الشيء المعروف والمتفق عليه من قبل علماء النفس الاجتماعي ومن بينهم فرويد أن "الفرد ما أن ينخرط في جمهور محدد حتى يتخذ سمات خاصة لم تكن موجودة فيه سابقاً" أي أن الأفراد بطبيعتهم وتصرفاتهم يختلفون عند وجودهم في جماعة أو تكتل بشري.
إلى يومنا هذا يعتبر كتاب المؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون "سيكولوجيا الجماهير" المنشور في بداية القرن الماضي، من أهم المؤلفات التي توصّف التغيرات التي تطرأ على الفرد عندما ينخرط في الجمهور.
غوستاف لوبون:" الإنسان إذا انضم إلى الجماعة يصبح منوماً مغناطيسياً".
وتحدث لوبون عن طبيعة التغييرات التي تطرأ على الجمهور في حالة انخراطه ضمن جماعة، مشيرا إلى أن أفراد الجمهور ينصهرون في روح واحدة وعاطفة مشتركة تقضي على التمايزات الشخصية وتخفف من مستوى الملكات العقلية، فالجمهور يؤثر على الفرد ويغير بقراراته ومستوى تفكيره، وأحيانا يكون التغيّر الى النقيض تماماً.
والأمثلة كثيرة على هذه السلوكيات وجميعها ينطبق مع التوصيف الذي حدده الكاتب لوبون في كتابه، منها مثلا:
الشعور بالتهرب من المساءلة
وتتضمن المشاركة بأعمال مخالفة للقانون كالهجوم على رجال الأمن والقيام بأعمال تخريبية وحرق الأبنية الحكومية وتدمير الممتلكات العامة، لأن وجود الفرد ضمن المظاهرة أكسبه شعور بالتهرب من المساءلة القانونية.
الخروج عن حالة التفكير الطبيعية
السلوك الآخر هو الخروج عن الحالة الطبيعية في التفكير، وأكبر مثال على ذلك هو "الطرق على الطناجر لإسقاط النظام" التي شوهدت في سورية، أو الحديث عن "ملائكة" ساعدت الثوار، حيث استغرب الكثير من النقاد كيف يمكن لمثقف الاقتناع بهذه الأفكار، لكن السر يكمن في أن وجوده ضمن الجمهور سبب لأغلب هؤلاء حالة الاقتناع ببعض الأفكار التي تبدو غير منطقية.
الجماعة تشكل غطاء للأفراد
السلوك الأخطر هو استخدام الأسلحة تحت غطاء الجماعة، وهنا برز دور بعض الأشخاص الذين كان هدفهم تأجيج الصراع، خصوصاً أن الجمهور يتحرك بشكل لا واع بعكس الأفراد، وهو ما يفسر تدخل بعض السياسيين والقوى الخارجية في الحراك.
الحاجة لمحرك "قائد"
الجماهير بحاجة لأن تخضع لمحرك "الأشخاص الذين يقودن المظاهرات في الشارع" وهذا المحرك نشاهده كثيرا في المظاهرات، ويستخدم أسلوب الهتاف والغناء لجذب العاطفة وإبعاد العقل.
الإشاعة أسرع في الجمهور
ومن السلوكيات الخطيرة أيضاً للجماهير هي الخضوع للإشاعة وتناقلها بشكل سريع، خصوصاً إذا كانت ذو طابع سيء "تحمل أخبار سيئة في مضمونها" كأخبار الخطف والاغتصاب والقتل التي انشرت في بداية "الربيع العربي" وثبت عدم صحة الكثير منها.
هذه الأسباب وغيرها تقود في الكثير من الأحيان إلى حالات عنف لا يعيها الفرد، لكن استطاع أغلب علماء النفس الاجتماعي رصدها ودراستها وتحديد أثرها، وربما التوصيف الذي أعطي للثورة الفرنسية "بأنها الثورة التي قتلت أبنائها" يعلل هذه الأسباب، فهل ستسلك ثورات "الربيع العربي" هذا الطريق في سبيلها إلى الإصلاح المنشود؟