اندمج الطفل، برقصه مثل عصفور يمرح مع زهور الربيع، على وقع أغنية وطنية حماسية، صدرت حديثا للفنانين جلال الزين، وغزوان الفهد، من مذياع عجلة "تك تك"، تعود لشقيقه الذي يكبره بأعوام قليلة.
وبقي الطفل، دون تيشيرت أو قميص، بعد إصابته من إطلاق مطاطي في زند يده، عدا لفافة بيضاء، غطت إصابته، وبنطلون بلون زيتوني، وقد نسق معه الخوذة الصفراء لتجنب قنابل الغاز المسيل للدموع المخترقة للجماجم، وقفازان صفراوان مشبعان بالتعب.
وقرب الطفل، كان هناك طفل أخر، يضع كمامة على أنفه وفمه، ينظر إليه بدهشة، وسكون متفحصا رقصه بذراعين تحلقان بجسده النحيل بين عجلات التك تك، ومقدمة الجسر الجمهوري، ورصيف المطعم التركي المسمى حديثا ً بجبل أحد.
وما أن بدأت الموسيقى للأغاني الوطني، حتى تمايل الطفل علي الذي لاقى تشجيعا من أمه قائلة له : هيا علاوي، أرقص، أرقص، ليرقص أمامها وأبيه، والخجل مرسوما على وجهه وابتسامته التي رفعت خديه الممتلئين كتفاحتين حمراوتين.
وانشغلت ثلاث شقيقات صغيرات، في ساحة الأمة الكائنة خلف نصب الحرية وسط ساحة التحرير، بشرب العصير البرتقال الذي حصلن عليه بعلب متوازية الأضلاع، ملوحات بالأعلام التي شبكها أيديهن المتفرغة.
ورصدت كاميرا "سبوتنيك" استراحة أطفال فوق سن العاشرة، يتناولون الطعام الذي كان يوزع مجانا من المتبرعين الداعمين للانتفاضة المليونية في يومها الثامن حتى الآن منذ الجمعة 25 أكتوبر الماضي، وأخرون كانوا يتسلقون الأعمدة الحديدية المتروكة "السكلات" للصعود إلى طوابق المطعم التركي الذي يلازمه المئات من المحتجين رافضين التخلي والنزول عنه لحين تلبية مطالبهم بإقالة رئيس الحكومة.
وشاركت أعداد ليست بالقليلة من الأطفال في التظاهرات مع ذويهم، وبينهم أكثرية من سواق عجلات التك تك التي بها يحملون الجرحى، والقتلى الذين يقعون ضحية العنف المفرط بقنابل الغاز، والرصاص المطاطي، ونقلهم من التحرير، إلى أقرب مستشفى، لاسيما مستشفى الجملة العصبية كون الإصابات أغلبها في منطقة الرأس.
وحسب أحدث حصيلة للمفوضية العليا لحقوق الإنسان العراقية، أمس الأول الأربعاء، 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مقتل 100 شخص، وإصابة 5500 آخرين، من المتظاهرين، إثر استخدام العنف المفرط، وقنابل الغاز المسيل للدموع، والهراوات، والحجارة، في محافظات الوسط، والجنوب، والعاصمة بغداد.
ويواصل العراقيون بأعداد مليونية متزايدة في ساحة التحرير، والمناطق المحاذية لها، في وسط بغداد، ومحافظات الوسط، والجنوب، اعتصاماتهم لليوم الثامن على التوالي، لتغيير الحكومة، وطرد الأحزاب، ومحاكمة الفاسدين، والمتورطين بقتل المتظاهرين.