وفي حين أن الدستور الأردني يعطي لرجال القضاء الحق المطلق في تقييد حريات الأشخاص وسجنهم، يعطي قانون منع الجرائم لسنة 1954 -ساري المفعول إلى الآن- الحق لما يطلق عليه "الحاكم الإداري" بوقف النساء إداريًا ووضعن بالسجون لغرض حمايتهن.
ويقول تقرير حديث لمنظمة العفو الدولية: "تتعرض النساء المتهمات بمغادرة المنزل من دون إذن، أو ممارسة الجنس خارج نطاق الزواج لخطر الاعتقال و"فحوصات العذرية" المهينة إذا اشتكى أفراد الأسرة الذكور إلى السلطات، كما تتعرّض النساء الحوامل خارج إطار الزواج لانتزاع أطفالهن الحديثي الولادة منهن قسرًا.
ويستند الحكام الإداريون (المحافظ أو المتصرف) في تنفيذ التوقيف الإداري إلى قانون منع الجرائم رقم (7) لسنة 1954، ويحق لهم بحسب القانون توقيف النساء واحتجازهم إداريًا بهدف حمايتهن.
والتوقيف على ذمة المحافظ من الناحية التطبيقية، يأتي إعمالًا للسلطة الإدارية الممنوحة للمحافظ التي منحته إجراءات استثنائية، تتيح له عمليًا سلب الحرية الشخصية للفرد بهدف الحفاظ على الأمن العام والنظام العام، استنادًا لنص قانون منع الجرائم الأردني رقم (7) الذي يمكّن المحافظ من اتخاذ إجراءات وتدابير غير قضائية تباشرها الإدارة وتتخذ الطابع الوقائي للحيلولة دون وقوع الجريمة أو حدوثها.
والحاكم الإداري في الأردن ينقسم إلى ثلاثة وظائف، (المحافظ) وهو يرأس المحافظة ويعين بقرار من مجلس الوزراء بناء على تنسيب الوزير على أن يقترن القرار بالإرادة الملكية السامية، وهو رئيس الإدارة العامة في محافظته وأعلى سلطة تنفيذية فيها ويتقدم على جميع موظفي الدولة في المحافظة.
و(المتصرف) وهو رئيس الإدارة العامة في اللواء وأعلى سلطة تنفيذية فيه، ويتقدم على جميع موظفي الدولة في اللواء. وهو يتمتع بصلاحيات مماثلة لصلاحيات المحافظ في منطقته، و(مدير القضاء) وهو رئيس الإدارة العامة في القضاء وأعلى سلطة تنفيذية فيه، ويتقدم على جميع موظفي الدولة في القضاء.
حجز النساء في الأردن
وقالت منظمة العفو الدولية في تقرير لها، إنه يجب على السلطات الأردنية الكف عن التواطؤ مع نظام "وصاية" الرجل على المرأة المسيء، للتحكم في حياة النساء والحدّ من حرياتهن الشخصية.
وقالت هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: "على مدى السنوات العديدة الماضية، اعتمدت الحكومة عدة تدابير إصلاحية مهمة للتصدي للعنف القائم على النوع الاجتماعي، من خلال افتتاح ملجأ دار آمنة للنساء المعرضات للخطر، ولكن حان الوقت الآن لوضع حد للاحتجاز والمعاملة السيئة للنساء لمجرد عصيانهن أوصيائهن، أو مخالفتهن الأعراف المتعلقة بالنوع الاجتماعي".
يضيف التقرير: "يسيء المحافظون في الأردن استخدام نص مشين في تشريع قانون منع الجريمة، من أجل الاحتجاز الإداري لعشرات النساء في أي وقت، وجاء في رد مكتب رئيس الوزراء على منظمة العفو الدولية أن هناك 149 امرأة رهن الاحتجاز الإداري، وأن 1259 امرأة قد تم إطلاق سراحهن من الاحتجاز الإداري، خلال الأشهر الستة الأولى من 2019، وتم احتجازهن لعدة أسباب من بينها "الغياب" عن المنزل من دون إذن ولي الأمر الذكر، وممارسة الجنس خارج إطار الزواج (الزنا).
ويتابع: "وأبلغ مكتب رئيس الوزراء منظمة العفو الدولية أن 85 امرأة قد احتجزن إداريا حتى الآن في 2019، بسبب الزنا، لكنه نفى أن يتم سجن النساء على الإطلاق بسبب "غيابهن"، ما لم يكن يشتبه في ارتكابهن جريمة أخرى".
تضارب مع القضاء
النائبة بلجنة الحريات في مجلس النواب الأردني، وفاء سعيد يعقوب، قالت إن "التوقيف الإداري للنساء في الأردن يتم بحسب قانون منع الجرائم الأردني ساري المفعول، وهو أحد القوانين الأردنية القديمة الذي لم يجر عليه أي تحديثات أو تعديلات".
ووصفت النائبة البرلمانية، قانون منع الجرائم بـ "الثقب الأسود في منظومة العدالة الجنائية الأردنية"، مشددة على "ضرورة التخلص منه فورًا، أو حتى تعديله بما يضمن الحد الأدنى، ليتناسب مع التطور الكبير في حالة الحريات وحقوق الإنسان بالأردن".
ضحية في الحبس ومصدر التهديد حر طليق
وبشأن تبرير الحكومة للقانون بأنه حماية للضحية، علقت بالقول: "من الضروري أن نقوم بحماية الضحية، لكن لا يمكن أن يكون ذلك عن طريق حجز حريتها، بل حجز ومعاقبة مصدر التهديد، أما الآن فالصورة مقلوبة، الضحية في السجن ومن يقوم بتهديدها في الخارج، وهذه ليست الطريقة المثلى لإحقاق العدالة وحماية النساء".
ومضت قائلة: "مع الأسف الشديد لا يزال الحكام الإداريون في مختلف المناطق بالأردن، يستخدمون صلاحياتهم بموجب هذا القانون، لحل الأزمات بالطريقة الأسهل، حبس لضحية بدلا من اعتقال مصدر التهديد".
في بعض الأحيان – والكلام لا يزال على لسان وفاء سعيد- تحجز النساء في الأردن لفترات طويلة جدًا، ولا يخرجن من الحجز إطلاقًا، وفي أوقات أخرى ترفض النساء الخروج من السجون خوفًا على حياتهن".
وبسؤالها عن دور الإيواء التي فعلتها الحكومة مؤخرًا، أجابت بالقول: "رغم النظام الجديد لهذه الدور، إلا أنها تعامل النساء المحتجزات بغرض الحماية كأنهن سجينات، لا يستطهن الخروج أو الدخول".
بدورها قالت كلثم مريش، رئيسة الاتحاد النسائي العاصمة الأردن، إنه "بموجب قانون منع الجرائم، يستطيع الحاكم الإداري بتوقيف النساء والفتايات في حالات بعينها، مثل تغيبها عن المنزل أو تعرضها للتهديد من أسرتها، بهدف الحماية من جرائم الشرف، وهنا الحاكم الإداري يحتجزهن حتى لا يتعرضن للقتل".
وأضافت في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "القانون يتضمن أيضًا احتجاز العاملات الأجنبيات اللاتي تجاوزن مددهن القانونية، أو هربوا من مكان عملهم".
وأشارت مريش إلى أن "الحاكم الإداري مجبور على توقيف النساء في هذه الحالات، لعدم توافر بيوت آمنة كافية للاحتفاظ بهن".
وأكدت أن "الأردن اتخذ خطوات إيجابية في مسألة الحد من التوقيف الإداري، مثل افتتاح دور لحماية النساء، ومنها دار (آمنة) في عمان، وخفضت هذه الدور عدد النساء الموقوفات إداريًا".
ومضت قائلة: "ألغينا المادة 308 في الأردن، والتي تسقط العقوبة على مغتصب الفتاة في حال تزوجها، إضافة إلى أن الكثير من المنظمات تقدم العون القانون للنساء لحمايتهن".
شبهة دستورية
وبشأن مطالب منظمة العفو الدولية بإلغاء الوقف الإداري للنساء نهائيًا، قالت: "عندما نطالب بإلغاء شيء لابد من إيجاد بدائل أخرى، الدولة لو لديها إمكانيات لتدشين دور إيواء للنساء في مناطق مختلفة، لن يضطر الحاكم الإداري إلى التوقيف".
وتابعت: "هناك أيضا توقيف إداري للرجال من أجل الحفاظ على حياتهم، وذلك في حال تعرضهم لتهديد، أو وجد شخص يريد الثأر منهم".
وبسؤالها عن اعتبار توقيف النساء حماية لهن أم تقيد للحريات، أجابت بالقول: "حماية للمرأة، يتم توقيف الفتاة التي تغيبت عن منزلها لأنه في حال إعادتها لأسرتها سيتم قتلها، هناك إجراءات قانونية يتم اتخاذها كفرض كفالات، أو تعهد بعدم التعرض، وفي كثير من الأحيان تتعرض الفتاة للقتل بحجة الشرف".
وأنهت حديثها قائلة: "قضية التوقيف قضية جدلية وعليها شبهة دستورية، الأصل أن يكون التوقيف قضائيا وليس بسلطة الحاكم الإداري".
قضية شائكة
من جانبه قال الدكتور عبدالله الناصر، المدير التنفيذي لجمعية الرعاية اللاحقة للسجناء وأسرهم، إن "فكرة النساء الموقوفات إداريًا تتعلق غالبًا بالحماية، بسبب الخوف عليهن من البطش".
وأضاف في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "بالرغم من إنشاء مركز خاص للموقوفات إلا أن بعض الحالات يضطر الحاكم الإداري وضعها بالسجن، بغرض الحماية، وهذا الأمر يختلف عن الرجال والذين دائمًا يحجزون إداريًا بسبب خطورتهم، أو الخوف من تصرفاتهم".
وتابع: "تعرضنا للعديد من القضايا التي تعرضت فيها سيدات للاحتجاز الإداري، إحدى هذه الحالات كانت بسبب قضية شرف، وبعد احتجازها وقع الأهل على تعهد بـ 10 آلاف دينار، ثم قتلوها أمام المنزل".
وبشأن اعتبار الاحتجاز الإداري تقييد للحريات أم حفاظ للنساء، قال: "نحن اعترضنا على التوقيف بشكل عام وطالبنا بحلول بديلة، وأعتقد أن بالنسبة للسيدات يكون الاحتجاز بهدف الحماية، أما للرجال يمكن أن يكون تقييدا للحريات".
وأشار إلى أن "احتجاز السيدات بالسجن بغرض حمايتهن، قضية ليس من السهل حلها، الفتاة يمكن أن تكون معرضة للخطر، والحاكم قد يخشى أن يتعرض للمساءلة في حال تم قتل الفتاة، إلا أن الخطورة هنا مخالطة النساء للسجينات، واكتساب السلوكيات الإجرامية، والتي تترك انطباعها على الشخص".
اتخذ الأردن العديد من الخطوات المهمة في الأعوام الأخيرة، وتحديدا تعديلات قانون العقوبات العام 2017، الى جانب افتتاح دار آمنة.
واعتبرت منظمة العفو الدولية أنه رغم افتتاح الدار، لكنه ما يزال التوقيف الإداري يمارس بحق النساء في الأردن، كما أنه يتم إجبار الأمهات عن التخلي عن أطفالهن المولودين خارج إطار الزواج الى جانب اقتياد النساء من قبل الشرطة لاجراء فحوصات العذرية”.
وقالت الرئيسة التنفيذية لـ جمعية تضامن الحماية النساء في الأردن "تضامن" أسمى خضر إن "إشكالية التوقيف الإداري والنساء المهددة حياتهن بالخطر هي أعقد من مجرد إجراءات تتخذها السلطات، فهي عبارة عن منظومة ثقافية تتطلب بذل مزيد من الجهود لتغيير الثقافة السائدة”، مؤكدة أن “حماية النساء هي مسؤولية الدولة".
وأضافت في مؤتمر صحفي أن "الخطوات الإيجابية، التي تم اتخاذها الأعوام الأخيرة، فيما يخص حماية النساء المعرضات للخطر، وأبرزها: إلغاء المادة 308 من قانون العقوبات، فضلًا عن أن “دار آمنة” أصبحت تشكل بديلا عن توقيف النساء المعرضات للخطر".