وهو الأمر الذي يجعل قرار الحل ليس بيد الليبيين، بل عن طريق من يملكون الدعم المادي والعسكري لتحقيق أهدافهم وأطماعهم والعودة لاستعمار القارة السمراء من البوابة الليبية وبسيناريوهات جديدة.
تكاد تتفق كل التحليلات السياسية وآراء الخبراء على أن الحل في ليبيا أصبح اليوم بيد طرفين متصارعين، يرى كل منهما أن له الحق المطلق في الشأن الليبي، وهما: إيطاليا وفرنسا، فروما تري في ليبيا الحديقة الخلفية لها منذ عقود الاستعمار وتتفق معها الولايات المتحدة الأمريكية، في حين تعود فرنسا إلى التاريخ فتقع عيناها على الجنوب الليبي، الجميع يتصارع على الكعكة الليبية، بينما يدفع الليبيون الثمن.
مؤتمر دولي في إيطاليا
قال الدكتور عبد الله الكبير المحلل السياسي الليبي المقيم في لندن، لـ"سبوتنيك" إن الدور الفرنسي والإيطالي في ليبيا لم يكن بغرض تأجيج الصراع المباشر لكنه أحد أسباب تأزم الأوضاع في ليبيا، لأن كل منهما تريد الهيمنة على الملف، وأن تكون لها اليد الطولى وقيادة الحل في ليبيا، لينعكس هذا على نفوذها ومصالحها الاقتصادية والأمنية فيما بعد.
وأشار إلى أن هذا التنافس بدا واضحا من خلال الخلاف بين إيطاليا وفرنسا، والتصريحات المتتالية الصادرة عن المسؤولين في البلدين، وبشكل خاص الإيطاليين الذين سعوا إلى عقد مؤتمر دولي بشأن ليبيا في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ويبدو أن هذا المؤتمر هو رد على لقاء باريس الذي حاولت من خلاله فرنسا جمع الأطراف الليبية والإشراف على حل سياسي.
حبر على ورق
وأضاف المحلل السياسي الليبي، أن "هذا التنافس يأتي ضمن الأسباب، التي تعيق الحل في ليبيا إلى درجة أن بعض النخب الليبية ترى أنه إن لم يتحقق "تقارب فرنسي إيطالي فمن الصعب على الأطراف الليبية أن تتقارب وتجد حلا للأزمة، لأن هناك تجارب سابقة لجلوس كل الأطراف في الصخيرات، وأبرمت اتفاق سياسي برعاية الأمم المتحدة والدول الكبرى والإقليمية ودول الجوار ولم ينفذ أي بند مما تم الاتفاق عليه".
وتابع "أيضا في فرنسا جلست الأطراف الليبية على طاولة واحدة، وما إن انتهى اللقاء وغادرت الأطراف القاعة، وبدأوا يدلون بحديثهم إلى وسائل الإعلام كان واضحا اختلافهم لدرجة أن بعضهم قال: نحن لا نعترف بهذا الآخر، وفشل إتفاق المباديء الذي تم توقيعه وقد يتكرر هذا في لقاء إيطاليا المرتقب".
وقف الدعم الخارجي
وأشار الكبير، إلى أن "بعض الأطراف الدولية والإقليمية لها امتداد في ليبيا، فإيطاليا تدعم حكومة الوفاق الوطني ولها علاقات بسياسيين في طرابلس ومصراتة ومع بعض الأطراف المسلحة، بينما يحظى حفتر في الشرق بدعم فرنسي بالإضافة إلى دعم إماراتي مصري، أيضا روسيا هى أقرب إلى حفتر وإلى السلطات في الشرق أقرب منها إلى الغرب، إذا الأطراف الدولية بارتباطها ودعمها لبعض الأطراف هو جزء من الصراع في ليبيا، فكل أطراف الصراع في ليبيا لها إمتداد ودعم خارجي وجميع الليبيين يعلمون هذا، الكثير من المراقبين والمتابعين للملف الليبي يرون أن حل الأزمة يكمن في وقف الدعم الخارجي عن أطراف النزاع".
المشكلة في العقلية الليبية
ومن جانبه، قال أحمد الخميسي، المحلل الاقتصادي الليبي، إن الأزمة الحالية والوضع الراهن ليس بغريب على المجتمع الدولي صاحب التاريخ الاستعماري الطويل، سواء بالنسبة لفرنسا أو إيطاليا وألمانيا، وإيطاليا وفرنسا تحكمهما المصالح مع أي دولة وبشكل خاص عندما تكون تلك الدولة قريبة جغرافيا مثل ليبيا.
وتابع "ما يحدث من تلك القوى في ليبيا أراه طبيعيا، المشكلة تكمن في العقلية الليبية التي سمحت بتغول أطماع تلك الدول على أراضيهم، وتلك الدول ترى أن من حقها أن تقوم بذلك أخلاقيا، وحدود أطماع الدول المعتدية تحددها الدولة المعتدى عليها".
الموروث الاستعماري
وحول المصالح الغربية في ليبيا يقول، أحمد الرويات، المحلل السياسي من العاصمة الليبية طرابلس، هناك صراع فرنسي إيطالي في ليبيا، فإيطاليا تنظر إلى ليبيا من الناحية الاستعمارية ولا تريد أن يتدخل أحد في الشأن الليبي، وفرنسا دخلت وعيونها على الجنوب الليبي ولديها مصالح اقتصادية تريد فرضها وأن تعيد التاريخ القديم بسيطرتها على الجنوب الليبي، في الوقت ذاته هناك إتفاقات شراكة وتعويضات سابقة بين ليبيا وإيطاليا وكانت روما الصديق الأول للقذافي، وفي تلك الأثناء دخلت فرنسا.
هؤلاء يملكون الحل
وأضاف الرويات، لـ"سبوتنيك": "فرنسا تريد إجراء الانتخابات الليبية لكن إيطاليا لديها توجه آخر بالإضافة لدخول دول عربية وإقليمية في هذا الصراع في ظل السقوط الكامل لشكل الدولة، والتي لم يتبق منها سوى مجموعات مسلحة تستمد شرعيتها من الدولة، لم تكن هناك نية صادقة من المجتمع الدولي لإقامة دولة ديمقراطية في ليبيا، وسيستمر الصراع ولن يفضي إلى أيه حلول على المدي القريب إلا إذا اتفق الإيطاليين والفرنسيين فضلا عن أن الولايات المتحدة الأمريكية تدعم الرأي الإيطالي بشكل أساسي، أما الاتحاد الأوروبي فيدعم بقوة التدخل السياسي الفرنسي، لذا سيظل الصراع الفرنسي الإيطالي يلقي بتبعاته على الداخل مالم يجلس الليبيون مباشرة على طاولة ليبية فلن يكون هناك حل".
وأشار المحلل الاقتصادي الليبي إلى أن هناك انقسام سياسي حقيقي في ليبيا، فرغم اعتراف المنظمة الدولية بحكومة الوفاق الوطني، والتي لا تتعدي كونها حكومة تقسيم مناصب سياسية، ومازال هناك انقسام سياسي بين مجلس النواب في الشرق والمؤتمر الوطني العام "مجلس الدولة حاليا" المدعوم من الأمم المتحدة، لقد تحولت ليبيا تحت المليشيات المسلحة إلى طرابلس "لبنان" في السابق، ولن تقوم في ليبيا انتخابات في ظل المليشيات المسلحة المسيطرة على الوضع الراهن بلا استثناء، فهى التي تقوم بتقسيم الغنيمة، وهناك تقارير أممية تكشف أن المليشيات المسلحة ملكت المال ونسبت لوزارات الدولة وتقوم بتقاضي ملايين الدينارات على سبيل المثال من أجل الحراسة".
وقال الدكتور عماد الحمروني، المحلل السياسي الفرنسي لـ"سبوتنيك"، إن الأزمة الليبية أو الحرب الأهلية بها الكثير من التعقيدات نتيجة إدعاء الفرقاء في ليبيا كل على حده بأن لهم حقوق سواء سياسية أو اقتصادية أو قبلية، وهناك الكثير من الاختلافات سواء بين الشرق أو الغرب، والحل السياسي يتعطل نتيجة تدخل قوى سياسية كبرى في الاتحاد الأوروبي ومنها فرنسا وإيطاليا وألمانيا ليست بعيدة، وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق حلفائها في المنطقة، وزادت تلك التعقيدات عندما استطاع الرئيس الفرنسي جمع الفرقاء الليبيين لأول مرة في باريس وحاولوا التوصل لحل للأزمة.
وتابع الحمروني، لقاء باريس ساهم في تعقيد الأزمة لدى قوى دولية أخرى منها إيطاليا والتي أظهرت أنها غير راضية عن هذا التدخل الفرنسي في الشأن الليبي، واستطاعت روما إيقاف أو تعقيم الحل السياسي الذي جاء من باريس وبموافقة دول الجوار وهما "الجزائر ومصر"، حيث قامت مصر بدور كبير جدا من أجل إقناع حفتر بالذهاب إلى باريس ولقاء كل الفصائل الليبية، وهنا عرقلت إيطاليا والتي تغيرت كل سياساتها في الاتحاد الأوروبي إلى ما يمكن تسميته "التطرف اليميني"، وتلك السياسة الإيطالية الجديدة تتضارب كليا مع السياسة الفرنسية على كل المستويات، فهناك تضارب مصالح فرنسية إيطالية، ولكنها في الحقيقة تضارب مصالح أمريكية فرنسية.
ولفت المحلل السياسي الفرنسي إلى أن هناك دول جوار تسعى لاستقرار ليبيا مثل مصر والجزائر من أجل المصلحة القومية المصرية والمصلحة القومية الجزائرية، وكذا بالنسبة للحكومة التونسية والتي تعيش أجواء اقتصادية ومعيشية صعبة يرجع جزء كبير منها إلى الأزمة الليبية.
وأردف "هناك تطور مهم على مستوى بلدان غرب أفريقيا لأن هناك تشابك كبير جدا، فلا نستطيع أن نقرأ القراءة السياسية الداخلية بمعزل عن الإقليم وعن التوازنات في العالم، فالولايات المتحدة الأمريكية تعود بقوة إلى أفريقيا وتضع قواعد عسكرية في الكثير من البلدان الأفريقية وتؤثر في السياسة الأفريقية، وفرنسا خسرت مصالحها في القارة بسبب الولايات المتحدة وإيطاليا تحاول العودة عن طريق البوابة الليبية".
واستطرد "ربما نشاهد بعد استقرار الأوضاع في العراق وسوريا واليمن بأن تكون هناك أزمة حروب في أفريقيا، لذلك لا نستطيع قراء الأزمة الليبية على المستوى المحلي والإقليمي فقط".
تقرير: أحمد عبد الوهاب