وأدت هذه العقوبات إلى نفور الاستثمار الأجنبي من إيران، وتقلص صادرات النفط منها، ما أدى إلى ندرة السلع المستوردة، وانهيار سعر صرف العملة المحلية، كل هذا أدى إلى زيادة التوتر في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، وفي المنطقة بشكل عام.
تأثير العقوبات على الاقتصاد الإيراني
حول العقوبات الأمريكية وتأثيرها على الاقتصاد الإيراني تحدث لـ"سبوتنيك" محمد محسن أبو النور، رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، فقال: العقوبات الاقتصادية أثرت على إيران تأثيرا كبيرا جدا، والدليل على ذلك انخفاض العملة الإيرانية بنسبة كبيرة العام الماضي، حيث وصلت إلى 144 ألف ريال لكل دولار في السوق السوداء، على الرغم من أنها تساوي 42 ألف ريال حسب سعر الصرف الرسمي.
ويتابع: هذه الأرقام تعكس تأثير العقوبات والتي استهدفت القطاعات الحساسة مثل المعادن والموانئ، وقطاع التأمين والمصارف، وهذه العقوبات استهدفت كبح إيران وتقويض خياراتها، وأثرت تأثيرا كبيرا على الداخل الإيراني.
وبدوره يشرح الخبير الاقتصادي والمهتم بالشأن الإيراني الدكتور عماد عكوش آثار هذه العقوبات على إيران، ويقول: بالنسبة لإيران بعد إزالة العقوبات الاقتصادية عليها في عام 2017، تحركت الشركات العالمية باتجاه إيران، وبدأت بعضها بتنفيذ بعض الصفقات والاستثمار في بعض المشاريع، وخاصة المشاريع الضخمة في مجال الطاقة ووسائل النقل، وبعد العقوبات الأخيرة التي فرضتها الولايات المتحدة بدأت هذه الشركات بالانسحاب.
ويكمل: من الناحية المادية وعلى المدى القصير، مع بداية انسحاب هذه الشركات أصبح هناك تضخم في السوق الإيرانية، وأثر هذا التضخم على سعر صرف العلمة، وخفضها بمعدلات كبيرة.
ويستدرك عكوش: أما على المدى طويل الأجل فالعقوبات السابقة التي فرضتها الولايات المتحدة فيما مضى فقد أدت إلى نهضة علمية كبيرة في إيران، وإيران اليوم هي الدولة العاشرة في العالم من ناحية الأبحاث العلمية، ولديها 10 جامعات ضمن التصنيف العالمي للجامعات، والعقوبات الجديدة ستؤدي إلى نهضة علمية كبيرة وإنجازات جديدة.
ويضيف: الاقتصاد الإيراني في الفترة السابقة كان اقتصاد ريعي يقوم على تصدير النفط، وبالتالي كان مجتمع استهلاكي إلى حد ما، لكن اليوم المجتمع والاقتصاد الإيراني مكتفي ذاتيا بحدود 95% تقريبا في كل حاجاته الأساسية، من الناحية الصناعية والزراعية والتكنولوجية وصناعة الأسلحة، وهو يصدر منتجاته إلى الكثير من دول العالم منتجات مهمة جدا.
العقوبات يمكن أن تؤدي إلى بعض الصعوبات على المدى القصير أو المتوسط، أما على المدى الطويل فالاقتصاد الإيراني تعود على العقوبات وأصبح اقتصاد مقاوم.
حياة المواطن الإيراني
عن أثر العقوبات على حياة المواطن الإيراني، يقول الخبير بالشؤون الإيرانية محمد محسن: العقوبات الأمريكية أدت بالتبعية إلى التأثير على حياة المواطن الإيراني، فرأينا مثلا الوزير علي أقدر صالحي وهو أستاذ جامعة ورئيس هيئة الطاقة الذرية، يشتكي من أن مرتبه انخفض إلى ما يعادل 300 دولار فقط، وذلك يعني أن المواطن العادي من طبيب ومحامي وأصحاب المهن البسيطة يملك دخل أقل من ذلك بكثير.
ويتابع: أسعار السلع ارتفعت بشكل كبير، بحسب ما نتابع في الصحف الرسمية الإيرانية، كما أن أسعار الخضار والمنتجات الحيوانية في ازدياد شديد، لذلك أعتقد أن هذه العقوبات قد أثرت بشكل كبير على حياة المواطن الإيراني.
أما عكوش فيرى أن آثار هذه العقوبات محسوسة بالنسبة للمواطن الإيراني، لكنها ليست مؤثرة بالشكل الكبير، ويوضح: المواطن الإيراني أحس بهذه العقوبات في الفترة القريبة، من حيث انخفاض قيمة العملة ومن ناحية فقدان الأصناف التي كانت تأتي من الخارج، لكن كما الاقتصاد الإيراني اعتاد على العقوبات، المواطن أيضا أصبح متعودا عليها، وبرأيي سينجح في تجاوزها.
الالفتاف على العقوبات
يقر الخبير المصري أبو النور بأن إيران تستطيع الالتفاف على هذه العقوبات، ويشرح: إيران تحاول الإلتفاف على هذه العقوبات بطرق تقليدية وأخرى مستحدثة، وتتمثل الطرق التقليدية باستخدام الممرات والمضائق الوعرة في الحدود مع أفغانستان والعراق، حيث تستخدم هذه الممرات لتهريب البضائع ومن ثم الحصول على العملة الصعبة، من دون رقابة دولية أو الدخول إلى النظام المالي الدولي.
ويكمل: تلجأ إيران إلى بيع منتجاتها في السوق السوداء عن طريق السماسرة وعن طريق المضاربات في البورصات، كأن تطرح بعض من نفطها في أسواق وبورصات الطاقة العالمية.
ويضيف: هنالك طريقة أثبتت نجاحا مع الأوروبيين وهي طريقة المقايضة، حيث تصدر إيران النفط إلى أوروبا، وبما أنها لم تكن قادرة على استلام التحويلات المالية عن طريق النظام الدولي "سويفت"، كانت تستلم دولة وسيطة هذه التحويلات، ومن ثم ترسل هذه الدولة بضائع بهذه الأموال، وهذه البضائع كانت محصورة في الأدوية والأغذية والاحتياجات الإنسانية وفقا لآلية "أنستكس".
وأشار أبو النور إلى الطرق الجديدة: أما الطرق المستحدثة التي تستخدمها إيران فهي إرسال ناقلات النفط إلى عرض البحر، ومن ثم تغلق هذه الناقلات أجهزة الملاحة حتى لا يتم تتبعها دوليا، ومن ثم يأتي تجار ووسطاء دوليون، ويأخذون هذا النفط ويبيعونه لدول أخرى، كما أنها تقايض سلعها مع البضائع الأخرى من دول آسيا.
وبدوره يرى الخبير الأقتصادي الدكتور عكوش بأن إيران تستطيع تخفيض آٌثار هذه العقوبات بطرق أخرى، ويبين: إيران تملك اليوم شبكة تواصل عالمية كانت مفقودة في السابق، واليوم هذه الشبكة تتصل مع الهند والصين وروسيا والعراق وغيرها، وجميع هذه الدول حدودها مفتوحة مع إيران، هذه المنطقة وهذه السوق تشكل حوالي ثلثي العالم والاستهلاك العالمي.
ويضيف: إيران ليست بحاجة إلى أوروبا أو الولايات المتحدة لتصدير منتجاتها أو لاستيراد ما تحتاجه بوجود هذه الشبكة، وبالتعاون معها تقوم بإنشاء شبكات وطرق كبيرة، وكما رأينا الصين طرحت مشروع طريق الحرير، وإيران هي جزء من هذا المشروع، والصين لن تستغني عن هذا المشروع أبدا.
مدى صمود إيران
عن قدرة تحمل إيران لهذه العقوبات يقول رئيس المنتدى العربي: تقديري الشخصي بأن إيران ستصمد أمام هذه العقوبات لمدة عام ونصف العام، وبعد هذا الحد أرى أن إيران ستكون مضطرة للجلوس إلى طاولة المفاوضات، لذلك هي الآن تسرع من وتيرة الضغط على المجتمع الدولي من خلال زيادة نسبة التخصيب، حتى تستخدم برنامجها النووي كأداة ضغط إذا ما اضطرت للتفاوض، وهذا الإجراء هو خطوات استراتيجية تستخدمها إيران كأداة وليس كهدف.
ويتابع: إيران تريد أن تكون في وضعية تسمح لها بتحسين شروط ومخرجات التفاوض مع الولايات المتحدة، ولا تريد بأن تكون في موقف ضعف، أو أن لا تملي مطالبها على الطرف الآخر، وهي تعمل باستراتيجية الفيلسوف الصيني سان تزو: مالا تستطيع مدافعك أن تطاله بالنيران لا يمكن لك أن تتفاوض عليه.
إيران ستقول للولايات المتحدة أنها لا تستطيع أن تقصف المفاعلات النووية التي تعمل بالطاقة القصوى حاليا، وبالتالي لا يمكن لأمريكا أن تتفاوض معها على البرنامج النووي.
أما الدكتور عكوش فيرى أن إيران تملك النفس الطويل في القدرة على تحمل هذه العقوبات، ويختم قائلا: إيران قادرة على الصمود إلى ما شاء الله، وأعتقد أن لديها اقتصادا مقاوما تستطيع به الصمود لفترة طويلة، والذي لا يستطيع الصمود هو الاقتصاد الأمريكي، وهذا ما حصل عام 2008، عندما تجاوزت أسعار برميل النفط 140 دولارا، وهوت البورصات الأمريكية وحصلت الأزمة الكبرى في الاقتصاد الأمريكي.