الهدنة التي أُبرمت كانت بمثابة نهاية لأكثر من أربع سنوات من المعارك الضارية، قتل وجرح خلالها أكثر من 40 مليون شخص، مما يجعلها واحدة من أكثر الحروب دموية في تاريخ البشرية.
ماكرون وخلال وجوده في مدينة فيردون التي شهدت واحدة من أكثر المعارك دموية في الحرب العالمية الأولى، تحدث عن الحاجة إلى تأسيس جيش أوروبي حقيقي لمواجهة روسيا والصين والولايات المتحدة.
على كل حال يجمع الكثيرون على إنه مهما كانت هناك من تحفظات ضد روسيا المعاصرة، فمن الضروري أن يتذكر العالم التضحيات الجسام التي قدمها الروس، خاصة وأن الجيش الروسي يستحق الاحترام على دفاعه البطولي وخسائره الهائلة في خريف عام 1914، والتي بدونها ما كان يمكن أن يتحقق النصر على ألمانيا.
في هذا السياق ترتفع بعض الأصوات من داخل المؤسسة الفرنسية وتتساءل في نبرة استغراب: ألم يحن الوقت بعد للتعبير عن الامتنان لمليون و800 ألف عسكري روسي استشهد في الحرب العالمية الأولى، في إشارة إلى إن هذا الشعب هو الذي أنقذ العالم مرتين في القرن العشرين.
فروسيا فقدت وهي تدافع عن حرية أوروبا خمسة ملايين من العسكريين والمدنيين خلال الحرب العالمية الأولى، إضافة إلى أكثر من 27 مليون شخص في الحرب العالمية الثانية.
ألمانيا أكثر من مجرد كونها في الجانب الخاسر من الحرب العالمية الأولى، فبالنسبة لألمانيا، فإن هدنة 11 من شهر تشرين الثاني/نوفمبر لم تكن تعني السلام كما فعلت في فرنسا وبريطانيا، وإنما أدت نهاية الحرب إلى نشوب ثورة ومعارك في الشوارع بين الفصائل اليسارية المتطرفة واليمينية المتطرفة، وخلقت سنوات من التضخم المالي، وانتشار الفقر والجوع، وساعدت في جلب النازيين إلى السلطة في عام 1933.
على النقيض من ذلك في تركيا، التي كانت أيضا في الجانب الخاسر في الحرب العالمية الأولى، أنتجت نهاية الحرب لها انهيارا مماثلا للإمبراطورية العثمانية، لكنها أيضا أدت إلى وصول مصطفى كمال أتاتورك إلى الحكم، الذي أسس الجمهورية التركية الحديثة.
نذكر مستمعينا الكرام أنه في 28 حزيران\يونيو 1914 اغتيل ولي عهد النمسا، فرانز فرديناند، مع زوجته الحامل، على الجسر اللاتيني، في سراييفو، على يد الطالب الصربي، غافريلو برينسيب، خلال توجههما لزيارة أحد الجرحى، الذين أصيبوا في محاولة اغتيال لفرديناند، قبل أيام. وإثر ذلك نشبت أزمة بين الامبراطوية النمساوية المجرية، ومملكة صربيا.
حينها وجهت الامبراطوية النمساوية المجرية، إنذاراً شديد اللهجة إلى صربيا، وطلبت إرسال خبير للتحقيق في عملية الاغتيال، التي وقعت في سراييفو، إلا أن صربيا رفضت استقبال الخبير.
وبعد شهر من اغتيال ولي العهد النمساوي، أعلنت الامبراطورية النمساوية المجرية، الحرب على مملكة صربيا، في 28 تموز/يوليو 1914، واستغلت ألمانيا هذه الفرصة وفتحت الحرب على روسيا، وفي نفس الوقت أعلنت فرنسا التي لم تكن طرفاً، الحرب على بلجيكا، وقامت المملكة المتحدة بغزو ألمانيا في الرابع من شهر آب/أغسطس 1914.
وكانت النتيجة الأبرز للحرب العالمية الأولى، انهيار الامبراطوريات النمساوية المجرية، والعثمانية والألمانية، حيث انفصلت المجر، والنمسا، وتأسست مملكات النمسا، والمجر، ووتشيكوسلوفاكيا، وصربيا ـ كرواتيا، وسلوفينيا، وتأسست الجمهورية التركية نتيجة انهيار الامبراطوية العثمانية، وفقدت ألمانيا العديد من مستعمراتها، التي كانت تسيطر عليها قبل بدء الحرب.
سوريا سماء روسي وبر إيراني
المراكز العسكرية كانت على موعد مع الحدث الأهم في هذا الخريف وهو القيام بعملية عسكرية واسعة النطاق للقضاء على آخر منطقة إرهابية كبرى في محافظة إدلب. لكن معارضة هذه الخطوة أدت إلى تحالفات ظرفية بين مختلف الجهات الفاعلة، والتي تقوم بينها خلافات جدية في وجهات النظر.
فعلى سبيل المثال، على الرغم من العلاقات المعقدة بين واشنطن وأنقرة، لكنهما اتخذتا موقفاً موحداً لتعطيل الهجوم على إدلب. والمغزى من الإجراءات الأمريكية هذه واضح وهو منع روسيا وإيران من تعزيز وجودهما، ودعم الحرب، حتى بمساعدة الإرهابيين، لإجبار موسكو وطهران على إنفاق أكبر قدر ممكن من الموارد، ما يجعل من الصعب تحقيق نتيجة مقبولة. أما تركيا، التي تعيق أي محاولات لبدء العملية العسكرية في إدلب، تعمل على حل مشكلة إنشاء منطقة عازلة في هذه المحافظة، يحكمها أنصارها.
بالنسبة لموسكو، فإن ضعف موقع إيران غير مقبول، لأن الوجود الروسي في سورية، من دون دعمها، سيصبح بالغ الصعوبة وربما مستحيلاً. تحتاج روسيا إلى مراقبة المظاهر المعادية لإيران في جميع بلدان ما يسمى بالحزام الشيعي. هذه هي الطريقة الوحيدة لتقييم مدى عمق أو عدم استقرار موقف إيران في سورية، وبالتالي المواقف الروسي في هذا البلد العربي.
الليزر القاتل سفاح الدرونات
الطائرة المسيّرة هي طائرة تُوجه عن بعد تحمل أجهزة الكاميرات أو حتى القذائف. والاستخدام الأكبر لها هو للأغراض العسكرية كالمراقبة والهجوم. وبالفعل فقد غيرت هذه الطائرة طبيعة الحرب الجوية بحيث أصبح المتحكم في الطائرة غير معرض لأي خطر حقيقي. وهذا ما شهدناه على نطاق واسع من خلال العمليات التي تشنها الولايات المتحدة الأمريكية إن كان ذلك في أفغنستان أو في العراق وليبيا وغيرها من المناطق.
نذكر مستمعينا الكرام أن روسيا تقدمت إلى حد بعيد في مجال الحرب الإلكترونية، وليس من قبيل الصدفة أنها استخدمت أجهزة الحرب الإلكترونية بغية مكافحة الطائرات من دون طيار. وأشارت إلى أن زيادة وسائل الحرب الإلكترونية وتطور كفاءة مشغليها الروس تشكل خطورة كبيرة على سفن البحرية الأمريكية.
أما منظومة سيلوك التي أفادت وزارة الدفاع الروسية بأن وحدات المنطقة العسكرية الوسطى للجيش الروسي بدأت تتزود بها فإنها عبارة عن أحدث سلاح إلكتروني لمكافحة الطائرات المسيرة. ومنظومة سيلوك وتعني صياد الطيور هي من تصنيع شركة سوزفيزدي الروسية، بإمكانها اكتشاف الطائرات من دون طيار أوتوماتيكياً، وتحديد إحداثياتها وتردداتها، واعتراض اتصالاتها وإسكات قنوات التحكم بها.
ومن أجل الحماية من تلك الدرونات التي باتت تشكل خطورة على القوات الصديقة والسكان المسالمين، بصفتها طائرات ومروحيات من دون طيار، اخترع المهندسون الروس بندقية ريكس-1 الإلكترونية التي بمقدورها إسكات قنوات الاتصال والإدارة وإرسال المعلومات من وإلى الدرونات على مدى يصل إلى 500 متر. أما مدى إسكات إشارات الملاحة الفضائية الواردة من الأقمار الاصطناعية فيبلغ 2000 متر، الأمر الذي يُجبر الطائرات من دون طيار على الهبوط اضطرارياً.
هاجس الحرب النووية…ويبقى وجه ربك
الخبراء العسكريون يعتقدون أن روسيا ستملك الوقت الكاف للاستعداد ببرد على أي هجوم. وإذا لزم الأمر قد تقوم روسيا بتوجيه ضربة استباقية غير نووية على أماكن تمركز الصواريخ البالستية والمجنحة، الموجهة على الأراضي الروسية.
الاقتراح السائد من قبل بعض المراكز العسكرية هو توسيع وتطوير واعتماد الصواريخ البالستية متوسطة المدى، ذات الرؤوس الحربية النووية، بصدد انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية المتوسطة والصغيرة المدى.
وفي هذا السياق تجري القوات الجوية الأمريكية اختباراً لإطلاق الصاروخ الباليستي العابر للقارات مينيوتمان ثلاثة. وبحسب وزارة الدفاع الأمريكية، لقد تم إطلاق الصاروخ بدون رأس حربي في السابع من شهر تشرين الثاني\نوفمبر من قاعدة فاندنبرغ الجوية في كاليفورنيا ووصل إلى منطقة محددة سلفاً في المحيط الهادئ. فقد أعلن جنرالات الجيش الأمريكي بأن الاختبار لا يرتبط بأي أحداث في العالم، هو ضروري لتأكيد دقة وفعالية النظام.
مينوتمان ثلاثة هو صاروخ بالستي، دخل الخدمة في عام 1970 ومداه حوالي 13 ألف كيلومتراً والوحدة القتالية النووية الحرارية قوتها 300 كيلوطن. وتمتلك القوات الجوية الأمريكية 450 صاروخاً من طراز مينوتمان ثلاثة، وتقع منصات إطلاقها في ثلاث مناطق مركزية في وايومنغ ومونتانا ونورث داكوتا.
إعداد وتقديم: نوفل كلثوم