مع بداية الأزمة السورية تعرض الاقتصاد اللبناني إلى "ضربة" ساهمت بتدهور الوضع المعيشي والاقتصادي في البلاد، لا سيما مع انخفاض نسبة تدفق السياح من الدول الخليجية إلى لبنان ما بنكسة كبيرة للسياحة اللبنانية التي تعد العمود الفقري للاقتصاد اللبناني، فضلا عن العبء المالي الناجم عن الأزمة السورية وتدفق الهائل للاجئين السوريين إليه والذي بدوره ساهم بتدهور لبنان اقتصاديا.
تعاقب الأزمات الاقتصادية وفشل الحكومات المتعاقبة والفساد المستشري بالدوائر العامة والسرقات والأموال المهدورة جعلت من لبنان صاحب ثالث أكبر دين عام في العالم.
مكرمة قطرية على حساب الأخطاء السعودية
مع دخول الشهر الثامن من تأليف الحكومة اللبنانية، برز إلى العلن حدث مهم وبدلالات وأبعاد مختلفة وهو قيام دولة قطر بتقديم مبلغ 500 مليون دولار أمريكي على شكل قرض ميسر واستثمارات دعما للبنان، وذلك خلال المؤتمر الاقتصادي العربي من أجل التنمية الذي انعقد في بيروت. لا شك أن الدفعة القطرية ليست بقيمتها المالية بل بقيمتها المعنوية حيث سيساهم المبلغ باستقرار الوضع في سوق السندات خصوصا بعد أنباء وتلميحات لبنانية عن إمكانية إعادة هيكلة الديون.
مما لا شك فيه أن الخطوة القطرية جاءت مفاجئة للكثيرين خصوصا مع مقاطعة الصف الأول من الملوك والرؤساء العرب للقمة الاقتصادية التنموية في بيروت والتي اخترقتها قطر بحضورها الرسمي من خلال الأمير القطري وتبعه الدعم المالي للبنان بـ 500 مليون دولار أمريكي، هذا الأمر أيقظ المراقبين والمحللين على تبعات الخطوة القطرية التي اعتبروها أنها رغبة قطرية بالوقوف إلى جانب لبنان في هذه الأوقات الاقتصادية والسياسية الصعبة.
أزمات وصراعات جديدة وميدانها لبنان
وجدت قطر ضالتها لمواجهة السعودية بقوة من خلال النافذة اللبنانية التي كانت تعد معقلا مؤثرا لانطلاق سياسات الرياض في منطقة الشرق الأوسط، كما تحاول قطر سد الفراغ الذي أنتجته الرياض بأخطائها في لبنان، بالإضافة إلى تغير الرؤية السياسية القطرية التي تسعى إلى توسيع نفوذها في العالم العربي كونها دولة غنية قادرة على استخدام مواردها المالية الهائلة للاستثمارات في الدول العربية (لبنان والأردن والعراق والسودان) للحصول على تأثير فيها.
هذا الانفتاح القطري على الدول العربية والمجاورة جعل من الحصار الخليجي لها يفشل ويفكها من عزلتها، كما ساهم بإغضاب القيادة السعودية من السياسة الخارجية القطرية التي انتهجت سياسة خارجية مستقلة تقوض فيها الدور التقليدي للمملكة باعتبارها الحارس الرئيسي للنظام المحافظ في العالم العربي.
وأخيرا، لا بد من القول أن الأخطاء السعودية المتراكمة فتحت لقطر أبوابا وامكانيات كثيرة بحيث باتت الدوحة أكثر ثقة بنفسها على الساحة الدولية ومستقلة بسياستها الخارجية مما يعطيها فسحة من المناورة والتأثير السياسي في بلدان كثيرة ومنها لبنان الذي قد يصبح ساحة لصراع خليجي قطري سعودي ناهيك عن كونه ساحة لصراعات اقليمية ودولية أخرى على أرض دولة صغيرة يعاني شعبها من أزمة اقتصادية يعتاش من جرعات مالية تقدم من حروب الأخرين على أرضه.
(المقال يعبر عن رأي صاحبه)