يكتسب الجامع الأموي في حلب شهرة على مستوى العالم الإسلامي، نظراً لما يحتويه من زخرفة في فن العمارة الإسلامية وطراز عمراني قديم، إضافة إلى كونه عملاً معمارياً اغتنى بإضافات كثيرة على مر العصور التاريخية المتعاقبة، فلا يكاد عصر من العصور التاريخية الإسلامية إلا وله شاهد في المسجد الذي بني في القرن الثامن الميلادي على أنقاض المقبرة الملكية لكاتدرائية سانت هيلينا العائدة للحقبة المسيحية من الحكم الروماني في سوريا.
وتجري عملية ترميم الجامع الأموي بإشراف المديرية العامة للآثار منذ منتصف العام 2017 بعد اتفاق وزارة الأوقاف الشيشانية مع نظيرتها السورية لتمويل إعادة إعمار الجامع حيث بدأت الدراسات لتقييم الأضرار وسبل التنفيذ، ووضع القيمون على المشروع تصورا أوليا للتكلفة المالية والمدة الزمنية التي ستستغرقها مرحلة إعادة الترميم والتي اتفق على أنها تتطلب ثلاث سنوات من العمل المتواصل.
عمليات الترميم المستمرة منذ أكثر من سنتين شارك فيها نحو 100 مهندس ونحات وحرفي وعامل، متوخين إعادة الجامع إلى صورته الأصيلة قبل الحرب، حيث تستند عمليات ومخططات الترميم إلى الكتب التاريخية التي تضم الصور الأصلية للمسجد وحيث يقوم المهندسون بمهمة مقارنة الحجر بالحجر على جهاز الكمبيوتر في عملية بحث دقيقة للوصول إلى الأصل وإتقان التنفيذ.
وأوضح الحرفي عمر عزوز وهو متخصص في نحت وبناء الحجر لسبوتنيك: وصلنا في عمليات الترميم إلى إعادة بناء المئذنة الأثرية، ونقوم حاليا بتربيع الحجارة ونحتها بما يسهل عملية بنائها وتعشيقها، أي تماسك بعضها بالبعض الآخر، ونستخدم لهذه الغاية الحجارة القديمة نفسها التي تم ترقيمها من قبل مهندسين متخصصين وأساتذة في الهندسة المعمارية، كما نستعين بحجارة جديدة من الحجر الحلبي نفسه الذي بنيت منه المئذنة، وهو من أنواع الحجر الأبيض القاسي والقابل للنحت في الوقت نفسه.
وأضاف عزوز أن الدمار الذي أوقعه الإرهاب في الجامع ومئذنته ألحق أضراراً بالغة بحجارة المسجد والمئذنة وخاصة في الزخارف والمقرنصات والمزاريب والشرفيات، فجميعها تكسر بنسبة 90 بالمئة، وكذلك الساعة الشمسية التي تعرضت للتدمير، "ويهدف عملنا إلى إعادتها كما كانت قبل تعرضها للتخريب، ولدينا الخبرات اللازمة للقيام بهذه المهمة".
بدوره قال الحرفي عبد الستار عزوز المتخصص في صنعة الأرابيسك والخيط العربي لوكالة سبوتنيك: يقوم عملي مع الورشات المتخصصة على إعادة كسوة الجامع الداخلية من الأربيسك والخشب والخيط العربي والحفر اليدوي، بعدما دمرت المجموعات الإرهابية كسوة المسجد العائدة لمئات السنين، موضحاً أن مهنته هي مهنة تراثية متوارثة عن الآباء والأجداد، وهي تقوم على تعشيق الخشب من دون استخدام الغراء أو المسامير.
ويعتبر الجامع الأموي الكبير في حلب أحد أقدم المساجد السورية، ويقع في حي الجلوم في المدينة القديمة من حلب، التي أدرجت على قائمة مواقع التراث العالمي عام 1986، ويشبه الجامع إلى حد كبير في مخططه وطرازه الجامع الأموي الكبير بدمشق، وتم تشييد المسجد في القرن الثامن الميلادي، ودمرت أجزاء كبيرة منه في أبريل/نيسان من عام 2013 بعد تفخيخه من قبل المجموعات الإرهابية المسلحة إبان سيطرتها على المدينة.
وكان المسجد عانى فيما مضى من الحريق والدمار الكبير، الذي خلفه المغول حين سيطروا على حلب في عام 1260 بعد عامين من تخريبهم بغداد التي كانت مركز الحضارة الإسلامية حينها.
ويقوم الجامع اليوم على مساحة من الأرض يبلغ طولها 105 أمتار من الشرق إلى الغرب، ويبلغ عرضه نحو 77.75 مترا من الجنوب إلى الشمال ويعود الشكل الحالي للجامع إلى القرن الحادي عشر الميلادي حتى القرن الرابع عشر الميلادي، أما المئذنة فبنيت في عام 1090 ميلادي، ودمرت في نيسان من العام 2013 بعد تفجيرها بعبوة ناسفة من قبل الإرهابيين، الذين أحرقوا مكتبة المسجد بما فيها من مخطوطات دينية أثرية لا تقدر بثمن، وسرقوا المنبر الفريد الذي أحرق توأمه الوحيد في القدس، والذي يعود إلى عصر الملك الناصر محمد، وصنعه محمد بن علي الموصلي، كما تشير الكتابة عليه، وهو من أجمل المنابر المزخرفة بالرقش العربي الهندسي المركب من خشب الأبنوس والمنزل بالعاج والنحاس البراق.