اسمها فاطمة حداد، وتعرف باسم "باية محي الدين"، جزائرية المولد (1931-1998)، وهي واحدة من الأسماء المميزة في الفن التشكيلي بصفتها المؤسسة الأولى لمدرسة ما يسمى "الفن البدائي".
بسيطة، عفوية، حساسة، خجولة ومنطوية، هي أيضا مختلفة ومبدعة، ومحظوظة، قادتها الصدفة لتكون واحدة من بين أهم الشخصيات في العالم.
هذا البؤس الذي ولدت به انتهى صدفة، وهي ابنة الثانية عشرة، كانت ترافق جدتها في العمل، بينما كانت أخت صاحب المزرعة الفرنسية مارغريت كامينا، تجلس في الشمس تتابع الفلاحين، فلاحظت الطفلة (باية) وهي تلهو بالطين وتشكل به تحفا فنية، أعجبت كامينا بالفتاة، و اصطحبتها معها إلى بيتها بالجزائر العاصمة لتساعدها في أعمال البيت، و لتعتني بموهبتها، ثم تبنتها فيما بعد.
في بيت مارغريت كامينا، وجدت باية الفرصة كاملة لتتعرف على عالم جديد، هو في الحقيقة عالمها الذي كانت تبحث عنه ربما لا شعوريا، ففي هذا البيت كان الفن يسيطر على كل جوانبه، مارغريت فنانة ترسم على الحرير، وتقوم بعمل المنمنمات، وزوجها فنان إنجليزي يرسم البورتريه.
دخلت الفتاة الصغيرة هذا العالم وانبهرت به، وجدت فيه كل ما تحتاجه من تشجيع وأقلام وفرش وألوان، عادت الطفلة إلى حكايات الجدة في الحقل، وما صنعته في خيالها من أشكال، لحيوانات وأزهار وشخوص وعصافير، لم تستطع الفتاة المقاومة فاستغلت الفرصة ورسمت أولى لوحاتها خلسة، معتمدة على حكايات جدتها، حين اطلعت أمها بالتبني (مارغريت) على الرسومات انبهرت وشجعتها.
حتى هذه الفترة كان لازال اسمها فاطمة، غير أنه مع انتشار فنها وشهرتها لقبت بباية، وهو هو نسبة إلى "باي" على غرار "داي"، وهو رتبة تركية كانت تمنح لحكام الولايات أثناء الحكم العثماني للجزائر، ولقبت بهذا اللقب لما ظهر من موهبة لدى الطفلة بأنها ستكون باية الرسم الجزائري.
سنة 1947، كانت باية قد وصلت إلى السادسة عشرة من عمرها، وأصبحت تحتل مكانة لافتة في الفن التشكيلي الجزائري، في هذه الفترة زار الجزائر تاجر الفن الفرنسي والنحات والمنتج السينمائي، إيمي ماغ، وقدم له الرسام جون بايريسياك، صديق عائلة (مارغريت) أعمال باية الفنية فانبهر بها، ووجدها تتميز عن غيرها بالبدائية والعفوية، وفي نفس العام نظم ماغ، لباية أول معرض بمؤسسة ماغ الفنية في باريس، ودعمها الشاعر السريالي الفرنسي أندري بروتون بكتابة مقدمة في مطوية خاصة بمعرضها، وكتب عنها الأديب ياسين كاتب وغيرهما.
Baya Mahieddine (or Fatima Hadd) 1931-1998 | Algerian
— Alice Marianne (@_Emmet_Emmet) July 8, 2018
— Two Women | 1947 pic.twitter.com/KVZPhKC6Ou
بعد أقل من عام على معرضها الأول دعاها الرسام الإسباني العالمي بابلو بيكاسو إلى ورشته بجنوب فرنسا، لتقضي عدة أشهر رفقته، وانجزت تحفا فنية من الفخار، ورسمت العديد من اللوحات التي من بينها لوحات "السيراميك" الشهيرة.
أعجب بيكاسو بفن باية وألوانها الزاهية، وتعاونا في إنجاز عدة تحف جميلة، ولم يكن بيكاسو وحده الذي أعجب بأعمالها، ففي باريس انفتحت أمامها آفاق واسعة، وأصبحت وجها بارزا للفن المعاصر الجزائري والعالمي، هناك التقت جورج براك، وهو من مؤسسي المدرسة التكعيبية، وكتبت عنها مجلة "Vogue الفرنسية ونشرت صورتها، واعترف بها الوسط السوريالي.
رغم أنها تركت الجزائر في سن صغيرة إلا أنه كان عنصرا مؤثرا في جميع أعمالها، ويظهر ذلك في اعتمادها على عناصر بيئتها الريفية في أعمالها كالأزهار، والأشجار، ودوالي العنب، والمزهريات، وكذلك النساء اللاتي يتميزن بأزيائهن الجميلة زاهية الألوان، ووجوههن التي تشبه المسرح لا يخفي علامات الخجل والفرح والخجل.
شاركت باية في عدة معارض جماعية ببلدها الأصلي والدول العربية وأوروبا واليابان وكوبا والولايات المتحدة الأمريكية، وتوجد تحفها في متاحف شهيرة حول العالم، و اعتمدت الجزائر لوحاتها على طوابع البريد.
يحتفل جوجل اليوم بالذكرى الـ87 لميلاد باية، (1931-1998) التي أصبحت واحدة من أشهر الرسامين في العالم، رغم أنها لم تدخل المدرسة ولم تحسن القراءة والكتابة، وبدأت الرسم قبل أن تشاهد أي معرض فني، وصنعت تجربتها بفطرة وبراءة وتلقائية طفولية تشهد عليها أعمالها، جعلتها تؤسس مدرسة جديدة في الفن التشكيلي الجزائري والعربي هي مدرسة الفن البدائي.
شاهد شعار Google اليوم احتفالا بذكرى ميلاد الفنانة التشكيلية الجزائرية باية محي الدين! 🎨
— GoogleArabia (@GoogleArabia) December 12, 2018
شاهد الشعار الخاص بهذه المناسبة على https://t.co/qA6fzn5wJB pic.twitter.com/clD6Erejxb
عادت باية إلى الجزائر وتزوجت من محفوظ محيي الدين، أحد أبرز مغنيي موشحات المالوف الأندلسي في الجزائر، الذي تحمل اسمه، إذ أصبحت توقع باسم "باية محي الدين"، بعد سنة من زواجها انطلقت الثورة التحريرية، في الجزائر، وجمد الزوجان نشاطهما لعشر سنوات، وعادت باية إلى مزاولة فنها سنة 1963، حتى وافتها المنية في 1998.
تقول باية في حوار لها "أنا أرسم لأنفس عما بداخلي. أنا أحب ملامسة الفرشاة.. عندما نرسم والفرشاة في اليد، فإننا نهرب من كل شيء إننا في عالم مختلف ونخلق كل ما أردنا خلقه.. إنه مسار نوعا ما فردي.. وأحبه، إنه ضرورة بالنسبة لي عندما لا أرسم أحيانا لعدة أيام، فإن ذلك ينقصني ويجب أن أعود إليه".