رغم أن الموضوع لا يخلو من غرابة، وإن لم يبق في منظور الناس شيء غريب. ذلك أن بعض المرشحين من البرلمانيين الحاليين، أيضاً ينادون بالتغيير، ولا أعلم ماذا سوف يغيرون، أنفسهم أم ملابسهم. أما المرشحون الجدد، فهم يطالبون بتغيير وجوه البرلمانيين الحاليين بوجوههم الجديدة، على اعتبار أن المواطن يريد رؤية وجوه ليست ممن اعتاد على رؤيتها منذ العام 2003 ، ظنا منه بأن التغيير إنما يكون بتغيير شخوص البرلمان.
وإذا ما تم الأمر وفاز الجدد بالانتخابات، فإن الأمور سوف تتجه نحو الاتجاه الصحيح كما يعتقدون، ويرجع معهم البلد إلى جادة الطريق الذي أضاع بوصلته الأعضاء السابقون حسب الاعتقاد السائد، ولا أحد يلومهم على هذا الاعتقاد ، لأنه قد توجد لدى المرشحين الطموح والعزيمة لإحداث التغيير المنشود، غير مبالين بالعوارض الكونكريتية، التي سوف تصد كراتهم قبل دخولها مرمى التغيير، في وضع سياسي يصعب فيه إجراء أي نقلة أو قفزة للخروج من عنق الزجاجة. نعم، تستطيع أن تستبدل، لكن من دون تغيير. فالنظام السياسي الذي أسسه المحتل الأمريكي، يعطي ضمانات عدم استقرار العراق. ولو لاحظنا فترة ما قبل الانتخابات السابقة وقبل الفوز والجلوس تحت قبة البرلمان، كان أغلب إن لم نقل جميع الفائزين، يشعرون بالمسؤولية تجاه المهمة التي ستوكل إليهم في المشهد السياسي القادم، سواء في المجلس التشريعي أو في السلطة التنفيذية، أحلام وتطلعات وأمل، إلا أن الأمر اختلف بعد الفوز بالانتخابات وممارسة حياة البرلمان وعمل اللوردات، فما السبب في ذلك يا ترى؟
أعتقد أن السبب يعود إلى موضوع "الكعكة" وقضية تقسيمها، فأنت كسياسي تحصل على جزء منها، ولا علاقة لك بباقي الأجزاء، سواء أكلوها أو رموها أو أعطوها للغير، بل غير مسموح لك النظر إلى باقي الاجزاء، وإلا أصبحت حاسدا للنعمة. فكثرة الأحزاب والكتل والكيانات والولاءات والاتجاهات والمعتقدات وووو….، جميعها يؤدي إلى تشظي العملية السياسية، التي يغيب معها حس الوطنية ومفهوم البلد للكل. فحصتي في الكعكة هي مفهومي للعراق، والأدهى من ذلك أن هذه الكعكة يتم تقييمها ماليا وليس جغرافيا، وهذا أنكى وأدهى، فلو قسمت جغرافية المناطق، على الأقل، بين الفائزين، لحرصوا أكثر على مناطقهم ولكانوا مسؤولين أمام سكانها، أما تقييمها وأعطائها ماليا عبر تخصيص مؤسسات ووزارات لتلك الجهة وذلك الحزب، فسوف تباع معها المناطق والمناصب وما إلى ذلك من أجل الحصول على المال.
ومع ذلك، فالموضوع ليس بهذه البساطة، هناك فخ وشرك كبير يحفره وينسجه الناخبون والمرشحون على السواء، وكلما مضت المدة ازداد الشرك تعقيدا وايقاعا بالفرائس، التي تخلف عظاما متناثرة وعفنا يحيط به الذباب. والسياسيون غير مبالين بهذا الوضع، كونه يرفع عن كاهلهم مسؤولية ما يجري في البلد، فتجد أن السياسيين كباقي المواطنين، ينتقدون الدولة ويطالبون بالتغيير، وهم عندما تجمعهم ترى فيهم الدولة ومؤسساتها، لكنك لا تستطيع أن تلقي المسؤولية على جهة معينة فيما يحصل، فالكل مسؤولين والكل ضحايا، رئيس الوزراء مسؤول عن إدارة الدولة، لكنه غير مسؤول عن أخطاء وزراءه، فهو لم يختارهم، والوزراء مسؤولون عن إدارة وزاراتهم، لكنهم غير مسؤولين عن فشل تلك الوزارات، فهم لم يختاروا المدراء العامين، والنواب مسؤولون عن تشريع القوانين ومراقبة عمل الحكومة ، لكنهم غير مسؤولين عن فشل الرقابة وعدم تشريع القوانين، فهناك كتل وأحزاب تقف بالضد من توجهاتهم داخل البرلمان. لذا فإن أي مشكلة أو كارثة تقع في العراق، لا تستطيع أن تلقيها على أحد بعينه، وهذا ما أدى إلى عدم استقالة أي مسؤول من منصبه لأمر جلل قد حصل في البلد، وما أكثر تلك الأمور التي لو حصلت في غير بلد لقلبت أسفله بعاليه.
فما هو التغيير القادم في العراق؟ تغيير وجوه أم تغيير في طريقة صنع الكعكة؟ ويقينا أن الكعكة سوف لن تكون بنفس مواصفات مثيلاتها في السابق، فمع الأزمة المالية لن يكون فيها كريمات ومطيبات أكثر، لكنها مع ذلك تغني عن جوع وتسمن آكلها.. فيا من تطلب التغيير ما هكذا تورد يا سعد الإبل…
(المقال يعبر عن رأي كاتبه).