الصفقة الأمريكية تسمح لإسرائيل بالسيطرة الكاملة على منطقة غور الأردن المتاخمة لحدود المملكة، وقضية توطين اللاجئين، فضلًا عن ضم كامل القدس كعاصمة لإسرائيل، وهو ما يهدد – بحسب مراقبين- الأمن القومي لعمان، ويقوض الوصاية الهاشمية على المقدسات الدينية.
في ظل استمرار الحكومة الأردنية في صفقة الغاز الموقعة مؤخرًا مع إسرائيل، ربط البعض بينها وبين عدم إمكانية المملكة الرد بقوة على الصفقة، ما أعاد مطالب التراجع فيها إلى الواجهة مجددًا.
صفقة القرن وموقف الأردن
ألقى ترامب كلمة، الثلاثاء الماضي، في البيت الأبيض، للإعلان عن "خطة السلام" المقترحة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وذلك بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وحذر وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني، أيمن الصفدي، من "التبعات الخطيرة" لأية إجراءات أحادية من الجانب الإسرائيلي، داعيا لبدء مفاوضات جادة ومباشرة لمعالجة الوضع الراهن.
وقال الصفدي، في بيان:
نحذر من التبعات الخطيرة لأية إجراءات أحادية إسرائيلية تستهدف فرض حقائق جديدة على الأرض، مثل ضم الأراضي وتوسعة المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وانتهاك المقدسات في القدس.
وأكد الصفدي، أن الأردن سينسق مع "الأشقاء في فلسطين" والدول العربية الأخرى للتعامل مع المرحلة القادمة في إطار الإجماع العربي، داعيا لإطلاق مفاوضات جادة ومباشرة تعالج الوضع في إطار شامل وضروري لاستقرار المنطقة وأمنها.
المواجهة دبلوماسية
رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأردني رائد الخزاعلة، قال إن "استمرار عمل اتفاقية الغاز مع إسرائيل بعيد كل البعد عن صفقة القرن، ولا يمكن لأي شيء أن يمنع الأردن عن الرد في حال تعرضت أراضيه لأي تهديد".
وأضاف في تصريحات لـ "سبوتنيك": "هناك معاهدات أممية تحكم العلاقة بين الدول، ولا يمكن لترامب أن يمرر صفقته، أو يبرم اتفاقًا دون قبول الطرف الآخر، ما يحدث عبث سياسي وسباق انتخابات أمريكي إسرائيلي ومن الصعب تنفيذه على أرض الواقع".
وتابع: "الخطة الأمريكية بشكلها الحالي ترسيخ للاحتلال، وتزيد من معاناة الفلسطينيين، ولا تضع أي حلول لمشاكل المنطقة أو لمشكلة فلسطين، لكنها لن تتخطى كونها تصريحات سياسية لا يمكن أن تنفذ على الأرض".
وأكد أن الأردن موقفه واضح وصريح من هذه الصفقة، ويقف مع القيادة الفلسطينية، وما يقرره الشعب ويحمي مصالحه.
وبشأن الرد الأردني، قال:
إن الأردن يعالج الموضوع بهدوء، كونها صفقة غير قابلة للتنفيذ، كما حدث في القرار الأمريكي بالاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، لكن في حال كان هناك تعدي صارخ على الدولة الأردنية ستكون هناك ردة فعل أكبر من الحالية.
وأنهى حديثه قائلًا: "الأردن يستطيع أن يحمي وطنه، ولا يستطيع أي شخص، أو دولة أو صفقة التعدي على شبر من أراضينا، أو المساس بالإشراف الهاشمي على المقدسات الدينية".
تحديات أمام الأردن
من جانبها قالت الدكتور نادية سعد الدين، الباحثة الأردنية في العلوم السياسية، إن "الخطة الأمريكية للسلام تشكل تحديًا وازنًا بالنسبة للأردن من عدة أبعاد، بالإضافة إلى ما تشكله من استهداف للقضية الفلسطينية لتصفيتها، وتقويض حل الدولتين".
وأضافت لـ "سبوتنيك"، أن هذه الخطة إشكالية في قضية توطين أكثر من مليوني لاجئ يقيمون في الأردن وإن كانت بنود الصفقة لا تتضمن ذلك، لكنها مجرد أكاذيب وتلاعب أمريكي وإسرائيلي، بالإضافة إلى إشكالية فرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن وشمال البحر الميت.
وأكدت أن الخطة تهدد الوصاية الهاشمية الأردنية على المقدسات الدينية في مدينة القدس، والوضع الحالي يسمح لإسرائيل بفرض التقسيم المكاني للمسجد الأقصى بعد أن فرضوا التقسيم الزماني، وكذلك يعطي الصلاحية للإسرائيليين في التخلص من أي وجود أردني داخل القدس، من موظفين ودائرة الأوقاف، ومنع الجهود الأردنية فيما يخص صيانة ورعاية المسجد الأقصى.
وبشأن الموقف الأردني، قالت: "الموقف الأردني الرسمي والشعبي رافض لهذه الخطة، وينسجم مع ردود الفعل الفلسطينية، لكن لن يصل إلى مدى أبعد من ذلك".
وتابعت: "هناك مطالب شعبية بضرورة اتخاذ خطوات أردنية منها إلغاء اتفاقية الغاز مع إسرائيل وطرد السفير، لكن لا يمكن توقع أي استجابة حكومية تجاه هذه المطالب".
مسؤولية عربية
بدوره قال النائب يحيى السعود، رئيس لجنة فلسطين النيابية في مجلس النواب الأردني، إن الشعب الأردني بكافة مكوناته يرفض ما تسمى بصفقة القرن، وهناك مؤشرات إيجابية يمكن أن يعول عليها الشارع العربي، أبرزها تصريحات أبو مازن الأخيرة، ورفضه الرد على ترامب، واجتماع القادة هناك لتحديد آليات المواجهة.
وأضاف في تصريحات سابقة لـ "سبوتنيك":
أمريكا باتت منحازة انحيازًا كاملًا لمعسكر الظلام، وأصبحت شريكة في الاحتلال، إلا أن هناك ثورة شعبية عربية متوقعة بشأن صفقة القرن، ولابد من الحكام العرب أن يكونوا على قدر من المسؤولية لرفض هذه الصفقة المشينة، والتي تدين كل من يوافق عليها.
وتابع: "على أمريكا العودة لشرعيتها، والعودة لمربع السلام من جديد، وعليها أن تعيد نهجها وأسلوبها في التعاطي مع القضية الفلسطينية، حل أي صراع في منطقة الشرق الأوسط لا يمكن أن يكتمل إلا بحل قضية فلسطين حلًا عادلًا ومشرفًا".
الصفقة واللاجئون
قال جاريد كوشنر كبير مستشاري الرئيس الأمريكي إن "خطة السلام" التي أعلن عنها ترامب، تقدم حلاً عادلاً للاجئين الفلسطينيين بما يضمن أن تكون لديهم الفرصة لإعادة بناء حياتهم في أرض توفر لهم الأمن والأمان.
وبين أنه سوف يُعرض على اللاجئين أن يختاروا ما بين العودة إلى دولة فلسطين المنشأة حديثًا، أو الاندماج في الدول التي يقيمون فيها حاليًا، أو الاستقرار في دولة ثالثة.
ولفت إلى أن الرؤية تهدف أيضًا إلى إنشاء وديعة مالية كبيرة لدعم اللاجئين وتعويضهم، وستضمن أن جميع اللاجئين سوف يكون لديهم أخيرًا مكان يعتبرونه موطنًا لهم.
اتفاقية الغاز
مؤخرًا بدأت الأردن في تلقي الغاز الإسرائيلي بموجب اتفاق بين الدولتين، وقالت الحكومة الأردنية بعد التوقيع إن تأمين إمدادات طاقة بأسعار مستقرة للعقد المقبل يمكن أن يوفر 500 مليون دولار سنويا على الأقل ويساهم في تقليص عجز الموازنة المزمن.
وخرج أردنيون إلى الشارع في تظاهرات غاضبة أكثر من مرة استجابة لدعوة الحملة الوطنية الأردنية لإسقاط "اتفاقية الغاز مع إسرائيل"، ووافق مجلس النواب الأردني قبل أيام، على مقترح اللجنة القانونية الخاص بمنع استيراد الغاز من إسرائيل، إلا أن القرار غير ملزم للحكومة.