يحدث كل هذا في ظل جسر جوي من الدبلوماسية الإقليمية والدولية من أجل تقريب وجهات النظر بين الأطراف للخروج بالسودان من مأزقه، وحمايته من السقوط في منحدر الفوضى الذي لا يمكن لأحد كبح جماحه.
لم يتغير شىء
قال خضر عطا المنان الإعلامي والناشط السياسي السوداني في اتصال مع "سبوتنيك" اليوم الأحد، إن تصريحات الفريق حميدتي نائب رئيس المجلس العسكري لـ "نيويورك تايمز" حول التفويض الشعبي للمجلس، تعتمد في المقام الأول على فلول النظام السابق الذي حكم البلاد ثلاثين عاما.
مشيرا إلى أنه بالفعل بدأ الفلول الإطلال برؤسهم من جديد، ويعقدون اجتماعاتهم علنا، فالطبيعي رغم أنه يتم القبض عليهم بعد ثورة الشعب التي أطاحت بالبشير.
وأضاف المنان: "هؤلاء جميعا هم عناصر النظام السابق، وهؤلاء يعتمد عليهم حميدتي، ويعتبر هذا تفويض شعبي، رغم الملايين التي خرجت إلى الشارع منذ 19 ديسمبر العام الماضي وحتى مجزرة فض اعتصام القيادة العامة، وجميعها ترفض الحكم العسكري جملة وتفصيلا."
وأشار الإعلامي والناشط السياسي إلى أن كل الثوار والكثير من الشعب السوداني يرفض كل من ينتمي للمؤسسة العسكرية أن يحكم البلاد نظرا للتجربة المريرة التي عاشها الشعب طوال العقود الثلاثة الماضية تحت حكم العسكر، رغم محاولاتهم التمسح بالمدنية والإسلام.
وقال المنان:
"حميدتي يتحدث عن تفويض شعبي وهمي يتحرك بموجبه حاليا يعتمد على فلول العهد البائد".
وأكد المنان على أن المجلس العسكري المتواجد حاليا هو استمر لحكم البشير بكل تأكيد واعتقد أن شيئا لم يتغير وإن تغيرت الوجوه.
لا غنى عن الجيش والشرطة
السياسي السوداني الدكتور قطبي المهدي يرى أن تصريحات حميدتي حول التفويض الشعبي ربما يقصد بها عملية الانحياز التي قامت بها القوات إلى الشارع والتي ساعدت في إسقاط البشير، لكن الحديث عن تفويض بدون انتخابات.
وحذر السياسي السوداني من تسليم السلطة منفرده لقوى إعلان الحرية والتغيير والتي لا تعبر عن الشعب بمفردها، بل إن بها مكونات غير مقبولة من السودانيين وليس لهم صفة قانونية.
استفتاء العصيان
ومن جانبه قال الدكتور محمد مصطفى رئيس المركز العربي الأفريقي السوداني في اتصال مع "سبوتنيك" اليوم الأحد، التفويض الشعبي الحقيقي قد تجلى في استجابة الشعب السوداني كله وبمختلف قطاعاته وفئاته للعصيان المدني الذي دعت إليه قوى إعلان الحرية والتغيير.
وأضاف رئيس المركز العربي الإفريقي، كان العصيان المدني كاملا وفي كل مدن السودان وكان استفتاء حقيقيا، أكد للمجتمع الدولي والإقليمي كله حقيقة واحدة وهي مع من يقف الشعب السوداني.
وتابع مصطفى، كل المظاهرات والإعتصامات السابقة بما فيها إعتصام القيادة العامة لم تبرهن للعالم رفض الشعب السوداني للحكومات العسكرية كما برهنه العصيان المدني.
محاولة يائسة
مشيراً إلى أن ما ذكره حميدتي في اللقاء الجماهيري أو في لقائه مع النيويورك تايمز لا يعدو أن يكون محاولة يائسة للي عنق الحقيقة، حيث لا يستقيم عقل ولا منطق أن يدعي أحد العسكر بأن الشعب فوضه، ألم يتابع بنفسه كيف أن الشعب ينفذ توجيهات قوى إعلان الحرية والتغيير بالمظاهرات والإعتصامات والعصيان والإضراب.
وأوضح مصطفى أن ما قام به المجلس العسكري من تدخل لحماية الشعب الثائر، وعزل رأس النظام السابق هو من صميم واجبه الوطني والأخلاقي، ومعلوم أن كل جيوش العالم قد تم إعدادها لآداء واجبات محددة، ومع ذلك إرتضى الشعب السوداني عبر ممثله الشرعي "قوى إعلان الحرية والتغيير" تمثيل المجلس العسكري في مجلس السيادة، لكنه يريد الهيمنة على القرار السوداني في الفترة الانتقالية، إذن كيف نضمن سلاسة عملية التحول الديمقراطي في ظل تلك الظروف.
خطاب حميدتي
وكان حميدتي قال أمس السبت في تجمع بالعاصمة الخرطوم أمس السبت، إن التجمع المتواجد أمامه أثناء الخطاب بمثابة تفويض شعبي، مشيرا إلى أن المجلس يريد "تشكيل حكومة كفاءات وتكنوقراط".
وأضاف "لا نريد الاستمرار في السلطة، ونفهم اللعبة السياسية جيدا من خلال دعوتهم إلى فترة انتقالية لأربع سنوات لحكم السودان من دون انتخابات"، في إشارة إلى اقتراح سابق لقوى الحرية والتغيير.
وتابع حميدتي أن "صورتنا مشوهة هذه الأيام، لكن هذه الحشود البشرية في منطقة قرّي شمالي الخرطوم تؤكد أننا نسير في الطريق الصحيح.
وأكد أن المجلس العسكري يسعى إلى التفاوض لتنفيذ رغبات الشعب، مشيرا إلى أنه سيتواصل مع كل من أسهموا في الثورة الشعبية، وليس من حق أي جهة أن تحكم السودان إلا بموجب تفويض.
يشار إلى أن قوى التغيير تحمّل المجلس العسكري وقوات الدعم السريع التي يقودها حميدتي مسؤولية سقوط 118 قتيلا خلال فض اعتصام الخرطوم يوم الثالث من يونيو/حزيران الجاري، وأحداث عنف تلته، في حين تقدر وزارة الصحة عدد القتلى بـ 61.
لولاه لضاع السودان
وفي مقابلة مع مدير مكتب صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية في القاهرة ديكلين وولش، قال حميدتي إنه يعتقد أنه "لولا وصوله إلى منصبه لضاع السودان".
ووصف وولش المسؤول السوداني بأنه الحاكم الفعلي في البلاد، ويريد أن يقدم نفسه على أنه "المنقذ لا المخرب"، لافتا إلى أن لسان حال السودانيين هو أن صعود حميدتي إلى قمة السلطة يعكس واقعاً مخيباً للآمال، إذ إنهم أزاحوا دكتاتورا في أبريل/نيسان الماضي ليأتوا بجلاد مكانه.
ولدى سؤاله بشأن وصف البعض لهم بـ"الجنجويد"، قال حميدتي إن العبارة تعني قطاع طرق، وهو مصطلح تروجه المعارضة، حسب قوله.
وأطاح الجيش واحتجز البشير في 11 أبريل/ نيسان بعد 16 أسبوعًا من الاحتجاجات في الشوارع ضد حكمه الذي دام 30 عامًا.
وكان البشير محتجزاً في سجن في الخرطوم بحري، بالنيل الأزرق.
ويشهد السودان أزمة سياسية منذ عزل الرئيس السابق عمر البشير في 11 نيسان/أبريل الماضي إثر احتجاجات شعبية، لتستمر الاحتجاجات ضد المجلس العسكري الذي تسلم السلطة للمطالبة بنقلها للمدنيين.
ووصلت المحادثات بين المجلس العسكري والمعارضة إلى طريق مسدود، في ظل خلافات عميقة بشأن من ينبغي أن يقود المرحلة الانتقالية نحو الديمقراطية، ومدتها ثلاث سنوات.
واقتحمت قوات الأمن السودانية ساحة الاعتصام في وسط الخرطوم، يوم الثالث من الشهر الجاري، وقامت بفضه بالقوة، ما أدى، إلى مقتل أكثر من مائة شخص بحسب قوى الاحتجاج.