لكن في ظل الظروف السياسية والعسكرية الراهنة التي تشهدها المنطقة، خصوصا الساحة العراقية، والملفات الشائكة والمعقدة التي تعصف بالعلاقات الإيرانية الأمريكة، على رأسها ملف الاتفاق النووي، يجعل إيران تدرس خيارات الرد بحذر كبير، والتي تمتد ما بين السياسية والعسكرية، وهذه بعض الخيارات المتاحة أمام إيران للرد على العملية الأمريكية:
المواجهة العسكرية..إيران "تعض على الجمر"
إيران في موقف لا تحسد عليه، فهي مضطرة للرد، بنفس شدة الضربة التي تلقتها، أي أن الرد يجب أن يكون عسكريا يوازي مستوى خسارتها، وهي سياسة إيران التي عودت أعداءها عليها، فإن لم ترد بمستوى الضربة بدت ضعيفة، وإن ردت بقوة فهي مهددة بمواجهة حرب غير محسوبة النتائج، وعلق الباحث في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، كريم سجادبور، حول الموضوع على "تويتر" قائلا إن على خامنئي دراسة خياراته بعناية مضيفا "الاستجابة الضعيفة تخاطر بفقدان ماء الوجه، والاستجابة المفرطة في القوة تخاطر بفقدان رأسه. خامنئي هو الخصم الدولي الأكثر أهمية بالنسبة لترامب في عام 2020".
10. As usual, Ayatollah Khamenei must careful calibrate his reaction. A weak response risks losing face, an excessive response risks losing his head. Khamenei is Trump's most consequential international adversary in 2020: https://t.co/h7eso0Nfcg… pic.twitter.com/nKQ4Rz9s6c
— Karim Sadjadpour (@ksadjadpour) January 3, 2020
ومن جهة أخرى اعتبر الباحث في معهد دول الخليج العربية في واشنطن علي الفونة أنه من غير المرجح أن تسارع إيران لاتخاذ إجراء، لكن "ليس لديها خيار سوى الرد والانتقام لاغتيال الميجر جنرال سليماني... لكن الجمهورية الإسلامية تتسم بالصبر وتوقيت وطبيعة هذه الضربة ليس معروفا لنا بعد".
لذلك من الممكن أن ترد إيران عسكريا، لكن الرد سيكون "ضيقا" وربما بعد وقت، لمنع الانزلاق إلى حرب شاملة، يمكن أن تكون إيران هي حلقتها الأضعف.
ناقلات النفط هدف محتمل!
يمكن أن يتخذ الرد الإيراني شكلا اقتصاديا، كاستهداف ناقلات نفط تابعة لأمريكا في الخليج والبحر الأحمر، باعتبار إيران تشرف على جزء واسع من سواحل الخليج، وهو ما يمنحها أفضلية التحرك والمناورة البحرية.
وبحسب تقرير أصدرته وكالة "المخابرات الدفاعية الأمريكية" في ديسمبر/ كانون الأول، من العام الماضي، فإن القوة العسكرية الإيرانية تعتمد على ثلاث قدرات أساسية هي برنامج الصواريخ الباليستية والقوات البحرية، ووكلاء الفصائل التابعة لها في بلدان مثل سوريا والعراق ولبنان.
وهنا يمكن لإيران الاستفادة من قدراتها البحرية والصاروخية في تنفيذ عمليات بحرية ضاربة قد تؤثر على الملاحة البحرية وعلى حركة ناقلات النفط في المنطقة، وهو ما سيكون له تبعات اقتصادية قاسية على الكثير من الدول.
ضرب قواعد أمريكية في الخليج
وبحسب ذات التقرير الذي نشرته رويترز، حول قدرات إيران العسكرية، فإنها "تمتلك صواريخ دقيقة التوجيه وصواريخ كروز وطائرات مسيرة مسلحة قادرة على ضرب القواعد العسكرية الأمريكية في الخليج، والوصول إلى إسرائيل العدو اللدود لطهران وحليف الولايات المتحدة، ويمكن لصواريخ شهاب الباليستية محلية الصنع في إيران، والتي يصل مداها إلى 2000 كيلومتر، حمل عدد من الرؤوس الحربية".
وهذا يمنح إيران القدرة على الرد في القواعد الأمريكية القريبة منها والمنتشرة على طول الساحل البحري للخليج، لكن ذلك أيضا سيشكل مخاطرة غير محسوبة النتائج.
إغلاق مضيق هرمز
موقع إيران الجغرافي بالإضافة إلى قدراتها الصاروخية يمنحانها أفضلية عسكرية في منطقة مضيق هرمز، خصوصا أن المضيق يأخذ شكل خليج يدخل الأراضي الإيرانية، ما يجعل الممر البحري "مصيدة" يمكن أن تقع فيها أي قوة عسكرية أو بحرية تعبر المنطقة، خصوصا أن إيران تملك ترسانة صاروخية كبيرة قاردة على ضرب أي هدف بكثافة تجعل من الاستحالة مواجهته بالدفاعات الجوية لبوارج عسكرية، بالإضافة إلى الألغام البحرية والزوارق السريعة.
وقد تؤدي المواجهة العسكرية إلى وقف عبور حاملات النفط من خلال مضيق هرمز، الذي يمر عبره خمس إنتاج النفط العالمي، والذي من شأنه أن يؤثر على الولايات المتحدة والعديد من البلدان في جميع أنحاء العالم اقتصاديا.
وبالرغم من أن إغلاق الممر المائي من جانب واحد (لأن جزءا منه في المياه الإقليمية لسلطنة عمان) يعتبر مخالفا للقانون الدولي ، لكن الكثير من السفن تمر عبر المياه الإيرانية، التي تقع تحت مسؤولية بحرية الحرس الثوري.
الاستعانه بالحلفاء
تملك إيران حلفاء في العراق وسوريا ولبنان، وهو ما يمكن أن يشكل ورقة أيضا يمكن استخدامها للرد عن طريق بعض الفصائل المسلحة التابعة لها والمتواجدة على الأرض، والتي عملت على سنوات في محاربة "داعش" الإرهابي (المحظور في روسيا) لكن هذا الخيار محفوفا بتعريض حلفائها لخطر الرد الأمريكي من جهة أخرى، بالإضافة إلى الحسابات السياسية الدولية، والتي تؤيد عدم التصعيد.
الخيار الدبلوماسي متاح
اعتبر الباحث الأمريكي المتخصص في الشأن الإيراني، كريم سيجادبور، أنه "في الوقت الذي يتوقع فيه كثيرون حربا عالمية ثالثة، فإن العقود الأربعة الأخيرة من تاريخ إيران تبرز أن الشيء الأهم بالنسبة للجمهورية الإسلامية هو بقاؤها" وأضاف الخبير الأمريكي أن "طهران لا تتحمل حربا شاملة مع الولايات المتحدة في الوقت الذي ترزح فيه تحت وطأة عقوبات اقتصادية مرهقة واضطرابات داخلية، ولا سيما من دون سليماني" أي أن إيران يمكن أن تفضل الخيار الدبلوماسي على العسكري في وضعها الراهن بحسب الباحث، خصوصا أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو قال بعد مقتل سليماني إن واشنطن ملتزمة بخفض التوتر في المنطقة.
1. No man in the world was directly involved in more conflicts, in more countries, over a longer period than Qassem Soleimani. His death is a HUGE loss for an Iranian regime that's actively fighting 3 cold/proxy wars-with America, Israel, and Saudi Arabia-that could all turn hot
— Karim Sadjadpour (@ksadjadpour) January 3, 2020
وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، صباح أمس الجمعة، أنها نفذت ضربة بالقرب من مطار بغداد في العراق، قتل فيها قائد فيلق القدس الإيراني اللواء قاسم سليماني، بالإضافة إلى قيادات في الحشد الشعبي العراقي على رأسهم أبو مهدي المهندس، فيما أعلنت طهران من جهتها أنها سترد بشكل قاس على عملية الاغتيال.
وتتهم واشنطن سليماني بالمسؤولية عن "العمليات العسكرية السرية" في أنحاء الشرق الأوسط، وخاصة في العراق وسوريا؛ وصنف من قبلها كـ "داعم للإرهاب".
وتشهد العاصمة العراقية، بغداد، حالة من التوتر، إذ يتظاهر الآلاف، منذ صباح يوم الثلاثاء الماضي، احتجاجا على قصف أمريكي استهدف مواقع للحشد الشعبي يوم الأحد 29 ديسمبر/ كانون الأول، ما أدى لمقتل ما لا يقل عن 27 شخصا وإصابة 62 آخرين من عناصر الحشد الشعبي.