فهل وقوع مثل هذه العمليات ناجم عن تقصير من قبل العاملين، أم نتيجة تواطؤ بعضهم مستغلا ثغرات قانونية، وما هو حجم ما نتحدث عنه من خسائر ومسروقات، وأي ضرر يلحق بسمعة المصرف وبثقة المودعين وبالقطاع المصرفي بشكل عام؟.
للتوسع في هذا الموضوع، وللإجابة على هذه التساؤلات، أجرت وكالة "سبوتنيك" لقاء خاصا مع الباحث الاقتصادي المصرفي علي محمود محمد، وجرى الحوار التالي:
بداية… عندما نتحدث عن الاحتيال الذي تتعرض له المصارف في سوريا، ما هو حجم هذا الاحتيال، وهل تفصح جميع المصارف عن عمليات الاحتيال التي تتعرض لها؟
نعم تفصح جميع المصارف عن أية عمليات احتيال قد تتعرض لها وذلك التزاما منها بمعايير الإفصاح للسوق المالي عن كل ما من شأنه أن يؤثر على عمل المصرف سواء تعيينات إدارية رفيعة أو تغييرات في أعضاء مجلس الإدارة وأية إفصاحات طارئة أخرى لأي سبب كان ومن ضمنها تعرضها للاحتيال والسرقة.
وقد أفصح مصرف بيمو السّعودي الفرنسي لسوق دمشق للأوراق المالية بتعرضه لعملية احتيال يوم 19 نوفمبر / تشرين الثاني الجاري بمبلغ قدره 36.012 دولار أمريكي و12.000 يورو و 3.560.000 ليرة سورية، وكان أيضا قد تعرض لعملية احتيال بتاريخ "19 سبتمبر / أيلول 2016" بمبلغ قدره 88.450 يورو و50.000 دولار أمريكي، وأوضح المصرف بأنه قد أحال الملف للجهات المختصة وبأن مخاطر إساءة الائتمان مغطاة بعقد مع شركة التأمين.
وكان بنك سوريا والمهجر قد تعرض أيضا لعملية احتيال بتاريخ 30 أغسطس / آب الماضي بمبلغ 21.700 دولار وتم إلقاء القبض على الفاعل.
ماذا عن المصارف الحكومية، هل تتعرض بدورها لعمليات الاحتيال؟؟ وهل هناك حجم تقريبي لعمليات الاحتيال وعمليات النهب خلال الحرب؟
تم الإعلان في الفترة السابقة عن عدة عمليات احتيال لفروع المصارف الحكومية فعلى سبيل المثال قام الجهاز المركزي للرقابة المالية بضبط عمليات اختلاس وتزوير وصلت لنحو 2.5 مليار ليرة حيث كانت تجري هذه العمليات (كما ذكر في الإعلام) لتحريك حسابات بعض المتعاملين الكبار المعروفين بحصولهم على حوالات مالية كبيرة.
هل خلقت الحرب على سوريا بيئة خصبة نشطت فيها عمليات استهداف المصارف؟. وعلى من تقع المسؤولية عند تعرض مصرف لعملية احتيال؟
بشكل عام تقع مسؤولية عمليات الاحتيال على عدة أطراف، فوجود بعض الثغرات في نظام الضبط الداخلي للمصرف، وعدم إيلاء المخاطر التشغيلية الإدارة الكافية واللازمة قد تكون بعض الأسباب، إلا أن ذلك لا يعني عدم وجود أسباب أخرى خارجة عن إرادة المصرف،
إن للأزمات الاقتصادية والأخلاقية اِنعكاسات مباشرة على زيادة حالات السرقات والاحتيال التي تتعرض لها المصارف خاصة، ومثل هذه الحالات هي محل استنكار القطاع المصرفي كاملا (إدارات وموظفين) لكونها تطال سمعة الجهاز المصرفي ككل، ولا تقتصر على سمعة المصرف الضحية فقط، وكذلك تؤثر في السمعة الاقتصادية للبلد برمته.
هل يمكن التفصيل قليلا حول عمليات النهب التي تعرضت لها فروع المصارف في بعض المحافظات التي شهدت انفلاتا أمنيا كليا خلال الحرب؟
للأسف لا يمكن تفصيل هكذا حالات وذلك لكون المصارف تفصح فقط عن الحالة مع السبب مع تقدير المبالغ المسروقة أو المنهوبة، ولا يتم الدخول في التفصيل.
عن أي نوع من عمليات الاحتيال نتحدث هنا، هل هي نتيجة تلاعب من المحتالين أم أخطاء من العاملين في المصارف؟
فيما يخص مجريات عمليات السرقات التي حصلت في المصارف السورية في الفترة المنصرمة، بعضها كما ذكر في الإعلام وبينت الوقائع كان نتيجة لتواطؤ من قبل بعض الموظفين مستغلين بعضَ الثغرات في السياسات والإجراءات الناظمة لعمل المصرف ما مكنهم منَ القيام بعملية السرقة وإتمامها، ومن عمليات السرقة التي حصلت في محافظة حمص بداية الأزمة مثلا كانَ نتيجة لعمليات التخريب التي قامت بها بعض الجماعات المسلحة والتي دخلت بعض فروع المصارف.
هل هو ضعف في آليات ومعايير اختيار الموظفين وترقيتهم، أم أن الأمر أكثر تعقيدا مما يتصوره غير المتخصص؟
من منطلق جرائم الاحتيال فإنه من الصعب التمييز بين الموظف المحتال والموظف المستقيم فالعديد من صفات المحتالين الشخصية تشابه صفات الأمناء والمستقيمين فجرائم الاحتيال تختلف كليا عن الجرائم ضد أرواح الناس والجرائم الأخلاقية، وهناك الكثير من الدراسات
وجاء في أحدث دراسة لجمعية فاحصي الاحتيال المعتمدين الأمريكية والتي تناولت فيها 2690 حالة احتيال وظيفي في 125 دولة، أن متوسط خسائر الشركة المالية من احتيالات الموظفين كان 50 ألف دولار أمريكي، بينما متوسط الخسارة من احتيالات المديرين 150 ألف دولار أمريكي، ولفتت الدراسة إلى أن 47% من المحتالين قضوا في المؤسسة فترة تزيد عن 6 سنوات وهذه الفترة كافية للتعرف على مواطن الضعف في الرقابة الداخلية وفي تصميم الإجراءات الرقابية.
ومع كل ذلك، فإن سلامة آليات اختيار الموظفين والتدقيق جدا قبل كل ترفيع لأحدهم لمنصب حساس، تنطوي على مخاطرة ما، ولكنها تزيد فرص الحفاظِ على ممتلكات المصرف وموجوداته النقدية والثابتة ما يجنبه والجهاز المصرفي ككل أية حوادث مشابهة أُخرى.
هل يؤثر نشر عمليات الاحتيال التي يتعرض لها مصرف ما في وسائل الإعلام على ثقة المودعين بهذا المصرف؟
إن هذه السرقات لا تمس حق المودعين بأموالهم بتاتا لأن جميع المصارف ملزمة بتوقيعِ عقد تأمين مع إحدى شركات التأمين، فبعد أن يحال ملف السرقة إلى الجهات المختصة ويتم التحقيق بالأمر واكتشاف السبب الكامن وراء حدوث السرقة، فإن شركة التأمين ملزمة بالتعويض للمصرف عن كامل الأموال المسروقة (بحسب شروط العقد).
في ختام هذا اللقاء، هل ترون أن القطاع المصرفي في سوريا حافظ خلال الحرب على تماسكه؟
لابد من القول: إن الحرب في سوريا مرت بأقل الخسائر على القطاع المصرفي والذي بقي صامدا بالحد الأدنى، وكذلك تعتبر عمليات الاحتيال التي حدثت مقبولة نوعا وكما على مستوى الفروع المنتشرة جغرافيا على مساحة البلد، فأي عمل في ظل الحرب معرض للكثير من المخاطر فما بالنا بالقطاع المالي والمصرفي لذا يمكن وصفها بالعمليات العابرة والمنخفصة التأثير على الرأي العام وعلى أصول وممتلكات المصارف.