حيث تعاني مصر منذ فترة من ظاهرة أطفال الشوارع، نظرا لزيادة نسب الطلاق والتفكك الأسرى، ما جعل من الأطفال الضحية الأولى والشارع بديلا عن المنزل والجريمة بديلا عن التعليم، تحاول مصر من خلال تطوير منظومة مؤسسات الرعاية ودعمها إعادة تقويم هؤلاء الأطفال بإعادتهم إلى أسرهم أو استضافتهم في دار للرعاية بها كل متطلبات الحياة بحيث تعوض الطفل عن الحرمان الذي عاناه بالشارع.
أجرت "سبوتنيك" معايشة ليوم كامل داخل دار الحرية ترصدهم من بداية اليوم إلى الدقائق الأخير قبل النوم، والتقت المسؤولين عن المؤسسة في اللقطات التالية…
التفكك الأسرى
في البداية يقول محمود عبد السلام، مدير دار الحرية للبنين لرعاية الأطفال بلا مأوى، إن الدار أنشئت في عام 1919 من أجل رعاية الأطفال مجهولي النسب إلى أن وصلنا اليوم لتكون الدار مركزا تعليميا، ومأوى لأطفال الشارع الهاربين من التفكك الأسرى، بعد تطوير المؤسسة وفقا للمشروع القومي لحماية "أطفال بلا مأوى"، والذي تتبناه وزارة التضامن الاجتماعي، حيث تم افتتاح الدار في ثوبها الجديد بعد التطوير في 8/4/ 2018 ، بعد ذلك أصبحت الوحدات المتنقلة في الشارع والتي تذهب لأماكن تجمع الأطفال أحد المصادر الرئيسية للأطفال الذين يأتون للمؤسسة.
أمام خيارين
وتابع مدير المؤسسة، بعد عملية التجديد تم تعديل تعريف الأطفال الموجودين بالشارع من "أطفال الشوارع" إلى مسمى "أطفال بلا مأوى" وفقا للتعديلات التي تمت على قانون حماية الطفل، قبل بدء المشروع "أطفال بلا مأوى" تم عمل مسح شامل على مستوى الجمهورية للتعرف على المشكلة والأماكن الرئيسية لتجمعات الأطفال، وكنا أمام خيارين للتعامل مع هؤلاء الأطفال، دراسة حالة كل طفل وتقدير إمكانية إعادة الطفل إلى أسرته ومتابعته وحل المشكلة التي ترك المنزل بسببها ونجحنا في حل مئات المشاكل لأطفال من هذا النوع، الخيار الثاني هو تعذر إعادة الطفل لأسرته لظروف مختلفة وهنا يتم الإبقاء عليه في الدار حتى تتغير الظروف ويتم إلحقاقه بمرحلته التعليمية.
الحياة بالكامل في الشارع
وأشار محمود عبد السلام أن الأطفال الذين يأتون إليهم معظمهم لهم أسر ولكنها مفككة، وتتضمن تلك الأسر حالات زواج الشارع، وهناك فئة أخرى من الأطفال مستهدفة لكنها ليست مستهدفة لدى الدار.
المشكلة في 10 محافظات
وأضاف مدير المؤسسة، بعد عملية المسح التي قمنا بها، اتضح أن لدينا 45 مؤسسة رعاية تابعة لوزارة التضامن الاجتماعي تنتشر في 10 محافظات، وهى المحافظات التي بها 80% من المشكلة، فتم رفع حالة تلك المؤسسات لمعالجة السلبيات الموجودة، كي تكون بيئة جاذبة وليست طاردة للطفل، وبدأ مشروع أطفال بلا مأوى بـ21 مؤسسة من الـ45 وكانت مؤسسة الحرية ضمن المؤسسات الـ6 الكبرى التي تم تطويرها وأول مؤسسة تم افتتاحها ضمن المشروع العام الماضي، وتم حل مشكلة قلة عدد المشرفين والمتخصصين المتدربين بشكل علمي على الأساليب العلمية لتربية الأطفال.
الطفل الجانح والمعرض للخطر
ويجب أن نشير هنا، إلى أن الدار ليست مخصصة للأطفال ممن ارتكبوا جرائم "طفل جانح"، نحن نتعامل مع طفل يمكن أن نطلق عليه"طفل معرض للخطر"، وجميع الأطفال الموجودين لدينا في مراحل التعليم المختلفة من الحضانة إلى الجامعة، وتبلغ القدرة الاستيعابية للدار 200 طفل والعدد الفعلي الموجود حاليا بالدار 75 طفل، نحن نعتبر أن الطفل الذي يأتي إلينا في مرحلة "ترانزيت".
ولفت مدير المؤسسة، نظرا لأن المؤسسة تعليمية فيأتي إلينا عدد من دور الأيتام نظرا لكبر سن الطفل واحتياجه للتعليم، في الوقت الذي يكمل فيه الطفل تعليمه وبعد تخطي بعضهم سن 14 عاما، يلتحقون بأعمال حرفية أثناء الدراسة ويتحصل على مقابل مادي بالإضافة للعلاقات الاجتماعية ويوضع له ما يتبقى في دفتر التوفير الخاص به.
مواقف مؤثرة
محمد يروي قصته
وقال الطفل أحد الأطفال "7سنوات": "أتت بي الوحدة المتنقلة من مكان بعيد وقصتي أن والدي ذهب إلى المستشفى لعلاج أسنانه وبعد أن انتهى وخرجنا من المستشفى أعطاني 6 جنيهات وقال لي اذهب وأشتري لك أي شىء، وعندما عدت لم أجده واصطحبني رجل إلى بيته وأتى لي بملابس جديدة وأطعمنى وبعد فترة سلمني للوحدة المتنقلة".
مرحلة بناء الثقة
وقالت "منال" أقدم المشرفات بالدار، العمل مع الأطفال ورعايتهم بالدار ليست هي مهمتنا الوحيدة، فنحن نقوم بفحص الحالات الأسرية للأطفال الذين يأتون إلينا عبر الوحدات المتنقلة وبنسبة كبيرة جدا نصل لتوافق بإعادة الطفل إلى أسرته، وبحكم عملنا لسنوات مع الأطفال غالبا لا يدلنا الطفل في البداية على المعلومات الحقيقية عن حياته، وهو ما يجعلنا نجلس معه فترة لبناء الثقة والتي يأتي بعدها الطفل برغبته ليحكي الحقيقة، وفي حالات كثيرة ترى أن الأطفال يكذبون كذبة واحدة عندما يأتي إلى الدار، يعطينا عنوان غير حقيقي للأسرة ويروي القصة المتعارفة أبي وأمي متوفيين وعمي طردني للشارع.
وحكى لي أحد الأطفال نفس السيناريو السابق وبعد فترة من بناء الثقة جاءني وسرد قصته الحقيقية وكان من مدينة طنطا ووالده متزوج من سيدة أخرى "زوجة أب"، وكانت تعامله معاملة سيئة كما قال، ذهبنا إلى الأب وزوجته وأطلعناهم على ما قاله الطفل وتأكدنا من الجدة بصدق ما قاله الطفل، وأبدى الأب وزوجته الندم، وكانت فرحة الأب والشارع لا توصف عند تسليم الولد لهم بعد شهور وهم يبحثون عنه، واستقبلته زوجة الأب بلهفة كبيرة.
الحياة اليومية
وحول طرق الحياة في المؤسسة قالت منال، الدار تخضع لنظام إدارة يتميز بالدقة لأنها في المقام الأول مؤسسة تعليمية، حيث يستيقظ الأطفال مبكرا في موعد المدرسة ويذهبون إلى مدارسهم ويعودون في الثانية بعد الظهر يتناولون الغذاء ثم يمارسون أنشطتهم في الأماكن المخصصة لذلك من ملاعب كرة وحمام سباحة ومشاهدة التليفزيون، وفي الفترة المسائية عملية استذكار الدروس ثم العشاء والذهاب للنوم، كما يتم عمل برامج وأنشطة في أيام الإجازات.
تقرير: أحمد عبد الوهاب.