غرفتي دمرت، وكذلك حجرة بابا، وسطح المنزل احترق تماماً، في منطقة 17 تموز في الساحل الأيمن من الموصل، مركز نينوى، شمالي العراق، ومازالت آثار دماء الداعشي تملأ بيتنا الذي لا نستطيع العودة إليه عن عجز مالي نمر به…
أتنقل مع أمي وأختي وهما كل ما تبقى لي في هذه الحياة، في الساحل الأيسر من الموصل، بحثا عن منزل صغير بإيجار شهري أرخص، ونسكن حاليا في منطقة البلديات، بعيدا عن بيتنا المدمر في الأيمن المنكوب…قصة فتاة موصلية في الـ25 من عمرها.
وروت الفتاة، وهي طالبة في كلية الهندسة، لم ترغب في ذكر اسمها الحقيقي مكتفية بـ"رهف" — اسم وهمي، في حديث خاص لمراسلة "سبوتنيك" في العراق، قصتها وحالها مثل كل العائلات التي علقت في الجانب الأيمن من الموصل، ورأت ما لم يراه بشر من قبل بسبب ارتهانهم كدروع بشرية من قبل "داعش" الإرهابي خلال المعارك.
وتقول "عند تحرير منطقة 17 تموز حيث كنا نقطن، كنا قد نزحنا إلى حي آخر، لأن الدواعش أخذوا بيتنا وأسكنوا عائلاتهم فيه، بسبب عدد أفرادنا كان قليل — أنا وماما وأختي، وبابا متوفي قبل بدء العمليات العسكرية بـ40 يوم".
توفي أبي إثر عملية فاشلة لاستئصال الزائدة الدودية، ما تسبب له تسمم بالدم، لأن المستشفى كانت ملوثة ومجرثمة من قبل "داعش" الإرهابي الذي لم يسمح لنا بالخروج من المدينة قبل أن نفقد أبينا.
وتضيف، منزلنا تعرض لقصف بصاروخ من قذيفة، لأن داعشي قناص كان فوق سطح المنزل يقاتل ويستهدف القوات العراقية من بعيد، لعرقلة تقدمها وقتها، ونعتقد أنه تعرض لإصابة بليغة ولم يقتل لأن دمائه لوثت المنزل وجثته غير موجودة.
تحررنا نحن في منطقة مشيرفة في الساحل الأيمن أيضا، على يد الجيش العراقي في مايو الماضي، كنا وقتها في بيت عمتي، وحاليا نتنقل في الجانب الأيسر مثلما أخبرتك نبحث عن إيجار أرخص لعدم توفر المال لدينا — منذ أعوام بدون راتب أبي وهو دكتور جامعي، وأمي مريضة أنفقنا كل الأموال لعلاجها حتى مصوغاتها الذهبية قمنا ببيعها لإنقاذها.
من ناحيته، كشف لنا أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الموصل، طارق القصار، وهو ناشط يعمل مع فريق من الموصل لتوثيق كل ما حل بالمدينة وعائلاتها بسبب "داعش" الإرهابي، عن المناطق التي نالت القسط الأكبر من الدمار.
وأوضح القصار، أن المناطق التي وقع عليها الدمار الأكبر في الساحل الأيمن، هي ذات الكثافة السكانية العالية، وعلى رأسها المدينة القديمة التي لا تشمل الكثافة فقط وإنما مركز تجاري هام وقديم.
وبشأن العائلات التي عادت إلى مناطقها في الأيمن رغم دماره وعدم ترميمه بعد، نوه لنا القصار إلى أن الكثير من هذه العائلات رجعت لبيوتها ومنها في أحياء الزنجلي، والرفاعي، والنجار وتموز، ومشيرفة والإصلاح، لعدم وجود بدائل أمامها.
وقسم كبير من العائلات التي عادت لسكنها في الأيمن، لم ترمم منازلها، وهناك من أحدث ترميم بسط فقط كحد أدنى، يعني ممكن أن تترك العائلة طابق مدمر وتسكن في السليم وغالبا يكون الأرضي، وتعمر الضروريات من ما نسميه "لبخ" أي سد الثغرات بالاسمنت، وتركيب الأبواب والنوافذ وصبغ الحيطان..ألخ.
ويقول القصار، "رائحة الموت والبارود مازالت تملأ المكان، وهناك جثث لمدنيين مازالوا تحت أنقاض منازلهم التي دمرت فوق رؤوسهم بالذات في المدينة القديمة التي لم ترفع منها الجثث وغالبيتها للأطفال والنساء المدنيين، بعد، وغيرها من المناطق التي شهدت القتال الأخير لتحريرها من التنظيم الإرهابي.
وأضاف، هناك بعض الحالات لمدنيين مفقودين حتى اللحظة، في الساحل الأيمن، وكذلك هناك جثث مازالت متناثرة في الدور تعود لعناصر "داعش" وعائلاتهم.