أضحت تونس تصنف ضمن الدول العربية الرائدة في مجال حرية الإعلام، لتحتل بذلك المرتبة الأولى عربيا في مؤشر حرية الصحافة لسنة 2019 وانتقلت من المرتبة 97 إلى المرتبة 72 عالميا بحسب ما جاء في التقرير السنوي الذي أصدرته مؤخرا منظمة.
"مراسلون بلا حدود" والمتعلق بالتصنيف العالمي لحرية الصحافة والذي يهم واقع الصحافة في 180 بلدا.
وبحسب ما جاء في التقرير فإن تونس هي البلد الوحيد في شمال إفريقيا الذي يواصل مسار الانتقال نحو الديمقراطية بعد انتفاضات الربيع العربي، فقد تقدمت ب25 مرتبة مقارنة بالعام الماضي في التصنيف العالمي لحرية الصحافة.
وأرجعت المنظمة أسباب تحسن ترتيب تونس إلى الانخفاض الملحوظ في الانتهاكات ضد الصحفيين ووسائل الإعلام، والتزام تونس بمنهج ديمقراطي من خلال انخراطها في مبادرة الإعلام والديمقراطية التي أطلقتها "مراسلون بلا حدود" في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2018.
أشواط متقدمة في حرية الإعلام
نقيب الصحفيين التونسيين ناجي البغوري اعتبر في تصريح لـ"سبوتنيك"، أن تونس قطعت أشواطا متقدمة في مجال حرية الإعلام وحرية التعبير التي تمثل إحدى مكاسب ثورة 14 كانون الثاني/ يناير 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس السابق زين العبدين بن علي.
لكن البلاد تتطلع دوما إلى بلوغ مراتب متقدمة في العالم في مؤشر حرية الصحافة على غرار كل من الدنمارك والترويج والسويد ليس فقط الاكتفاء بالمرتبة الأولى عربيا، على حد تعبيره.
وأشار نقيب الصحفيين إلى أن المنظمات والهياكل النقابية بتونس ستبقى صدا منيعا للدفاع عن حرية الإعلام وستتصدى إلى كل المحاولات التي يمكن أن تقوم بها السلطة التنفيذية لضرب هذا المكسب الذي لا مجال للتراجع عنه.
تراجع في الانتهاكات ضد الصحفيين
وبين البغوري أنه تم سنة 2018 تسجيل تراجع في نسبة الانتهاكات المسلطة على الصحفيين وفي نسبة الرقابة على وسائل الإعلام مقارنة بالسنوات الماضية وفق ما أكده تقرير وحدة الرصد صلب النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين.
واعتبر نقيب الصحفيين أن ذلك غير كاف بل وجب القضاء نهائيا على هذه الانتهاكات والقطع مع مختلف التضييقات المسلطة على الصحفيين والمضي نحو إرساء الاتفاقية المشتركة للصحفيين ودعوة الحكومة إلي التسريع بنشرها في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية.
وأكد البغوري أن هذه الاتفاقية ستساهم في ضمان حقوق الصحفيين وتمنع استغلال ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية من قبل لوبيات الإعلام الفاسد بالإضافة إلى ضرورة العمل على التصدي إلى كل محاولات السلطة في التلكؤ أو التراجع عن تطبيق مختلف تعهداتها فيما يتعلق بالارتقاء بوضعية قطاع الصحافة.
تونس تحتضن المؤتمر القادم للصحفيين الدوليين
نقيب الصحفيين ناجي البغوري تحدث أيضا عن استعدادات تونس لاحتضان المؤتمر القادم للاتحاد الدولي للصحفيين الذي سيعقد في يونيو/حزيران المقبل.
وأشار إلى أن تونس ستكون بذلك أول بلد عربي وإفريقي يحتضن الصحافة الدولية وسيمكن هذا المؤتمر الصحفيين التونسيين من مناقشة مختلف محاور عمل الحركة الصحفية العالمية للسنوات القادمة والمساهمة في صياغة تصورات جديدة لصحافة الجودة وحماية الصحفيين في ظل تحديات جديدة للمهنة وللمناخات العامة لممارستها.
الاصطفاف الحزبي يهدد حرية الإعلام
من جهتها اعتبرت الكاتبة الصحفية والناشطة الحقوقية التونسية نزيهة رجيبة في تصريح خاص لـ"سبوتنيك"، إن تونس تمكنت من احتلال مكانة هامة في مؤشر حرية الصحافة مقارنة ببقية الدول العربية، لكن ذلك لا ينفي أن حرية الإعلام في تونس اليوم أضحى يهددها الاصطفاف الحزبي الأعمى بسبب عدم قدرة بعض وسائل الإعلام على الحفاظ على قدر معقول من الاستقلالية.
وتابعت رجيبة أن العديد من الصحفيين والإعلاميين إما اصطفوا أيديولوجيا أو على قاعدة النفع المادي لأن بعض مؤسسات الإعلام لا سيما الخاصة منها طغت عليها رؤوس الأموال وأغلبها رؤوس أموال فاسدة تسعى إلى توجيه الرأي العام وتدجين حرية الإعلام من جديد لفائدة لوبيات مالية سياسية وهو ما أثر على المضامين الإعلامية المقدمة في بعض وسائل الإعلام التي صار كل همها تحقيق أرباح مالية ضخمة عبر الترفيع في نسب المشاهدة.
وأضافت الناشطة الحقوقية، بأنه لا يمكن الإنكار بوجود ثقافة إعلامية مناضلة وأقلام صحفية حرة تتوق إلى حرية إعلام ايجابية وبناءة وتخدم أهداف سامية ضد ما وصفته بانحدار المضمون الإعلامي.
وشددت المتحدثة، على أن الحكومات المتعاقبة على تونس منذ الثورة سعت في عديد المرات إلى محاولة إرجاع حرية الإعلام إلى القفص عبر محاولتها استصدار بعض القوانين التي تصادر الحريات وغيرها من المحاولات التي تسعى إلى إرجاع حرية الإعلام إلى بيت الطاعة أو عبر التضييقات المسلطة على بعض الصحفيين أو المدونين.
تحديات اقتصادية تهدد عدة مؤسسات إعلامية
بدوره قال رئيس مركز تونس لحرية الصحافة محمود الذوادي في تصريح لـ"سبوتنيك"، إن سقف الحريات عموما مرتفع في تونس بدرجة غير مسبوقة، لكن ذلك لا ينفي كم التحديات التي تواجه الإعلام التونسي خاصة في ظل تصاعد الضغط الاقتصادي على بعض المؤسسات الإعلامية وعلى بعض الصحفيين.
وتابع الذوادي، بأن الحريات لوحدها لا تكفي لضمان إعلام مستقل ومحايد، وإنما هذه الحرية تخضع في بعض الأحيان إلى عديد الضغوطات لعل أبرزها الضغوطات الاقتصادية التي يفرضها بعض المستشهرون على وسائل الإعلام لأن بعض المؤسسات الإعلامية
الخاصة أضحت اليوم تخضع لأجندات سياسية وأجندات رجال الأعمال المساهمين في تمويلها وهو ما يجعل الخط التحريري لهذه المؤسسات مرتهنا لصاحب المؤسسة وبالتالي يتغير الخط التحريري للمؤسسة بتغير موقف صاحبها أو من يقف ورائها ويدعمها سياسيا على عكس الإعلام العمومي بعد الثورة الذي أصبح يتمتع بهامش هام من الحريات مقارنة بالإعلام الخاص على تعبيره.
حرية الإعلام خط أحمر
رئيس مركز تونس لحرية الصحافة، أكد تراجع الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيين خاصة الجسدية منها مقارنة بالسنوات الأولى إبان ثورة 14 كانون الثاني/يناير 2011، في المقابل بين المتحدث بأنه تم تسجيل انتهاكات من نوع آخر مسلطة على الصحفيين أغلبها انتهاكات اقتصادية بسبب التشغيل الهش وتردي وضعية الصحفيين الاقتصادية والاجتماعية ذلك أن بعض الصحفيين في عدد من وسائل الإعلام اليوم أضحوا مهددين إما بالطرد أو بتطويع أقلامهم خدمة لمواقف ومصالح صاحب المؤسسة التي يشتغل فيها وهو ما اعتبره الذوادي، تهديدا خطيرا لحرية الإعلام التي تمثل خطا أحمر.
رغم الخطوات الهامة التي قطعها والمكاسب التي تحققت لحرية الصحافة في تونس، يبقى الصحفيون ومن ورائهم الهياكل والمنظمات النقابية يبدون تخوفهم من تراجع هذه الحرية والعودة بها إلى مربع التضييق والهيمنة.
ويرى متابعون للشأن الإعلامي في تونس أن من أهم الآليات للحفاظ على هذا المكسب هو ضرورة تعزيز المنظومة التشريعية المنظمة لقطاع الإعلام في تونس وذلك عبر الإسراع في تركيز هيئة الاتصال السمعي والبصري (هيئة دستورية) تكون متلائمة مع المعايير الدولية في مجال حرية الإعلام.