حسبما تؤكد الأديبة نبهات الزين في حديثها لـ"سبوتنيك" أن المهرجان يعد ضمن أكبر التظاهرات الثقافية الدينية الاقتصادية في الجزائر، حيث يقدم لها المئات من مختلف ولايات الجزائر، ويشارك فيها عدد كبير من "شعراء الملحون" والمتصوفة والطلبة والفرسان وتقام خلاله العديد من الفعاليات الهامة.
بداية القصة
وتضيف أن القصة بدأت في عهد الاستعمار الفرنسي، حيث رسخ في أذهان الشعب "عقيدة الشرك" والاعتقاد بكرامة الأولياء الصالحين كنوع من نشر الجهل والإبعاد عن الدين الاسلامي، وأنهم استندوا إلى وجود رجال صالحين تواجدوا في مختلف المناطق، وتضخيم كيانهم الوجداني في نفسية الشعب ليتم بناء أضرحة، وأن الطقوس التي شهدتها تلك التجمعات في البداية تمثلت في ذبح الدجاج والماعز والغنم ، وتقديم قربان للضريح، والتصدق بالمال لصالح "المقدم" الذي يقف عند باب كل ضريح، ويروي قصة الولي الصالح، وغيرها من الطقوس العقائدية التي تساهم في توسعة صيت الولي، وكل مختص بشيء معين، كالعقم، وفك السحر، ورد البصر، وأشياء أخرى.
ما بعد الاستقلال
تتابع أن هذا الأمر استمر إلى ما بعد الاستقلال بسنوات كثيرة رغم محاربة الشيخ عبد الحميد إبن باديس والشيخ الإبراهيمي وغيرهم من المصلحين له، وأنه في سنوات الصحوة الأخيرة ومع الوعي أخذت هذه التقربات طابع المهرجان، حيث تضمنت بعض الأسواق وعروض الفانتازيا وفرق بارود، وإطعام شعبي مهول، مع بقاء سيرة الولي الصالح وزيارة الضريح، وأن هذه المهرجانات فقدت طابعها العقائدي بفقد الهدف الذي خلقت لأجله وبظهور الوعي، لكنها حافظت على شكلها الجهوي، وذلك من خلال خصوصية كل منطقة من حيث العادات، كما تأخذ طابعا ثقافيا تلتقي فيه الفرق الفلكلورية وشعراء الشعر الشعبي، لتقام مرة كل سنة في نفس التوقيت، كما تقام حلقات الذكر والشعر جنبا إلى جنب على أرض واحدة، وأن الزائر يستمع إلى الشعر والذكر، ويستمتع برؤية سباق الخيل وعروض أخرى تقدمها فرق الفولكلور.
رؤية أخرى
على الجانب الآخر تقول الكاتبة والقاصة وهيبة سقاي في حديثها إلى "سبوتنيك" إن الخيال الشعبي المحلي لا يفصل بين الدين الرسمي والتدين الشعبي، وأنه يرى أن ممارساته لهذا الطقس هي من الإسلام، وبالتالي فاستمرارية الظاهرة، حسب فهمهم، بأهدافها ووظائفها ودوافعها من صميم التوجه الديني العام والصحيح، وأنهم يرون أن استمرارية طقس الوعدة في العصر الحديث يراد من خلاله إعادة تشكيل للمفكك اجتماعيا وثقافيا وتجديد اللحمة القرابية، وذلك من خلال استمرارية القبيلة ككيان وفاعل اجتماعي وثقافي لم ينته، من أجل حماية العرش أو القبيلة، في بعده الاجتماعي والثقافي.
وتضيف أن أول من وقف من أجل إبطال المواسم بالمغرب كان السلطان سليمان بن محمد، الذّي تأثر برسالة من الدعوة الوهابية، وقد أحدث قراره بمنع المواسم فتنة دينية بالمغرب، جعلت بعض الزوايا والطرق الصوفية تتخذ منه مسافة، وصلت إلى درجة العداء، لما أقدم، بصفته سلطانا وأميرا للمؤمنين، على إصدار قوانين سلطانية تجرم وتمنع مواسم الصالحين والأضرحة.
طقوس وشعائر
وتقول سقاي إن العادات والثقافات الشعبية ومثل هذه التظاهرات الثقافية الدينية لم تحظ إلى حد اليوم، بالاهتمام الذي تستحقه من طرف الباحثين والدارسين والمهتمين المتخصصين منهم في الأنثروبولوجيا، وعلم الاجتماع والتاريخ وعلم النفس والأدب واللّهجات وغيرها.
وتضيف أن من تلك العادات ما يسمى بـ"المعروف" أو "الزيارة" أو "الوَعْده"، وهي عبارة عن لقاء سنوي يقام تخليدا لمناقب بعض الأولياء الصالحين، يجتمع فيه مريدوهم وأحفادهم ومحبوهم، من أجل المشاركة في قراءة القرآن والأدعية والمدائح وإطعام الطعام وصلة الأرحام، وتقام على هامش هذه اللقاءات بهذه المناسبة أسواق واحتفالات شعبية.
وتوضح أن الوعدة وتعرف كذلك بالموسم والزردة والطعم والركب والمعروف هو طقس دوري سنوي تقيمه العديد من العشائر والقبائل المغاربية حول أضرحة الصالحين والمرابطين خصوصا المؤسسين لها، حيث تجتمع بعض القبائل حول ضريح وتنصب الخيام وتذبح الذبائح وتقيم المآدب وقد يرافق ذلك ألعاب الخيالة أو الفروسية، وتحتفل بمواسم الحصاد والقطاف، ومن بين هذه التظاهرات موسم إميلشيل وموسم الورود بقلعة مكونة وموسم طانطان الذي صنفته منظمة اليونيسكو ضمن قائمة التراث الثقافي اللامادي للإنسانية.
رجال القبائل
وتتابع في حديثها إلى "سبوتنيك" أنه يتكفل الأعيان والشيوخ بعملية تنظيم الوعدة، بتسطير وضبط برنامج الموسم الذي يعرف ذروته خلال فصل الخريف، وطيلة فترة الحرث والبذر حيث ترتبط الوعدة ببداية المواسم الفلاحية، ويتم تحديد موعد هذه المناسبة في كل جهة ويتكفل بالتحضير له بشكل أساسي أولئك من الذين تمتد أصولهم وجذورهم إلى أحد الأولياء الصالحين، ومن الذين ينتسبون إليه، ليتفقوا على البرنامج النهائي والمتمثل أساسا في ترسيم تاريخ وموعد كل وعدة على أن لا يتزامن الاحتفال بأكثر من وعدتين في وقت واحد، وتجمع المواسم بين الحفلات الدينية وبين المهرجانات التجارية في آن واحد، مما يجعلها فرصة للاجتماع ومشاطرة هويتهما الثقافية.
لقب المجذوب
توضح أن من بين تلك الزيارات ما تصادف الجمعة الأولى من شهر أكتوبر، بولاية النعامة، بجنوب غرب الجزائر، وتستقبل بلدية "عسلة" زوارها من كل حدب وصوب لإحياء وعدة الولي الصالح سيدي أحمد المجذوب، والتي تحظى بطقوس ومراسيم خاصة، وأن الولي الصالح، الصوفي المجذوب السني، هو أبو العباس أحمد المجذوب، ولد سنة 898 هجرية، حفظ الحديث، ثّم القرآن الكريم، يعد الوحيد من بين رجال الدين في الناحية، الذي حظي بلقب " المجذوب " ، إذ لم تكن هذه المرتبة من الصوفية في متناول أي أحد، ويستعمل هذا اللفظ لتسمية ذريته " بأولاد سيدي أحمد المجذوب " أو" المجاذبة.
تعاليم الصوفية
وحسب قولها "كان نموذجا لمطبق التعاليم الصوفية، وكان عدوا لأصناف الحلول والتسوية، محاربا المشعوذين وكل ذي بدعة في مجال الدين، كما ظهرت على يديه الكريمتين كرامات عديدة وعجيبة مما تدل على علو همته وصدقه في طريق أسلافه".
وتستطرد "كان شيخا موقرا تقيا، يمتطي حماره منتقلا من خيمة لأخرى لإرشاد المسلمين وما عليهم من واجبات وحقوق، سنيا أشعريا مالكيا شاذليا مثل أجداده. كان له مريدون كثيرون تعلموا منه مبادئ الصوفية.
تتابع أن كل القبائل المنتمية لهذا العرش و إلى الولى الصالح "سيدى أحمد الجذوب" تشارك المهرجان فيما تساهم كل العائلات المجذوبية فى إحضار طعام الوليمة الكبرى للضيوف ليل نهار، طيلة هذه المدة الممتدة ليومين كاملين الخميس والجمعة، وقد تمتد لأكثر من هذا، بسبب الإقبال الكبير على هذه الوعدة، بالإضافة إلى عقد القران، وعقد اتفاقيات التجارة بكل أنواعها، وإقامة مسابقات الفروسية.
مدة الوعدة
وحسب إشارتها" تقام الوعدة في عدة ولايات و لكل منطقة وعدتها الخاصة بها، وأن أغلب الوعدات تقام في فصل الصيف، وتشتهر بها المناطق الغربية وخاصة مناطق شمال الصحراء، حيث ترتبط بعض الوعدات بالأولياء الصالحين، حيث تقام كل وعدة على اسم ولي صالح أحيانا أو رجل صالح يرجع أبناء المنطقة إليه، وأن أشهر وعدة في الجزائر هي وعدة عسلة بمدينة عين الصفراء بولاية النعامة التي يتوافد عليها السياح من مختلف مناطق الوطن و حتى من أوروبا.
وتمتد الوعدة من ثلاثة أيام حتى أسبوع، ويجتمع التجار في السوق المقام لبيع مختلف ما جادت به صنائعهم، خاصة من الحلي والألبسة التقليدية، تكون هناك عروض للألعاب التقليدية مثل المبارزة والرمي وسباقات الخيول.
تقرير: محمد حميدة