لم تكن معيشة المواطن المتردية، والمتمثلة في سوء الخدمات وندرتها في بعض المناطق، الأمر الذي جعل الكثير من المناطق فريسة سهلة للتنظيمات الإرهابية، وهو ما كلف العراق عشرات المليارات لاستعادة المناطق التي سيطرت عليها تلك التنظيمات، كل ذلك على حساب الحياة اليومية للمواطن في بلد يعيش حالة حرب منذ ما يقارب أربعة قرون، قدم خلالها الشعب الكثير من التضحيات، وتحول البلد النفطي الكبير إلى تابع يتسول المعونات.
تغيير الواقع
بعد تكليف الرئيس العراقي، برهم صالح، لعادل عبد المهدي بتشكيل الحكومة، وسط تلك الأزمات التي تحتاج لحكمة ومجهود كبير، وتبتعد عن المحاصصة، وتذهب للكفاءة بعيدا عن الأحزاب والكتل، وهو ما توجه عبد المهدي بإطلاق موقع إلكتروني لتلقي طلبات الترشح للمناصب الوزارية، وهو ما قوبل باستحسان البعض، واستهجان آخرين، في حين اعتبرها البعض الآخر تهدئة للوضع الداخلي وتنفيس الضغوط، هل ينجح المهدي في تشكيل حكومة "تكنوقراط"، وكيف سيتعامل مع الكتل السياسية التي تعتبر المناصب الوزارية بعض من مكاسبها الانتخابية.
36 ألف مرشح
يقول كفاح محمود، الخبير في الشؤون العراقية والكردستانية، إن هناك حراكا سياسيا من أجل إعطاء صيغة للحكومة القادمة بأن يغلب عليها الاستقلالية والكفاءة "تكنوقراط"، والذهاب بعيدا عن هيمنة الأحزاب والكتل السياسية في تسمية مرشحيها، ضمن نظام المحاصصة المعمول به منذ العام 2005 وحتى اليوم.
العودة للأحزاب
ولفت كفاح إلى أن رئيس الوزراء المكلف سوف يضطر للعودة للأحزاب مرة أخرى، لأنه لا يمكن تأسيس حكومة بهذا الشكل على الأقل في مجتمعاتنا، لأننا على سبيل المثال في العراق نحن دولة بها مكونات مختلفة، وهناك نظام توافق منذ تأسيس العملية السياسية، بعد سقوط نظام صدام حسين، حيث طلب عادل عبد المهدي من كل كتلة سياسية أن ترسل أكثر من ثلاثة مرشحين، وله حق الاختيار.
غير عملي
وحول إمكانية فحص طلبات من تقدموا لشغل المناصب الوزارية عبر الموقع الإلكتروني، قال كفاح، يحتاج رئيس الوزراء المكلف وقت طويل جدا إذا ما قرر فحص تلك الطلبات، وهو ملزم لمدة شهر فقط، لتقديم أسماء وزارته، لذا أرى أن هذا الموضوع، غير عملي، وربما جاء للتنفيس عن الرأي العام، وبشكل خاص بعد ما حدث في البصرة وبعض المحافظات، وإذا ما تعاونت الأحزاب مع عبد المهدي أعتقد أنه يمكن أن ينتج شيئا مفيدا للعراق وإقليم كردستان، وتحظى بقبول كبير.
لوبي الكتل السياسية
وتابع الجميلي لـ "سبوتنيك"، السؤال الأهم: هل يستطيع عادل عبد المهدي أن يصمد أمام ضغوط لوبي الكتل ورجال الدين والسياسة، نأمل أن يتمكن من ذلك، خصوصا وأن غالبية الشعب العراقي الساحقة مع هذا التوجه، وتشكيل حكومة من خارج الكتل الحالية التي تمترست طويلا خلف أوهام الطوائف والأعراق، تحقيقا لمصالحها الخاصة وللأجندات الإقليمية والدولية.
وأضاف الجميلي، هناك تفاؤل شعبي في تحقيق هذا الهدف الذي اقترن بدعوات من السيد عبد المعطي بفتح أبواب المنطقة الخضراء، وهدم الجدران الكونكريتية المسلحة، التي اختبأ خلفها طويلا أعضاء البرلمان والحكومة والقضاء الذين تعاقبوا على القبض على سلطات الدولة العراقية.
تحديات كثيرة
وأشار عبد الملك الحسيني، المحلل السياسي العراقي لـ"سبوتنيك"، إلى أن مهمة عادل عبد المهدي في تشكيل الحكومة الجديدة ليست بالسهلة واليسيرة، بل ستواجهه تحديات كثيرة، أولها أن الكتل المشكلة لمجلس النواب العراقي تعتقد أن لها استحقاقات انتخابية، نتيجة الجهود التي قامت بها في العملية الانتخابية، وهناك أموال تم إنفاقها وربما هناك صفقات قد تمت، بجانب بعض عمليات التزوير التي شابت هذه العملية.
موروث سياسي
وتابع الحسيني، لا أعتقد أن عبد المهدي يستطيع تجاوز الكتل السياسية مهما حاول، لأن الواقع العراقي هو نتيجة إفرازات أكثر من 15 عاما مضت من العملية السياسية المشوهة، التي اعتمدت نظام المحاصصة والطائفية في آداء مهامها، وهو الواقع الذي أدى إلى وصول العراق إلى ما هو فيه اليوم من تردي الأوضاع الأمنية والمعيشية والاقتصادية والخدمية وعلى مختلف القطاعات، ورئيس الحكومة المكلف لا اعتقد أنه يمتلك العصا السحرية لتغيير كل هذا الواقع، إلا بجهد نوعي ووقت أطول ربما لا تسمح به الظروف الحالية، وما نأمله هو أن تكلل جهوده بالنجاح.
ومن جانبها، قالت الإعلامية العراقية، فرقد ملكو، لـ "سبوتنيك": "لا جديد في الحكومة، ولو كانوا يستقبلون طلبات عن طريق الموقع الالكتروني كان من المفروص قبلها أن تكون نزاهة في انتخابات البرلمان، بعيدة عن التزوير، الذي حدث في وضح النهار، بشراء المقاعد والمناصب".
لماذا الموقع الإلكتروني
وأشار إلى أن المفارقة في الأمر في العراق اليوم انه قامت فجوة بين الجمهور والقوى السياسية، هذه حالة استثنائية، وغير طبيعية تتطلب حلولا للتقليل من أضرارها. لذلك نشأت رغبة عارمة لدى منابر الرأي العام العليا، بل حتى لدى الأحزاب أو معظمها لتشجيع مشاركة المستقلين الأكفاء النزيهين في إدارة دفة البلاد، ناهيك عن مطالبات الشعب، وذلك كله لمنع احتكار السلطة من أية جهة.
تقرير: أحمد عبد الوهاب