الرئيس ترامب لم يكتفي بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، بل اتخذ قرارا بفرض حزمة عقوبات أمريكية جديدة وشديدة على إيران، كما هدد الدول والشركات التي لا تلتزم بتنفيذ هذه العقوبات، باتخاذ إجراءات عقابية ضدها أيضا.
إذا ما مدى تأثير هذه العقوبات على الاقتصاد الإيراني، وهل يمكن أن تتجاوز إيران هذه العقوبات؟
كانت روسيا قالت إن تصرفات الولايات المتحدة هي خارج الشرعية الدولية، وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أكد أن العقوبات الأمريكية ضد إيران بسبب برنامجها النووي غير قانونية وتمثل انتهاكا صارخا لقرار مجلس الأمن، متعهدا بإيجاد سبل لتجاوزها.
فالولايات المتحدة فقدت التعامل بالدبلوماسية، في عهد الرئيس ترامب، ولم يبق لديها سوى لغة العقوبات كما صرح سابقا الكرملين عن ذلك، ولم يعد هذا الأسلوب مجديا، لا مع روسيا ولا مع إيران، وهنا نتساءل ما الأسباب الحقيقية التي جعلت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يتخذ قراره بفرض عقوبات مشددة على إيران وأيضا على روسيا، وما الذي ستجنيه الولايات المتحدة من اتخاذ مثل هذه القرارات، طالما لم تؤثر على مدى الأعوام السابقة؟
طالما فرضت الولايات المتحدة عقوبات ضد إيران على مدى أكثر من 35 عاما، ولم تستطع تحقيق أهدافها.
ما الهدف من فرض عقوبات أمريكية جديدة على إيران؟
وحول هذه العقوبات يقول الصحفي في التلفزيون الإيراني عصام هلالي: "نعم هناك تأثير للعقوبات الأمريكية على الاقتصاد الإيراني، طالما تشمل مجالات اقتصادية واسعة، لكن ايران لم تستلم خلال العقود الأربع الماضية لهكذا عقوبات رغم قساوتها، وهي غير قانونية، لذلك نحن سنبقى نقاوم هذه التصرفات الأمريكية الأحادية الجانب، وهناك تأييد عالمي واسع للجمهورية الإسلامية الإيرانية ضد العقوبات الاقتصادية الأمريكية، وحتى أن الأوروبيين يحاولون إيجاد طريق للتواصل الاقتصادي والنفطي مع إيران، وكل اعتقادي أن هذه العقوبات سترتد سلبا على الولايات المتحدة قبل أن يكون لها تأثير مباشر على الاقتصاد الإيراني".
ردة فعل الدول الأوروبية على حزمة العقوبات الأمريكية الجديدة على إيران.
فيما علق الكاتب والصحفي أكثم سليمان من برلين، عن كيفية تعامل الدول الأوروبية مع قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فرض حزمة جديدة من العقوبات على إيران، وهل ستصمد الدول الأوروبية التي رفضت هذه العقوبات، أمام الضغوطات الأمريكية، قائلا
"كان هناك بيان مشترك لدول أوروبية من بينها ألمانيا، وأيضا للاتحاد الأوروبي ممثلا بموغيريني وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي يرفض العقوبات، فالدول الأوروبية مصرة على إيجاد حل ما للواقع الجديد، ولطالما أن الولايات المتحدة هي حليف للدول الأوروبية، أما إيران فهي مكان للاستثمار، من جهة أخرى تعلم الدول الأوروبية أن القرار ليس في يد الحكومات أصلا، بل بيد الشركات الأوروبية التي تنشط في إيران، وإذا تعرضت أي شركة لعقوبات أمريكية، فسيكون حسم هذا الأمر بيد الشركة بالحسابات الدقيقة، مهما كان موقف حكومة الدولة التي تنتمي إليها هذه الشركة، لذلك فالأوروبي محرج للغاية، وهو يعلم أن العقوبات الأمريكية تطاله بالدرجة الأولى ربما قبل أن تطال طهران، لكنه غير قادر حتى الآن الخروج من عباءة هذا التحالف الاستراتيجي مع الولايت المتحدة".
وأردف الصحفي سليمان: "لا بد لإيران من الاتجاه شرقا، نحو روسيا والصين، وأي مراهنة على الأوروبيين هي مراهنة خاطئة، لأنه في لحظة الحقيقة، حتى لو رغب الأوروبي بالخروج على واشنطن لم يتمكن من ذلك".
وعن سؤال كيف ستواجه إيران العقوبات الأمريكية الجديدة، يقول الهلالي: "إن إيران اعتادت على مثل هذه العقوبات، ورغم أن العقوبات اليوم باتت أشد، لكن نحن محكومون بعلاقات دولية مع الدول التي دخلت في الاتفاق النووي في إطار قرار مجلس الأمن 2231، وأيضا الصين وروسيا يجب أن يتخلصوا من السطوة الأمريكية، فالروس أعلنوا موقفهم إلى جانبنا، أما الأوروبيون فيحاولون إيجاد طريق إلى دعم الاقتصاد الإيراني، ولا شك أن الفترة المقبلة ستكون فترة قاسية على إيران، لكن الاقتصاد الإيراني يمكن أن يتكيف مع الظرف الجديد، وخاصة أن هناك علاقات اقتصادية كبيرة بنيت مع دول الجوار، مثل العراق وتركيا، وأيضا شرقا مع الهند والباكستان، ونحن نعول كثيرا على الاتجاه شرقا في تعاملنا الاقتصادي، فيما إذا فشل التعاون مع الغرب والاتحاد الأوروبي".
لا بد من التذكير، بأن وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان أعرب عن شكره للرئيس الأمريكي دونالد ترامب لفرضه دفعة ثانية من العقوبات على إيران ودخولها حيز التنفيذ الاثنين، مستهدفة قطاع النفط والبنوك.
وقال ليبرمان في تغريدة له على موقع "تويتر": "قرار الرئيس ترامب الشجاع هو تغيير في الواقع الذي انتظره الشرق الأوسط"، وتابع "في ضربة واحدة، فإن أمريكا تلحق ضررا بالغا بقواعد إيران في سورية ولبنان وغزة والعراق واليمن. الرئيس ترامب، لقد فعلتها مرة أخرى، شكرا لك".
ما العلاقة بين فرض عقوبات أمريكية على إيران وفرض عقوبات اقتصادية على روسيا وأيضا على الصين؟ لماذا تحديدا اتخذت الولايات المتحدة قرار فرض عقوبات ضد هذه الدول الثلاث؟
قال سليمان: لا شك أن هناك حرب اقتصادية حقيقية، ومحاولة ممارسة عملية خنق على هذه الدولة أو تلك من قبل الولايات المتحدة، ولجعل مستوى الجياة فيها أسوأ وإثارة الاضطرابات في داخل هذه الدول، بهدف تدميرها، لكن لا يوجد دولة في العالم غيرت سياساتها بسبب حصار فرض عليها، وإذا أردت أن تغير سياسة دولة، عليك أن تعطيها شعورا بالأمان كي تتمكن من التحرر من المخاوف، بينما عندما تحاصر إيران اقتصاديا وتحاول محاصرتها عسكريا، ودول الخليج تستعد لبناء ما يسمى بالناتو العربي، فعندما تقوم بكل هذا، فلا تتوقع أن تقوم إيران بالاستجابة لأي ضغط، بل بالعكس ستستنفر قواها ومناطق نفوذها وستحاول أن تكون موجودة في كل مكان، وهذا أمر طبيعي، ومن يريد أن تستجيب إيران لانسحابها من هذه المنطقة أو تلك، عليه أن يقيم علاقات طبيعية مع العاصمة طهران، ولا داعي لعملية الضغط والضغط المتبادل، وكل ما يفعله الرئيس الأمريكي ما هو إلا تسخين لمنطقة بكاملها، وسيحصل على عكس ما يريده، ولن تغير إيران سياساتها، بل ستكثف سياستها في ظل الوضع القائم".
هل سيكون هناك تصعيد جديد ضد إيران، ربما يكون عسكريا؟
يقول هلالي: لا أعتقد أن الأمور ستنتهي بتصعيد عسكري، لأنهم لو كانوا يريدون ذلك، لكنا شهدنا مثل هذا الموقف منذ سنوات، طبعا يمكن أن يدخل الأمريكان في خيار عسكري، لكنهم لا يعرفون ما هو الثمن الذي سيتحملوه.
وتابع هلالي: "لدى الجمهورية الإسلامية الإيرانية الإمكانات للدفاع نفسها، لكن إيران أعلنت أكثر من مرة أنه لن يكون لديها أي تصرف عدواني مع جيرانها، لذلك الخيار العسكري ضد إيران مستبعد لحسابات كثيرة من قبل الجانبين".
هل ستدرك الولايات المتحدة أن سلاح العقوبات غير مجد؟
لقد فرضت الولايات المتحدة عقوباتها على كويا الشمالية فكانت النتيجة، هي توصل كوريا الشمالية إلى تصنيع الأسلحة النووية والصواريخ الحاملة لها، كما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على روسيا، فكانت النتيجة أن استطاعت روسيا تطوير صناعتها العسكرية وإنتاج أسلحة تتفوق على الأسلحة الأمريكية إضافة إلى تطوير الاقتصاد والصناعات المدنية والزراعية والاستغناء عن استيراد كثير من الصناعات الغربية، وفرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على ايران على مدى أكثر من 35 عاما، فكانت النتيجة، تطور إيران في كل المجالات الاعسكرية والاقتصادية والتصنيعية واستطاعت الاعتماد تقريبا بكل شيء على نفسها، وكذلك فرضت عقوبات تجارية على الصين وكانت النتيجة عكس ما أرادت، وهنا نتساءل متى ستدرك الولايات المتحدة أن سياسة فرض العقوبات أصبحت أساليبا غير مجدية في التعامل مع الدول؟
إعداد وتقديم: نزار بوش