وبدأت تركيا الأربعاء الماضي، عملية عسكرية شمالي سوريا، تحت اسم "نبع السلام"، وادعت أن هدف العملية هو القضاء على ما أسمته "الممر الإرهابي" المراد إنشاؤه قرب حدود تركيا الجنوبية، في إشارة إلى "وحدات حماية الشعب" الكردية، التي تعتبرها أنقرة ذراعا لـ "حزب العمال الكردستاني" وتنشط ضمن "قوات سوريا الديمقراطية" التي دعمتها الولايات المتحدة في إطار محاربة "داعش".
ما هو اتفاق أضنة؟
في نهايية التسعينات، زاد التوتر بين تركيا وسوريا بقيادة الرئيس حافظ الأسد في ذلك الوقت، بسبب دعمه لتنظيم العمال الكردستاني (بي كا كا)، الذي تعتبره أنقرة إرهابيًا، وكان زعيم الحزب عبدالله أوجلان وبعض القيادات يقيمون في دمشق، ما دفع تركيا لحشد قواتها على الحدود السوري، في أكتوبر/تشرين الأول من عام 1998، وهددت بعملية عسكرية.
تدخلت مصر وإيران لوقف التصعيد، ووصلت جهود الوساطة إلى توقيع اتفاق أضنة (نسبة إلى ولاية أضنة جنوبي تركيا التي تم التوقيع فيها)، في 20 أكتوبر/تشرين الأول عام 1998.
ماذا عن بنود الاتفاق؟
ظل الاتفاق سريًا لمدة طويلة، حتى تم تسريب بنوده إلى وسائل الإعلام، والتي نصت على عدة بنود أهمها:
أن النظام السوري لم يسمح لعناصر حزب العمال الكردستاني في الخارج بدخول سوريا، مع طرح أوجلان خارج البلاد، ووقف العمل في معسكرات حزب العمال الكردستاني.
على أساس مبدأ المعاملة بالمثل، لن تسمح سوريا بأي نشاط ينطلق من أراضيها بهدف الإضرار بأمن واستقرار تركيا، كما ولن تسمح بتوريد الأسلحة والمواد اللوجستية والدعم المالي والترويجي لأنشطة حزب العمال الكردستاني على أراضيها.
كيف تقيم تركيا عملية نبع السلام في ضوء أضنة؟
إسماعيل كايا، صحفي ومحلل سياسي تركي، قال إن "العملية العسكرية التركية في شرقي نهر الفرات شمالي سوريا لا تأتي في إطار اتفاقية أضنة فقط، وإنما في إطار القانون الدولي بشكل عام والذي يتيح للدول بالدفاع عن نفسها في وجه التهديدات الخارجية".
وأضاف في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "تركيا تواجه تهديدًا أكبر من حدود الـ 5 كيلومترات التي تتيحها اتفاقية أضنة".
وتابع: "العملية العسكرية التركية تهدف إلى إنهاء خطر التنظيمات الإرهابية على الأراضي التركية، وهذه التنظيمات تمتلك صواريخ وقذائف يصل مداها إلى أكثر من 30 كيلومترًا، وبالتالي فإن إنهاء خطر هذه الصواريخ يتطلب عمقًا لا يقل عن 30 كيلومترًا، وأكبر دليل على ذلك سقوط مئات القذائف على الأراضي التركية طوال الأيام الماضية، وسقوط ما لا يقل عن 17 قتيلًا وعشرات الجرحى من المدنيين الأتراك".
وعن إمكانية انسحاب سوريا من اتفاقية أضنة وتأثير ذلك على العملية التركية، قال كايا: "تركيا في إعلانها الرسمي ومصوغاتها المعلنة للعملية ركزت على القانون الدولي ولم تذكر اتفاق أضنة بشكل معلن، وبالتالي فإن أي خطوات للنظام السوري من قبيل الانسحاب من اتفاق أضنة من جانب واحد، إذا كان مصوغًا قانونيًا لذلك، لن يؤثر على استمرار العملية".
لماذا لم تنسحب سوريا من اتفاق أضنة.. وماذا يعني الانسحاب؟
وأضاف في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "بمجرد أن تتم هزيمة المجموعات الإرهابية التي تحتل – بدعم وموافقة أتراك- قسمًا كبيرًا من خط الحدود إضافة لبعض المعابر الحدودية، ستثبت سوريا التزامها بالترتيبات الثنائية لضمان الأمن على جانبي الحدود، والذي كان النظام التركي الحالي بقيادة أردوغان هو المسؤول الأول والوحيد عن انتهاكها، وسوريا تتمتع بكامل المصداقية في ذلك تأسيسًا على حقيقة ضمانها لأمن الحدود منذ اتفاق أضنة عام 1998، وحتى عام 2011، تاريخ قيام نظام أردوغان باستباحة الحدود عبر تمرير السلاح والعناصر الإرهابية والدعم اللوجستي لجميع التنظيمات الإرهابية بما فيها داعش والنصرة".
وتابع: "بنود اتفاق أضنة تشير إلى قيام القوات التركية باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة ضمن مسافة ٥ كم فقط، في حال فشل الجانب السوري في الإيفاء بالتزاماته بموجب تفاهم أضنة؛ بمعنى أنه مهما كان سبب الفشل في الوفاء بالالتزام (دون تحديد أي سبب لهذا الفشل) بما في ذلك غياب السيطرة على المنطقة، فإن عمق العمليات المسموح به ليس أكثر من ٥ كم".
وأشار إلى أن "أهم نقطة تتعلق بالتنفيذ الصحيح لاتفاق أضنة هي ما أشار إليه نص الاتفاق حول مبدأ المعاملة بالمثل، فالاتفاق ينص حرفيًا على أن سوريا، وعلى أساس مبدأ المعاملة بالمثل، أكدت بأنها لن تسمح بأي نشاط ينطلق من أراضيها بهدف الإضرار بأمن واستقرار تركيا".
ومضى قائلًا: "اتفاق أضنة شأنه شأن جميع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ليس ترتيبًا أمنيًا من جانب واحد، وإلا فإنه ينتهك المبادئ التأسيسية لميثاق الأمم المتحدة بما فيها مبدأ السيادة المتساوية (equal sovereignty) والذي يعني بأن تكون كل دولة متساوية من ناحية التمتع بالحقوق والالتزام بالواجبات مع الدول الأخرى".
إين وصلت عملية نبع السلام؟
أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يوم الأربعاء، (10 أكتوبر 2019) أن العملية التركية شمال شرقي سوريا تدعى "نبع السلام".
وأضاف أن العملية العسكرية التركية موجهة ضد "حزب العمال الكردستاني" وتنظيم "داعش" الإرهابي (المحظور في روسيا).
وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس الجمعة، أن العمليات العسكرية لتركيا شمال شرقي سوريا سوف تستمر، مشيرا إلى أن هذه العمليات ضد الإرهاب وأنها لا تستهدف وحدة وسلامة أية دولة.
وأضاف الرئيس التركي "سنواصل عمليتنا حتى نصل إلى عمق 32 كم كما أوضح ترامب حتى نتقدم نحو الجنوب وعليهم مغادرة هذه المنطقة لأننا أعلناها منطقة آمنة لتوطين نحو 4 ملايين لاجئ... ولن نوقف عمليتنا شرق الفرات مهما قيل" منوهاً إلى أنه " قتل نحو 10 مواطنين أتراك في الهجمات على المناطق الحدودية مع سوريا".
وقال في كلمته اليوم، إن "قوات التحالف الدولي القادمة من بعد 10 آلاف كم إلى سوريا تتجاهل ما قلناه مرارا إن كل من "ب ي د" و"ي ب ك" و"داعش" تنظيمات إرهابية".
وجرى إطلاق هذه العملية، التي تعتبر الثالثة لتركيا في سوريا، بعد أشهر من مفاوضات غير ناجحة بين تركيا والولايات المتحدة حول إقامة "منطقة آمنة" شمال شرق سوريا لحل التوتر بين الجانب التركي والأكراد سلميا، لكن هذه الجهود لم تسفر عن تحقيق هذا الهدف بسبب خلافات بين الطرفين حول عمل هذه الآلية.
ما موقف سوريا؟
أكدت سوريا، أنها ستواجه القوات التركية بمختلف أشكالها في أية بقعة من البقاع السورية وبكل الوسائل والسبل المشروعة.
نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" عن مصدر رسمي في الخارجية السورية قوله إنه "بعد دعمه المستمر للإرهاب والإرهابيين في سوريا وتدريبهم وتسليحهم وحمايتهم وإرسالهم لقتل السوريين، يظهر علينا رئيس النظام التركي بتصريحات لا تخرج إلا عن شخص منفصل عن الواقع يتحدث فيها عن حرصه على حماية الشعب السوري وهو الأرعن القاتل الغارق بدم هذا الشعب عبر نظامه الأخونجي المجرم الداعم للإرهاب الراعي للمنظمات الإرهابية، التي قتلت ومازالت تقتل السوريين في أكثر من منطقة في سوريا".
وأضاف المصدر أن "تصريحات المجرم أردوغان وحديثه عن خوفه على الشعب السوري وحمايته وصون حقوقه وهو الذي يعتدي على السكان الآمنين في الشمال السوري تحت ذريعة محاربة الإرهاب".
وقال إن "هذه التصريحات لا تنم إلا عن نظام مرتكب للمجازر يرقص على كل الحبال و يتلطى بالشعارات الإنسانية وهو الأبعد عنها".
وأردف المصدر، أن "الجمهورية العربية السورية التي ردت على العدوان التركي في أكثر من منطقة عبر ضرب وكلائه وإرهابييه وهزيمتهم تؤكد أنها ستواجه العدوان التركي الغاشم بمختلف أشكاله في أية بقعة من البقاع السورية وبكل الوسائل والسبل المشروعة وتشدد أن قافلة مكافحة الإرهاب في سورية تسير ولن توقفها تصريحات أردوغان، أو أمثاله وإن حماية الشعب السوري هي مهمة الجيش العربي السوري والدولة السورية فقط".