على المستوى السياسي، دخل لبنان مرحلة "التأليف الحكومي" التي لطالما اعتبرت من أصعب المراحل وأطولها على اللبنانيين نتيجة تعقيدات السياسة اللبنانية وتفاصيلها التي حتى بعض اللبنانيين عاجز عن فك شفراتها وزواريبها المعقدة. لكن الاختلاف الوحيد الذي يطغى اليوم على مرحلة التأليف والتشكيل دخول عنصر الشارع والمنتفضين إلى حلبة الصراع السياسي ستحاول كل الأطراف الموجودة ركب موجتها لتحسين شروطه في المفاوضات الحاصلة.
أما بشأن التأليف الحكومي، تتداول في الأوساط اللبنانية أن ما قبل استقالة الحريري ليس كما بعده خصوصا في تفاصيل عقد التحافلات بين الأطراف السياسية المختلفة، وبحسب المصادر فإن هناك 3 مسارات مختلفة للتشكيل والتأليف الحكومي.
المسار الأول، سيتمثل باتفاق الفريق الرئاسي المتمثل بالتيار الوطني الحر و"حزب الله" وحلفائه على شخصية أخرى غير الحريري، الأمر الذي قد يجعل الحكومة من فريق واحد وبالتالي ستدخل البلاد في حكم السلطة ومعارضة الأحزاب الأخرى التي لن تتمثل أي بالتالي ستعود البلاد إلى مخاض السنين العشر السابقة، والتي تمثلت بانقسام سياسي حاد بين فريق 8 و 14 مارس/آذار.
لكن هذا المسار قد يؤدي إلى نتائج معاكسة ومنها هجوم خارجي وداخلي بالإضافة إلى زيادة العقوبات الأمريكية والغربية على لبنان، كونه سيتألف من حكومة من لون سياسي واحد بعنوان "حكومة حزب الله" ما سينعكس على الوضع اللبناني المتأزم أصلا.
أما المسار الثاني فيكون من خلال تكليف الحريري مجددا وإعطاءه حرية جزئية بانتقاء اختصاصيين وشخصيات تكنوقراط ومستقلين تكون قريبة من الشارع ومتطلباته، على أن تكون خيارات الحريري مقبولة من جميع الأطراف السياسية مع شروط محدودة لأسماء يريدها كل طرف. ويعني ذلك ارتباط كل فريق بإسم معين أساسي لن يتخل عنه إلا مقابل تخلي الفريق الأخر عن الوزير الأساسي لديه وهذا الشرط مرتبط بالحريري نفسه وجبران باسيل والوزير علي حسن خليل كأسماء أساسية في الحكومة المقبلة. ما يجعل هذا المسار معقدا وصعب التطبيق.
أما المسار الثالث، فمن الممكن أن يكون من خلال تكليف الحريري مرة جديدة، لكن دون التوافق المسبق على شكل الحكومة وأسمائها، ما سيعطي القوى السياسية المزيد من الوقت لتباحث واستعراض الخيارات المتاحة مع الظروف السياسية الجديدة، وسيكون الهدف الأول لها الصمود ولتصحيح أخطاء الماضي عبر قرارات جديدة متعلقة بمطالب الشارع، لكن هذا المسار سيكون الأكثر عرضة للاهتزازات خصوصا في حال عودة التظاهرات والاحتجاجات المماثلة لانتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، التي ستضع الحكومة والسلطة السياسية في صدام جديد وربما أكثر حدية.
وأخيرا، لا شك أن الساعات والأيام الُمقبلة ستكون كفيلة بمعرفة التفاصيل التي قد تكون تنتهي بتوافق أو صدام مع الداخل كما مع الخارج.