بيروت — سبوتنيك. وقال عون، خلال حضوره افتتاح المقر الجديد للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في بلدة العطشانة في شمال شرق بيروت، إن "هذا الحدث يحمل الكثير من التشبث بالأرض والجذور، وتثبيت للوجود والهوية، وهو رد على كل محاولات تفريغ المشرق من بعض مكوّناته، ورسالة واضحة لمن خطف المطرانين العزيزين يوحنا إبراهيم، ابن هذه الكنيسة، وبولس اليازجي"، اللذين خطفتهما المجموعات الإرهابية في سوريا.
وأضاف عون، بأن "مسيحيي المشرق ليسوا بطارئين على هذه الأرض، ولا هم جاليات غريبة فيها، ولا يمكن أن يسمحوا لأي ظرف أو أية معاناة أن تقتلعهم منها؛ فهم أهلها وناسها، فمن هنا انطلقت البشارة، على خطى بولس والرسل، من هنا انطلقوا ليتلمذوا جميع الأمم، حاملين رسالة السيد المسيح من المشرق إلى الكون".
وأشار عون: "صحيح أن في التاريخ والحاضر جراحاً كثيرة، ولكن فيهما أيضا حقبات مجيدة أعطت العالم ثقافة وفكراً وحضارة من أغنى الحضارات".
وأضاف: "لقد سالت الدماء غزيرة على هذه الأرض، وقدم السريان مئات آلاف الشهداء، ومثلهم قدم الأرمن ومسيحيو جبل لبنان، فمن المجازر الحميدية، أيام السلطان عبد الحميد الثاني، بين عامي1894 و1896، التي سقط فيها أكثر من ثلاثمئة ألف شهيد، إلى المذابح التي جرت خلال الحرب العالمية الأولى وتركت قرابة مليون ونصف مليون شهيد من السريان والأرمن والأشوريين والكلدان، والتي أسماها السريان مذابح سيفو، يضاف إليهم شهداء المجاعة في لبنان، وصولا إلى حرب الإرهاب الحالية والمستمرة منذ سنوات في المنطقة، والتي كان فيها المسيحيون ضحية للعنف الطائفي في حملة ممنهجة ومنظمة لاقتلاعهم من أوطانهم ومن جذورهم، وبشكل خاص في العراق وسوريا، بعدما كانت قد سبقتهما فلسطين، وسط صمت المجتمع الدولي، فاستشهد منهم من استشهد وخطف من خطف وشرد من شرد، وأما معظم من تبقى فبدأ رحلة البحث عن وطن بديل، وهكذا فرغت مدن وقرى بكاملها من مسيحييها".
وشدد الرئيس اللبناني على أن "هذا النزف البشري يجب أن يتوقف، والسلطات السياسية والروحية مدعوة لاتخاذ ما يلزم من إجراءات لمنع تفريغ الأرض من أهلها، فلا مياه تنساب إذا جف النبع، وأي مشروع يرمي لخلق مجتمعات عنصرية تقوم على الأحادية الدينية أو العرقية هو مشروع حرب لا تنتهي".
وأشار عون إلى أن "المشرق هو مهد الفكر الديني، وأعطى العالم الديانات الكونية وأوصلها لجميع الشعوب وجميع الأعراق، ولطالما كان نموذجا للتعددية والتسامح الديني، وقد عاش المشرقيون تنوعهم واغتنوا به وصار نموذجاً فريداً للتفاعل الثقافي والغنى الروحي والمعرفي، ويقتضي منا جميعا، وخصوصا المسيحيين والمسلمين، المحافظة عليه وحمايته في إطار احترام حرية المعتقد والرأي والتعبير وحق الاختلاف، ورفض التطرف الديني والقتل والتهجير باسم الدين والله".
واعتبر عون أنه "من الخطأ مقاربة الواقع اللبناني من منطلق أقليات وأكثريات، فهذه البلاد منذ فجر التاريخ كانت أرض تلاقٍ لشعوب ومجموعات دينية تهرب من اضطهاد وتبحث عن ملاذ آمن، وكم من أكثرية باتت أقلية وبالعكس؛ في الحقيقة كلنا أقليات، تجمعنا المواطنة والهوية، وكلنا مكون أساس من مكونات الشعب اللبناني".
وتابع: "علمتنا التجارب أن الشعور بالقوة أو الاستقواء من قبل طرف، أو مذهب، أو حزب في لبنان، يخلق عاجلاً أم آجلاً، عدم توازن واستقرار في الحياة السياسية، لا بل أحياناً اضطرابات أمنية".
وختم عون قائلاً: "واضعاً نصب عيني الوقوف، من موقع مسؤوليتي، مدافعاً عن تجربة العيش المشترك والتوازن والاحترام المتبادل بين مكونات هذا الشعب، سأسعى مع الجميع لولادة حكومة تعكس رغبات الشعب اللبناني، وتوازناته، وتوصل صورة مشرقة إلى العالم عن عزمنا الأكيد كمسؤولين سياسيين، على السير قدماً في مشروع النهوض بالوطن، والإصلاح، والشفافية، ومواجهة الفساد والمفسدين".