طبعت على جدار كبير من نفق التحرير، ابتسامة "الدراجي" الذي قتل مطلع نوفمبر الماضي، بطريقة بشعة وثقتها المتظاهرون الذين كانوا بجانبه بتسجيل مصور، بالقرب من الجسر الجمهوري الذي طالما أطلقت منه قوات حفظ الشغب القنابل والرصاص، عند بوابة المنطقة الخضراء التي تتخذها الحكومة العراقية، مقر لها.
صفاء الذي لمعت عيناه وهما تضيئان نفق التحرير، غرس بعد مقتله في قلوب المتظاهرين، تحديات حطمت كل الرهانات، والتوقعات بفشل الثورة وعودة الشباب إلى بيوتهم، لتزداد أعدادهم بإنتفاضة تعتبر الأولى في تاريخ العراق بقيادة الشعب دون تدخل سياسي، أو حزبي، أو مذهبي، وعقائدي.
ويشارك العراقيون، من طريقة الموت التي وصفت بالبشعة، والشنيعة، المتبعة من قبل قوات الأمن، في قمع الثورة الشعبية، منذ مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وحتى ديسمبر/ كانون الأول الجاري، في تحد لالتفات العالم إليهم، لاسيما المنظمات المعنية بحقوق الإنسان، على رأسها "العفو الدولية".
تخيل أن تقتلك رصاصة بحجم علبة الصودا.. عبارة رفعها العراقيون، بتحديهم، مع صورهم وهم يحاكون بعلب المشروبات الغازية، والطاقة، والصودا الموجهة نحو أصداغهم، طريقة الموت الذي يقطف أرواحهم، بقنابل الغاز.
وأطلق تحدي "علبة الصودا العراقية" من قبل الناشط الأمريكي "جون فيلسون"، لنقل صور الموت الذي يستهدف العراقيين في ثورتهم الشعبية، موجها نداء إلى منظمتي العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، للمشاركة في هذا التحدي.
وقال فيلسون عبر صفحته الشخصية، في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" بتاريخ 27 نوفمبر/ تشرين الثاني: "قنابل الغاز المسيل للدموع هي الطريقة المفضلة الجديدة لقتل المدنيين في العراق.. تخيل أن تضربك رصاصة بحجم علبة الصودا"، مع هاشتاغين (#iraqisodachallenge)، و(#Hemingway).
وارتدي المشاركون في التحدي لاسيما في محافظات الجنوب ذي قار والبصرة، والنجف، اللواتي شهدن العنف الأكبر بحق المتظاهرين، اللون الأسود وهم يحاكون طريقة الموت بقنابل الغاز المخترقة للجماجم والعيون، والفكوك، والأضلاع.
ومن ذي قار، التي تعرض فيها المتظاهرين أواخر نوفمبر الماضي، لمجزرة قتل فيها العشرات، وأصيب المئات، يقول الناشط المشارك في تحدي علبة الصودا، صادق أحمد، بتصريح لمراسلة "سبوتنيك" في العراق، اليوم الجمعة، : من المفترض أن نجعل التحدي أيضا ً ضد الرصاص".
وأضاف أحمد، من الناشطين البارزين المشاركين في التظاهرات، بتحدي علبة الصودا، وجهت علبة "ايس كوفي" وهي بالضبط كحجم قنبلة الغاز، نحو رأسي في محاكاة طريقة الموت البشعة في قتل المتظاهرين السلميين.
ويكمل أحمد، أننا نوجه رسالتين من هذا التحدي، مفادها : أن هذه القنابل لا تخيفنا، ولا ترجعنا إلى بيوتنا، وهي موجهة للسلطات العراقية، والثانية إلى المجتمع الدولي الذي نقول له : "أن الدولة توجه قنابل الغاز لرؤوسنا لقتلنا وليس لتفريق المظاهرات".
ويواصل المتظاهرون في بغداد، ومحافظات وسط وجنوب العراق، مع انضمام المعتصمين، في المدن الشمالية، والغربية، احتجاجاتهم للشهر الثالث على التوالي تحت المطر، وموجة البرد التي حلت مؤخراً، ورغم استقالة رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، مطالبين بحل البرلمان، ومحاكمة المتورطين بقتل المتظاهرين، وإجراء انتخابات مبكرة.
وأفاد مصدر من المفوضية العليا لحقوق الإنسان العراقية، في تصريح خاص لمراسلتنا، الأحد الماضي، 1 كانون الأول/ديسمبر، بارتفاع حصيلة قمع التظاهرات في وسط وجنوب البلاد، إلى أكثر من 400 قتيل، و19 ألف جريح.
وحسب المصدر الذي تحفظ الكشف عن اسمه، أن الإحصائية الشاملة منذ بدء التظاهرات في العراق، مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وحتى يوم أمس 30 نوفمبر/تشرين الثاني، بلغت 432 قتيلا.
وأضاف المصدر، أما عدد المصابين خلال الفترة الزمنية المذكورة، فقد ارتفع إلى 19136 مصابا، من المتظاهرين، والقوات الأمنية.
ويشهد العراق منذ مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، احتجاجات واسعة للمطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية ومحاربة الفساد وإقالة الحكومة وحل البرلمان، وإجراء انتخابات مبكرة، في أكبر موجة احتجاجات تشهدها البلاد منذ سقوط صدام حسين عام 2003.