ولكن عددا كبير من نساء الأرياف والدواخل لازلن يضعن الوشم وبأشكال وحروف مختلفة، فعلامة (+) مثلا تعني (ت) أو أول حروف كلمة (تامطوث) أي امرأة جميلة باللغة الأمازيغية، كما أن الأمازيغ كانوا يستعملون الوشم كدليل على وصول الفتاة إلى سن الخصوبة أو كدلالة على خصوبة النسل.
بدأت هذه العادات والتقاليد تندثر في تونس وأصبح الوشم الأمازيغي يقتصر على النساء الريفيات، علامات تثبت عمق التاريخ تلك التي ترتسم على جسد الأمازيغيات عبر أدوات بسيطة تتكون من إبرة وبعض المواد الأخرى منزلية الصنع تصنع من خلال خلط عدد من المواد للحصول على لون معين يتم تمريره عبر الثقوب التي تحدثها الإبرة لتتحول بعد الألم إلى صور متنوعة الأشكال.
مراحل تطور الوشم في عقلية التونسي
عرف الوشم في تونس تحولات كبيرة جدا وتأثر كثيرا بالثقافة السائدة في كل فترة من الفترات فمثلا في تسعينات القرن الماضي كان الوشم الرجالي في تونس حكرا على خريجي السجون والبلطجية الذين كانوا يسعون من خلال الوشوم التي يرسمونها على أجسادهم إلى إثبات مدى عنفهم من خلال رسم رأس أسد أو نسر، أو مدى وحدتهم من خلال وشم منتشر في تونس في تلك الفترة باللغة الفرنسية "pas d’amis " بدون أصدقاء أو إثبات مدى تعلقهم بمحبوباتهم من خلال كتابة أسمائهمن على إجسادهم.
لكن في بداية القرن الجديد إنتشر الوشم كثقافة عالمية في الولايات المتحدة بعد ظهور عدد من نجوم الراب على غرار الأمريكي بوشوم اللذين يرسمون أشكالا كثيرة في أجسادهم إضافة إلى مشاهير كرة القدم والتمثيل.
تسربت هذه الثقافة شيئا فشيئا في تونس واختلطت بالإرث الأمازيغي وكانت في بداية الأمر حكرا على الرجال وبرسوم محدودة جدا تكاد لا ترى، ولكن بعد ثورة 14 من يناير/كنون الثاني 2011 عرفت هذه الثقافة تطورا كبيرا وأصبحت النساء أيضا تزين أجسادهن بالوشوم بعد ظهور عدد من الممثلات والنجمات العربيات اللاتي تضعن وشوما.
تحول الوشم إلى حرفة
تطور هذه الثقافة دفع بالبعض منهم إلى جعلها مهنة بعد تلقي تدريبات في رسم الوشوم وفتح مراكز خاصة برسم الوشوم يقول سيف بن شعبان (شاب عشريني) "أن هذا الوشم الثالث الذي يرسمه على جسده، مشيرا إلى أن الوشم في السابق كان حكرا على حكرا على البلطجية لكن اليوم اصبح ثقافة كاملة".
يضيف سيف في حديثه لـ"سبوتنيك"، "في كل وشم أرسمه على جسدي تمكن قصة ما، لا أرسم وشوما في جسدي لأني أعجبت بصورة ما أو لتقليد فنان ما، الوشم بالنسبة لي هو لتوثيق شيء ما عايشته أو للتعبير عن أهمية قصة مررت بها في حياتي، كان الوشم قديما شيئا مكروها، اليوم أصبح الوشم شيئا محبذا وأضحى العديد من الشباب في تونس يضعون وشوما" في مختلف أنحاء أجسادهم.
مراكز الوشم تنتشر في تونس
يحي الرمضاني صاحب أحد مراكز الوشم في تونس العاصمة، أسس يحي هذا المركز بعد تلقي عدد كبير من دورات التدريب في رسم الوشم على الجسد. بعد سنوات من فتح المركز يقول بأنه تمكن من اكتساب سمعة جيدة لدى الشباب و حول نوعية حرفائه يقول يحي "اليوم يمكن القول أن جميع فئات المجتمع تضع وشوما الأمني، الطبيب، الأستاذ، أصبح الوشم ثقافة سائدة في تونس".
ليحي قصة جعلته يقتحم عالم الوشم، فقبل عمله الحالي كان يحي يعمل في اختصاص تخرجه وهو تقني سامي لكنه بعد فترة إكتشف أن هذا العمل لا يمت له بصلة وهو ما دفعه إلى دخول عالم الوشم الذي اكتشفه بالصدفة، يتحدث يحي عن المصاعب التي واجهها بعد دخوله مجال الوشم "تعرضت للعديد من المتاعب في البداية، وحصلت نوع من القطيعة مع عائلتي بحجة أنهم كانوا يرفضون هذا العمل وهذا الاختصاص، هذا إضافة إلى عدم تقبل المجتمع التونسي لهذه الثقافة، ولكن مع كل تجربة هناك تضحية يجب أن تقدمها إخترت التضحية والمضي قدما في هذه المهنة واليوم أعتقد أنني أعيش وضعية أفضل بكثير".
ثقافة جديدة تلقى قبولا من الرجال والنساء
بعد الثورة انتشر الوشم في تونس بطريقة لافتة وتغيرت معه نظرة التونسيين إلى الوشم، فبعد أن كان دليلا للحكم على الأفراد أصبح مجرد وسيلة للتعبير والتغيير .
تطور النظرة إلى الوشم جعلت العديد من النساء يقدمن عليه شأنهم في ذلك شأن الرجال على حد السواء ، حتى أنه أصبحت هناك وشوم خاصة بالنساء وأشهرها "الفراشة الحمراء على الكتف" والتي تنتشر بين نجمات السنما والغناء.
سماح (اسم مستعار) تقول أنها في بادئ الأمر لم تكن فكرة أن ترسم وشما على جسدها تتجاوز مجرد الإعجاب إلى أنها في أحد الأيام ذهبت معه صديقتها التي قررت رسم وشم آخر إضافة إلى الكلمات التي رسمتها قبل سنة على كتفها الأيسر باللغة الانجليزية والتي تؤكد فيها بأن السعادة لا نشعر بها إلا عندما نتشاركها، حضرت سماح جلسة الوشم واكتشفت رسوما كثيرة وبعد أشهر قررت سماح رسم هي الأخرى وشم على جسدها كتعبير عن الحب لحبيبها الذي تربطه بها علاقة وطيدة جدا وتقول سماح واصفة لحظة إتخاذ القرار "أنا انحدر من عائلة محافظة، ولكن في الآن نفسه كنت أشعر أنه يجب أن أضع هذا الوشم الذي سيربطني بحبيبي إلى الأبد".
تضيف سماح في حديثها لـ"سبوتنيك"، "الناس يرون هذا الوشم على أنه صورة عادية ولكنني أراه شيئا مهما جدا بالنسبة لي، فهو يذكرني بأكثر الناس أهمية في حياتي".
عرف الوشم في تونس تحولات كبيرة بدأت منذ آلاف السنين مع الأمازيغ، لينتقل من رسوم خاصة بالبلطجية و الخارجين على القانون إلى أداة للتعبير والتغيير، ولكن مهما كانت أصول الوشم في تونس يبقى ثقافة تعبر عن الشعب وجزء من هوية أمازيغية راسخة.