ويشير الإحصاء إلى أن 78 في المئة منهم من الذكور و21 في المئة من الإناث، وأن عدد ساعات العمل، التي يقضيها هؤلاء الأطفال في العمل تتعدى أكثر من 9 ساعات يوميا في المتوسط، وأكثر من ستة أيام في الأسبوع، أي أن عدد ساعات العمل بالنسبة للطفل قد تتجاوز عدد ساعات عمل الكبار.
الأطفال في الدستور المصري
ويجرم الدستور المصري عمل الأطفال تحت سن 15 عاما، وقبل قضاء فترة التعليم الأساسي، وفقا للمادة 80 من الدستور.
كما أكد الدستور في المادة (80/3) على التزام الدولة برعاية الطفل وحمايته من جميع أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة والاستغلال الجنسي والتجاري، ونص في الفقرة الرابعة من ذات المادة على حظر تشغيل الطفل قبل تجاوزه سن إتمام التعليم الأساسي، وأضاف بأنه يحظر تشغيله في الأعمال التي تعرضه للخطر.
وأطلق وزير القوى العاملة، محمد سعفان، الخطة الوطنية لمكافحة أسوأ أشكال عمل الأطفال في مصر ودعم الأسرة، بداية يوليو/حزيران من العام الماضي، حتى عام 2025، بالتعاون مع منظمة العمل الدولية.
وحددت الخطة الوطنية لمكافحة أسوأ أشكال عمل الأطفال في مصر ودعم الأسرة، أنه وفقا لاتفاقيتي منظمة العمل الدولية رقم 138 لسنة 1973 بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام ورقم 182 لسنة 1999 بشأن أسوأ أشكال العنف، يشير عمل الأطفال للعمل الذي يشمل خطرا وضررا على الأطفال من الناحية العقلية والبدنية والاجتماعية أو الأخلاقية.
وأن أي عمل يتعارض مع دراستهم ويؤثر عليها حيث يحرمهم من الالتحاق بالمدارس ويجبرهم على ترك المدرسة.
جامع القمامة وأطفاله الثلاثة
وتتعدد الأسباب التي تؤدي إلى استغلال الأطفال في العمالة، على سبيل المثال التسرب الدراسي، وهو ما جعل (أحمد.ح) وهو طفل في العاشرة من عمره، يجبر على العمل مع والده على "عربة" لبيع الفاكهة، بعد تسربه الدراسي وعدم رغبته في استكمال الدراسة، كما أكد والده.
يقول والد الطفل إنه فعل ذلك خوفا على ابنه من اللجوء إلى صحبة السوء والاتجاه إلى السرقة أو التسول بعد كثرة هروبه من المدرسة، لذلك اصطحبه من أجل تعلم مهنة شريفة يكسب منها بالحلال، على حد وصفه.
أما الطفل أحمد — الذي بدا سعيدا بعمله — فيرى في تسربه الدراسي واتجاهه إلى أحد المهن (رجولة وجدعنة) لا يستطيع الأطفال (الفرافير) "المدللون"، أن يفعلوا مثلها.
وهناك سبب آخر يقود إلى عمليات استغلال الأطفال في العمالة دون السن القانونية، وهي سوء الأحوال الاقتصادية، وهو ما جعل (رفعت) جامع القمامة، يستعين بأبنائه الثلاثة، الذين لم يدخلوا أي مرحلة تعليمية، في جمع القمامة من إحدى المكبات الموجودة بمنطقة القاهرة الكبرى.
يقول رفعت، إن دخله الشهري لا يكفي مصاريف أسرته المكونة من خمسة أفراد، بل يضطر إلى الاقتراض من أصدقائه في أغلب الأحيان.
وبسؤاله عن نيته إرسال أطفالها إلى أحد المدراس، قال بلهجة عامية: "ماذا نفعل بالتعليم، كبر دماغك".
وتعتبر قلة الوعي الثقافي والاجتماعي أحد أهم أسباب استغلال الأطفال في سوق العمل، حيث تسعى العديد من الأسر، التي لا تدرك قيمة التعليم بالنسبة للطفل ومنحه حقوقه الإنسانية، في إقحام الأطفال في سوق العمل من أجل تعلم حرفة ما، ظنا منهم أنها ستكون سببا في سعادة الطفل بعد بلوغه ودخوله في معترك تكوين الأسرة، وهذا ما رأينا عليه (كريم)، طفل في الـ12 من عمره، يعمل في أحد مخابز العيش البلدي.
بدأ كريم، الذي زج به والديه إلى صاحب الفرن، من أجل تعلم مهنة تنفعه في المستقبل، بدلا من أن يتعلم ويجلس على أحد المقاهي دون عمل، على حد قول الطفل.
وعلل كريم قوله ذلك بأنها نصيحة والديه له، اللذين يريا أن التعليم سلعة كاسدة في عالم مادي لا يعرف سوى من يملك المادة لا من يملك الشهادة.
الأمر قد لا يكون مؤلم كثيرا بالنسبة للأولاد في المجتمع الشرقي، أما بالنسبة للفتاة فهو يمثل تعد صارخ على العادات والتقاليد المتعارف عليها من مئات السنين، حتى إن بعض المناطق، كانت ترى في تعليم الفتاة ودخولها للمدارس أمر مستهجن ولا يصح للعائلات المحافظة، قبل أن تنتشر المدارس في كل مكان وبالقرب من الأسر، حتى انخفضت نسبة الأمية بشكل كبير بين الإناث وبشكل خاص في الريف والصعيد، لكن بسبب الضغوط المعيشية وقلة الدخول بدأت بعض الأسر تقصر التعليم على الولد دون الفتاة وفي بعض الحالات "لا تعليم للاثنين معا" نظرا لعدم القدرة على الإنفاق.
قصة ملك والمعلم فرج
ملك، هي فتاة صغيرة في العمر لم تذهب للمدرسة ولا تعرف شيئا عنها وترى أنها بعيدة المنال، لذا لم تفكر فيه، تقول إن عمرها ثلاثة عشر عاما ولكن جسدها النحيل يوحي أنها أقل من ذلك بكثير.
انعدام الأمن الغذائي.
— مفوضية اللاجئين (@UNHCR_Arabic) January 8, 2019
تراكم الديون.
عمالة الأطفال.
الحرمان من التعليم.
الزواج المبكر.
هذه هي الظروف التي تعاني منها غالبية العائلات السورية اللاجئة في لبنان نتيجة الفقر. https://t.co/lkvh3xzaPo
تقول ملك، إن لديها ثلاثة أخوة أصغر سنا منها ووالدها عامل بسيط جدا لا يكفي ما يتحصل عليه لسد جوعها هي وأخوتها لذا فهى تقوم بالعمل في تنظيف الشقق وعندما لا تجد تطلب نقود بسيطة من المارة، ويتغاضى الأب والأم عن عجزه عن الإنفاق، قد ترى تلك الطفلة البريئة قرب منتصف الليل في الشتاء البارد تحمل علب المناديل الورقية بملابس لا تقيها البرد.
ولا يتعدى عمر "فرج" 12 عاما يقود إحدى وسائل النقل الصغيرة المنتشرة بشكل كبير الآن في مصر "التوك توك".
شاهدت فرج أكثر من مرة وهو يقود "التوك توك" بحرفية ويتعامل مع السائقين الآخرين بندية، وربما تتعجب من اللغة التي يتحدث بها "لغة السوق".
اضطر أبو بكر، 11 عاماً، للفرار مع والدته من الحديدة مؤخراً إلى ذمار حيث التقاه زملاؤنا.
— مفوضية اللاجئين (@UNHCR_Arabic) February 9, 2019
يواصل فريق المفوضية تقديم المساعدات للفئات الأكثر ضعفاً ممن اضطروا للنزوح نتيجة الحرب في اليمن.@UNHCRYemen pic.twitter.com/nyQuiUtefG
اقتربت من "المعلم فرج" كما يطلق عليه زملاء المهنة وطلبت أن ينقلني إلى أحد الأماكن، وسار بنا وفي الطريق شعرت بأن فرج يعرفه الجميع، سألته كيف يقود في هذه السن ولم يعمل فقال إن والده هو من يدير موقف "التوك توك" ويفرض إتاوات على كل من يريد العمل في هذا المكان وقد أخرجه والده من المدرسة يساعده في تلك المهنة المربحة وبمعنى آخر "عايزه يبقى راجل كسيب" وأن لا يضيع وقته في التعليم الذي لا طائل من ورائه".
الجرائم الأخلاقية
قال الدكتور عبد الله غازي أستاذ الصحة النفسية لـ"سبوتنيك"، إن عمالة الأطفال لها العديد من الأسباب منها ما هو نتيجة الظروف الاقتصادية أو الأفكار الموروثة، وهناك أيضا من يعتقد أن كثرة الأطفال وتشغيلهم نوع من "العزوة" ومصدر لكسب الكثير من المال، ناهيك عمن يعتقد أن تشغيل الطفل من الصغر هو نوع من التربية التي تصنع منه رجلا في المستقبل وبالقطع هو فكر خاطىء.
وتابع استشاري الصحة النفسية، هناك الكثير من الأسباب التي يخرج فيها الطفل إلى الشارع وسوق العمل بخلاف الأسباب السابقة، التي قد تكون بإرادة الأسرة، لعدم وجود عائل للأسرة نتيجة الوفاة أو التفكك الأسري، وفي تلك الحالات يكون الطفل في سوق العمل عرضة للاستخدام في كل أنواع الانحرافات نتيجة لعدم نضج شخصية الطفل.
وأضاف غازي:"نتيجة وجود الطفل المنحرف في الشارع يكون أداة لجلب باقي الأطفال سواء للاتجار بهم أو اقحامهم في جرائم وقضايا غير أخلاقية من مخدرات وأعضاء بشرية والاستغلال الجنسي ونقل الممنوعات والبلطجة والإرهاب وغيرها".
تحرم أزمات النزوح القسري ملايين الأطفال من الالتحاق بالمدارس، ومنهم علي؛ الفتى العراقي المجتهد البالغ من العمر 12 عاماً، والذي يتلقى دروس الرياضيات والعلوم والجغرافيا والتاريخ ويتعلم الإنكليزية واليونانية بفضل مبادرة تعليمية غير رسمية في جزيرة كوس في اليونان. @UNHCRIraq pic.twitter.com/paGhDtIuCI
— مفوضية اللاجئين (@UNHCR_Arabic) February 7, 2019
وقال استشاري الصحة النفسية، إن عمل الطفل صغيرا يترك لديه نوع من الحرمان النفسي، لأنه لم يعش فترة الطفولة ولم يمر بمرحلة نمو طبيعية، وتشكل تلك الأمور اضطرابات مضادة للمجتمع الذي حرمه من أن يعيش المرحلة العمرية بشكل سليم، لذا تراه يسرق ويخرب بفعل كل شيء دون أن يكون لديه ندم على ما يفعل.
وتابع:"بالإضافة لذلك يكون لديه أيضا اضطرابات في الشخصية وانخفاض تأكيد الذات ومحاولة استخدام القوة للحصول على الحق أو ما يظنه الحق وهو الأمر الذي يساهم في انتشار البلطجة والانحراف بصورة كبيرة، وتلك هي خطورة عمل الأطفال في سن مبكرة ونزوله لسوق العمل والشارع على الأسرة والمجتمع".
تقرير / أحمد عبد الوهاب