحقائق من وراء كل هذا الربيع العربي وكانت لروسيا على الرغم من بعدها الجغرافي حصة كبيرة في محاولات طردها من المنطقة وتصفية حلفائها التاريخيين ومن ثم الإنتقال للخطة التالية في مد خطوط الطاقة عبر سورية وبالتالي تتحرر أوروبا من الإلتزام مع روسيا لتجد لنفسها مصدراً آخرا للتزود بالطاقة ، مايعني أن روسيا ستهلك بشكل بطىء وتنهار وتنحسر عن الساحة الدولية بعد إنهيار إقتصادها وتبقى الولايات المتحدة السيد والحكم في هذا العالم ، وهذا المخطط لم يتم رغم سبع سنوات من الحرب بالوكالة عن طريق الجماعات والتنظيمات والحركات الإرهابية بالتنسيق مع دول إقليمية تأمرت على روسيا وسورية وعلى المنطقة كلها وحتى على نفسها وتماشت مع خطة العم سام ورفاقه ، إستخدمت كل وسائل الضغط وكل أساليب التضييق وكل أنواع القتل والتدمير والكذب والنفاق على مدار هذه السنوات السبع التي لم تكن منطقة الشرق الأوسط وحدها ساحات الإشتباك غير المباشر مع روسيا بل كانت في مناطق عديدة وصلت فيها الأمور إلى الحدود الروسية من جهة أوكرانيا وأوروبا الشرقية وأسيا الوسطى ، لكن الساحة التي كانت أكثر خطورة على مستقبل روسيا ودورها في تحقيق السلم والأمن العالميين كانت سورية وهذ ماتحدث عنه مؤخراً العديد من المسؤولين في الدول الضالعة ونذكر تماماً ماقاله رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم آل ثاني وفضح جزء كبير من المؤامرة على سورية بالأسم بعد إندلاع أزمة الخليج ، والأكثر خطورة ما اعترف به مؤخراً وزير الخارجية الفرنسي السابق رولان دوما الذي قال إن الحرب على سورية كانت موجه ضد روسيا وصاحب الفكرة والمخطط هي دول حلف الناتو لإبعاد روسيا عن خطوط الطاقة البديلة بالنسبة لهم ولمنعها من الوصول إلى المياه الدافئة في البحر المتوسط وقال في عام 2010 كان أن عزمه مجموعة من الأشخاص إلى مائدة الغداء وكان أن قالوا له سوف تبدأ الحرب على روسيا من سورية ووبعد ثلاثة أشهر بدأت فعلاً الأحداث في سورية.
والنقلة النوعية في العالم كانت بعيدة عن أعين الولايات المتحدة وكيف أن التحولات العالمية الجديدة في ظل التصعيد الغربي الأمريكي ضد روسيا قد تقود إلى إنفجار ما في العالم ، حيث أن المتغيرات العالمية الحالية تبدو متسارعة جداً في ظل تسعير الخلافات القائمة بين روسيا والولايات المتحدة التي تبتز حلفاءها الدوليين بشكل عام والغربيين بشكل خاص لأجل محاصرة روسيا والضغط عليها إعلاميا وسياسياً ودبلوماسياً أمام عجزهم عن إتخاذ أي قرار يذهب بالجميع نحو المواجهة التي تحدث أصلاً بالوكالة ضد روسيا وحلفائها في عدد من مناطق العالم.
تجري هذه الضغوط على روسيا بشكل وقح كما وصفه وزير الخارجية سيرغي لافروف ، ويخالف كل الأعراف والضوابط والتي تحكم العلاقات الدولية وسمعنا تصريحات روسية رسمية وغير رسمية كثيرة جداً بهذا الشأن بعد أن بدأ الغرب يأخذ مكان وكلائه الذين فشلوا على جميع الساحات الميدانية والسياسية والإعلامية والإنسانية في تحقيق أي تقدم يسمح لهم بأن يبتزوا روسيا بالزور والدجل والكذب وإختلاق المشاكل المفبركة وأفلام هيوليودية خيالية لأجل سحب الملف السوري من مكانه الطبيعي إلى المنظمات والمحاكم الددولية لمتابعة محاولانهم في إسقاط الدولة السورية وفيما بعد الدولة الروسية والإستفزازات التي قامت بها دول الغرب ضد روسيا كثيرة جداً بدءً من العقوبات الإقتصادية ومروراً بتكميم الإعلام الروسي الذ فضح زيف الديمقراطية الأأمريكية وصولاً إلى فبركات إستخدام الكيماوي في سورية وقتل الأبرياء بدعم سوري وصولاً إلى محاولات تخريب الانتخابات الرئاسية ومؤخراً قضية الجاسوس الروسي ضابط المخابرات السابق سيرغي سكريبال ومن الوضح أنهم لن يقفون عند هذا الحد بعد طرد الدبلوماسيين الروس من 16 دولة أوروبية ومعهم الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وغيرهم.
هذا التسعير لم يكن له مثيل بين روسيا وهذه الدول منذ إنهيار الإتحاد السوفيتي بإستخدام ذرائع واهية ولا تستند إلى أي منطق يعطيهم الحق في مثل هذه السلوكيات ، ومن هنا لابد من البحث في كثير من الخفايا التي تقف وراء حقيقة هذه التصرفات الأمريكية الغربية التي وضعت العالم على حافة المواجهات الكبرى ، ومايؤخر هذه المواجهة لتي تريد الولايات المتحدة فرضها رغم خطورتها على العالم تبدو روسيا هادئة جداً وخاصة بعد أن أعلن الرئيس بوتين عزم روسيا على المواجهة ضد الظلم والطغيان والإرهاب والإستفراد بقيادة العالم والتحكم بمصيره، مشيراً إلى عدم سماح روسيا لأي قوة في العالم الأعتداء على روسيا وحلفائها دون عقاب ، وقال بالحرف هناك من يريد تدميرنا في هذا العالم وهنا يعطينا القانون حق الدفاع عن أنفسنا وأصلاً لماذا هذا العالم ومانفعه بدون روسيا مايعني أنه أما السلام للجميع وأما لن يكون لأحد أخر على حساب دمار الأمم الأخرى وهذه رسالة مفاجأة وقوية جداً لعالم القطب الواحد الذي تقوده الولايات المتحدة ، وشكل عرضه لأحدث وأقوى أنواع الأسلحة الروسية التي لايوجد مثيل لها في العالم نقطة تحول مرعبة ذكرت جميع هذه الدول بزمن الإتحاد السوفيتي الذي دمروه وعبر الرئيس بوتين غير مرة بشكل مباشر وغير مباشر عن حزنه لدمار الأإتحاد السوفيتي ورغبته في عودته قوة ضاربة تحقق العدل والأمن والإستقرار في العالم، نعم لقد بات الغرب يرى كابوس عودة الإتحاد في تصرفات وعيون وقرارات الرئيس بوتين وتحديه لقطبية العالم الواحد بالرغم من غياب الإتحاد السوفيتي على الخارطة السياسية العالمية كوحدة جيوسياسية وجغرافية وإقتصادية وديمغرافية موحدة ، لكن روسيا هذه بقيادة بوتين حققت توازن الرعب بحجم الأتحاد السوفيتي من خلال إقتحامها للساحة لدولية بحكمة وذكاء وقدرة على المناورة مع جميع الأطراف المعادية لها داخيلياً وخارجياً وبنجاح دبلوماسي وعسكري منقطع النظير حتى باتت الأمل الذي تنظر إليه شعوب ودول المنطقة والعالم كمنقذ ومخلص صادق ووفي في وجه الغطرسة والإجرام الأمريكي والغربي بشكل عام بحق الشعوب والدول ضاربين بعرض الحائط كل القوانين والأعراف الدولية.
في الختام يبدو أنه لاضير ولاحرج من أن يذكر الوزير لافروف في المستقبل القريب العالم الغربي المتشدق بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان بكلمة وزير الخارجية السوري وليد لمعلم في أحد مؤتمراته الصحفية حيث قال إن أوروبا لم تعد بالنسبة لنا موجودة على خارطة العالم السياسية وسنتجه إلى الشرق وهنا يقصد الصين وروسيا بالدرجة الأولى وقال رئيسها بشار الأسد مؤخراً خلال زيارته للغوطة الشرقية لجنوده وضباطه أن كل رصاصة تقتلون بها إرهابيا، تغيرون بها ميزان العالم ، خلاصة القول هنا أنه لايوجد أي شيء بالكون أو أي صعود إلى القمة بوجود الحجة والعزيمة والمقدرة دون مرتكزات لها قيمها ومبادئها وعقيدتها الوطنية فالنصر في الحرب الوطنية السورية العظمى على الإرهاب وداعميه كشفت كذب وزيف مئات من السنين من إستهزاء الغرب بالعالم أجمع على مدار عقود طويلة من الزمن تحت شعارات الحرية والديمقراطية والإنسانية الزائفة والنفاق والعيش تحت سقفها والتستر بها على حساب دمار الدول وسفك دماء شعوبها ، انتهى عالم القطب الواحد ، وانتهت قرون من الكذب والنفاق على شعوب العالم ، انتهى هذا العالم ودفنت في التراب السوري المقدس كل أدواته ومزقت مخططاته ، وسيولد عالم جديد يقض مضاجع السفاحين من رحم الأرض السورية التي تعطرت بدماء الخير والعزة لشهداء الله من الجيش العربي السوري والقوات الرديفة والحلفاء.
بدأت مرحلة إنتصار الخير على الشر الخير الذي لاينفصل عن قيم الإنسانية والأخلاق والرجولة التي تعالت على إختلافات العرق والقوميات والعقائد الدينية ، وتجاوزت كل الحدود والتضاريس المصطنعة والجغرافية وكل ما لحق بها من أمراض زرعها المجرمون لكي يسيطروا على العالم.
صناع عالم القطب الواحد أمامهم خياران أحلاهما مر إما الركوع والإعتراف والتسليم وإما حرب عالمية دموية طاحنة، الخيار الأول أنسب وأكثر ربحاً لهم ،والخيار الثاني محور الخير جاهزله بالضربة القاضية وليكن مايكن نهض يوسف العظمة والمارشال جوكوف ورفاقهما من مراقدهم والأمل بهم وبأحفادهم في أن لا تقم قائمة للشر من بعد هذا اليوم.