فلم يكن قاسم سليماني مجرد قائد عسكري إيراني محنك، له رؤية سياسية بعيدة المدى، بل كان أحد أهم مهندسي مشروع غرب آسيا والذي سيربط اقتصاد أكبر قوتين اقتصاديتين في المنطقة..لذا يرى محللون أن تداعيات تلك العملية ليست سياسية وعسكرية فقط بل واقتصادية أيضا، والأمور لن تقف عند هذا الحد، بل سيكون العام الجاري ساخنا.
الاستفادة الأمريكية
فترة عصيبة
وأكد الباحث السياسي، أن الإيرانيين يمرون بالفعل بفترة عصيبة وصعبة جدا نتيجة توالي الأحداث المؤسفة عليها وبوتيرة سريعة جدا، حيث بدأت تلك المصائب باغتيال أهم القادة بشكل عام وهو "قاسم سليماني" والذي اغتالته الولايات المتحدة على الأراضي العراقية، يليه الخطأ الشديد والذي اعترفت به طهران وهو إسقاط الطائرة الأوكرانية، والذي سيترتب عليه تبعات كثيرة منها، إهتزاز صورة إيران أمام العالم بالإضافة إلى أنها ملزمة بدفع تعويضات لأسر الضحايا، في الوقت الذي تمر فيه الخزينة الإيرانية بأزمة شديدة ونقص في العملات الأجنبية.
وأشار السيوفي إلى أن كل الظروف في الوقت الراهن تأتي بما لا تشتهيه إيران، كما أن المظاهرات التي اندلعت خلال الساعات الماضية كانت بمثابة رد شعبي من جانب الشعب على أن ما حدث للطائرة كان أمرا مؤسفا، وتطالب التظاهرات بإقالة قيادات من الحرس الثوري ومحاكمتهم.
المكسب الإيراني
وأوضح الخبير في الشأن الإيراني، أن كثير من المراقبين كانوا يرون أن مقتل قاسم سليماني رغم أنها مصيبة بالنسبة للجانب الإيراني، إلا أن أتت بفائدة للسلطة في طهران بأن تسببت في وقف التظاهرات الداخلية، ووحدت صفوف الإيرانيين بشكل غير مسبوق، لكن يبدو أن هذا الأمر لن يستمر طويلا، نظرا للأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد والتي تحرك الكثير من موجات الغضب داخل الشارع، بالإضافة إلى الرفض الشعبي للكثير من القادة والسياسيين، ولذا يمكننا اعتبار التظاهرات الحالية هى امتداد للشكل القديم لأن نفس المطالب تتجدد.
ولفت السيوفي إلى أن مشكلة الإيرانيين الأخيرة بعد مقتل سليماني أنهم رفعوا سقف الرد على أمريكا بشكل كبير من خلال تصريحات القادة والمسؤولين والخطاب الإعلامي كان مبالغا فيه، وجاء الرد الإيراني غير متناسب مع هذا السقف، وفي تقديري أن العملية الإيرانية ضد القواعد الأمريكية في العراق كانت عملية نوعية، حيث أن الضربة بعثت برسالة إلى أمريكا بأن طهرات لديها سلاح متميز وأن ضرباتها يمكن أن تكون موجعة، وأعتقد أن المصالح تحكمت في تلك الضربة وتم التفاهم عليها في ظل الوساطات الدولية للتهدئة.
مشروع غرب آسيا
من جانبه قال الدكتور محمد المذحجي المحلل السياسي الإيراني لـ"سبوتنيك"، الأحداث المتسارعة في المنطقة بدأت من لحظة اغتيال قاسم سليماني بصفته قائد المشروع الإيراني في منطقة غرب آسيا المعروف باسم "محور المقاومة" والذي يعتبر جزءا من المشروع الصيني الأوربي العملاق والمعروف بـ"حزام واحد طريق واحد"و"طريق الحرير الجديد، لربط الاقتصادين الكبيرين في العالم "الصين وأوربا".
وأشار المحلل السياسي، إلى أن قيام ترامب باغتيال سليماني يعني توجيه ترامب ضربة موجعة للغاية لمنافسية، ومنافسه الأهم وهو الصين، من خلال اغتيال الرجل الأهم والذي كان يقود الترتيبات الاستراتيجية في المنطقة لصالح الصين وأوربا، وتعطيل الآداء في هذه الجغرافيا.
بديل روحاني
وفيما يتعلق بالرد الإيراني على مقتل سليماني قال المحلل السياسي، كان مطلوب من إيران أن ترد، لكن جاء الرد ليس بحجم الضرر الذي تلقته بغياب قاسم سليماني، وأطلق البعض عليه "الرد المسرحي أو الشكلي"، بينما كان بإمكان الإيرانيين إن أرادوا الرد الموجع أن يقصفوا إحدى السفن الأمريكية في الخليج العربي ويقتلوا 200 أو أكثر من القادة والضباط والجنود الأمريكيين بصاروخ واحد.
وأكد المذحجي أن الموضوع مرشح للتدهور على الكثير من الأصعدة، ويمكننا القول بأننا أمام عام إيراني ساخن بإمتياز، ومن المستبعد أن تتطور الاحتجاجات فيما بعد مقتل قاسم سليماني إلى الوضع السابق.
الطائرة الأوكرانية
ولفت المحلل السياسي، إلى أن سقوط الطائرة الأوكرانية فوق الأراضي الإيرانية واعتراف الحرس الثوري بالخطأ، ستكون له تداعيات خارجية على إيران، منها التعويضات لأسر الضحايا وشركة الطيران، علاوة على خسائر تزيد عن مليار دولار كانت تجنيها طهران نتيجة مرور الطائرات المدنية في أجوائها، لذا فالمردود الاقتصادي السلبي سيكون كبيرا.
وأفادت شبكة "NBC" الأمريكية، مساء أمس السبت، بأن المخابرات الإسرائيلية راقبت تحركات سليماني لعدة أيام، وبأن مصادر داخل مطار دمشق ساعدت وكالة الاستخبارات الأمريكية بمدها بمعلومات وتفاصيل دقيقة عن رحلة سليماني الجوية من العاصمة السورية، إلى نظيرتها العراقية، بغداد.
وذكرت الشبكة أن عناصر ونشطاء المخابرات الأمريكية في مطار بغداد أكدوا ما وصل عناصرها بأن سليماني قادم من دمشق إلى بغداد على متن طائرة Airbus A320، رحلات طيران أجنحة الشام، وبأن طائرات أمريكية دون طيار تعقبت تحركاته أو خروجه من مطار بغداد، وتمكنت من القضاء عليه في طريق هذا المطار.
وقتل قائد فيلق "القدس" الإيراني، اللواء قاسم سليماني، في غارة أمريكية في الثالث من الشهر الجاري، استهدفته وقيادات في الحشد الشعبي العراقي على رأسهم أبو مهدي المهندس، بالقرب من مطار بغداد في العراق.
وتتهم واشنطن سليماني بالمسؤولية عن "العمليات العسكرية السرية" في أنحاء الشرق الأوسط، وخاصة في العراق وسوريا؛ وصنف من قبلها كـ"داعم للإرهاب".