رغم مرور ما يقرب من عقدين من الزمان، مازال الدم العراقي ينزف وأوصال البلاد مقطعة بين الإرهاب والفساد والطائفية والأطماع الدولية والإقليمية.. الكثير من الذكريات المؤلمة يحملها يوم التاسع من أبريل على لسان بعض معاصريها.
السيطرة على النفط العراقي
قال قطحان الخفاجي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة النهرين العراقية، إن "الاحتلال الأمريكي للعراق كان ضرورة أمريكية"، مضيفا: "بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، أصبحت أمريكا تغرد على قمة الهرم الدولي".
وتابع في اتصال مع "سبوتنيك": "كتب وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، وهو خبير استراتيجي مخضرم، كتابا أسماه (الفرصة السانحة) حذر من خلاله أمريكا من مخاطر عدم استثمار الفرصة السانحة، بعد تفردها، بقصد الحفاظ على موقعها الريادي والسعي الجاد من عدم إفساح المجال لأي طرف بمنافستها".
وأوضح الخفاجي، قائلا: "حذرهم من تكرار خطأ أمريكا مطلع أربعينات القرن الماضي عندما سمحوا للسوفيت بامتلاك السلاح النووي وأصبح هناك توازن دولي نتيجة لذلك، وكانت الفرصة السانحة التي يراها كيسنجر هي السيطرة على نفط العراق وإنهاء التأميم، حتى تتحكم أمريكا بالنفط، الذي يمثل عصب الحياة والاقتصاد في العالم، ولكي تحد من احتمالات صعود نجم روسيا أو الصين، ببقاء نفط العراق خارج سيطرة الشركات العالمية".
الكيان الصهيوني
وقال: "كان بقاء نظام مثل نظام ماقبل 2003 هو خطر حقيقي للكيان الصهيوني، وللأطراف الصديقة لأمريكا، وهو ما قاد لاحتلال العراق وإنهاء دوره وتأثيره الإقليمي ليصبح خارج التوازن الإقليمي على كل الأصعدة".
ويقول أستاذ العلوم السياسية العراقي: "بعد الانسحاب الأمريكي من العراق وإطلاق يد إيران في ترتيبه سياسية ثم عسكريا، انطلقت إيران للمنطقة عبر العراق، وكانت طرفا إقليميا فاعلا، ساهم في إعادة فاعلية دول كبرى منافسة لأمريكا مثل روسيا والصين".
وتابع: "بدأت أمريكا تدرك خطورة النفوذ الإيراني، وعزمت على تقليصه وبالتحديد في العراق، للحد الذي تعجز فيه إيران عن الانطلاق إقليميا".
وأوضح الخفاجي أنه "بعد احتلال العراق، وضعت واشنطن عملائها، بعملية سياسية عوجاء بتشريعاتها الطائفية والمذهبية، ودستور شبه جامد، لكن بعد فقدانها لجانب كبير من التأثير بالشأن العراقي مقارنة بفاعلية إيران، كان لابد لها أن تعود إما لتعديل قواعد اللعبة السياسية العوجاء القائمة منذ 2003، أو إجراء عمل ما عبر القوة المسيطر عليها، وهذا الاحتمال الأكبر".
الدولة العراقية
وأكد قحطان الخفاجي أن الوضع في العراق، في الوقت الحالي، سيء نظرا لعدة أمور تتمثل في: انتشار الفساد، الذي جعل بعض الأشخاص يتنصلون عن قناعاتهم، وتسلط إيران على الشأن العراقي، عبر أحزاب موالية َفصائل تابعة لها، رفض الشارع العراقي للعملية السياسية التي ثبت فشلها وعقمها، وانفلات السلاح خارج سيطرة الدولة العراقية في ظل صراعات مذهبية وسياسية".
وتابع: "يزيد ذلك الهواجس الأمنية على الصعيدين الإقليمي والدولي، الأمر الذي يدفع بالمجتمع الدولي إلى التحرك، وهو ما تحاول أمريكا إدارته لصالحها".
ولفت أستاذ العلوم السياسية العراقي إلى "تنامي دور الشارع العراقي، وفشل العملية السياسية العوجاء واستحالة تعديل العملية السياسية لعقم التشريعات الخاصة بالتعديل، وزيادة تأثير الفساد"، مشيرا إلى أن "هناك علاقة تنافسية بين أمريكا وإيران، وأنه لا مجال لأنصاف الحلول ولا مجال للتوافقات كما كان الحال في السابق".
ويعتقد الخفاجي أن الأمور تسير في اتجاه التصعيد على مستوى الحصار الاقتصادي، الذي قد يندرج ضمنه حالة تهاوي أسعار النفط الحالية، وربما تكون هناك احتمالات لاستخدام القوة العسكرية، قائلا "لا أعتقد أن هناك حلا سياسيا من داخل العملية السياسية رغم محاولات إيران لذلك، لأن التوافقات لم تعد ممكنة حتى بين جهات العملية السياسية".
سقوط الأمة العربية
وقال ثائر البياتي، رئيس اتحاد القبائل العربية في العراق، لـ"سبوتنيك": "في التاسع من أبريل/ نيسان (يوم سقوط بغداد)، سقطت الأمة العربية وانتهى ما يسمى (الوطن العربي)"، مشيرا إلى أن ذلك اليوم يمثل "يوم انتقال العالم إلى مرحلة جديدة من الفوضى".
وتابع: "لم يسقط نظام صدام حسين فقط، بل سقطت أنظمة المنطقة والعرب على العموم، فاحتلال العراق كان نقطة فاصلة في تاريخه، وتغيير النظام أدى إلى تغيير مفاهيم مجتمع، بعد محاولة "بلقنة العراق" وفق رؤيا تم إقرارها منذ عقود".
وأضاف البياتي، أن "العراق لم يتم احتلاله لتغيير نظام الحكم، بل العراق احتل من أجل تدمير مجتمعه وبنيته ونهضته والأهم هو تدمير الفكر الوطني وقتل الانتماء للوطن"، مشيرا إلى أنه يمكن مقارنة احتلال أمريكا العراق باحتلال المغول للعراق سنة 658 ميلادية".
تاريخ العراق
وأكد البياتي، قائلا: "على سبيل المثال أثر تفكيك يوغسلافيا على أوروبا فقط، لكن بعد احتلال العراق تغيرت خريطة العالم سياسيا واقتصاديا، وبعد 17 عام من الاحتلال وتداعياته وكل المشاريع التدميرية التي تم ممارستها على العراق، أثبت الشعب العراقي فشلها وأن كل أدوات المحتل ومشاريعه فشلت، بل الأكثر أهمية هو اعتراف المحتل بفشله وتغيير قواعد اللعبة للمنطقة برمتها".
وتوقع البياتي، ما مفاده أننا: "سنشهد مرحلة جديدة من تاريخ العراق والمنطقة والعالم بعودة الحكم المركزي بعد أن فشلت ديمقراطيات الغرب المستوردة"، مشيرا إلى أنها فشلت، حتى في منبعها أوروبا، والخارطة السياسية والاقتصادية للعالم ستختلف عن الخارطة التي تم وضعها والتسويق لها عالميا".
وتابع: "نعتقد أن أمريكا بلغت القمة وليس بعد القمة إلا الهاوية، وسبق أن مر على العراق إمبراطوريات كثيرة وكلها اندثرت وبقي العراق شامخا".
حصيلة الاحتلال الأمريكي
ومن جهته، قال عبد القادر النايل، المحلل السياسي العراقي: "حصيلة الاحتلال الأمريكي، بعد 17 عاما، هي مقتل أكثر من مليون ونصف عراقي، وترمل أكثر من مليون امرأة عراقية وتيتم 5 ملايين طفل، وتم تهجير الملايين داخل العراق، إضافة إلى 3 ملايين مغترب، وخسر العراق ألف مليار من ثرواته، وأصبح هناك نفوذ غير محدود لإيران، إضافة إلى خسارة العراق نخبته العلمية وصناعته الوطنية".
وتابع النايل في حديثه لـ"سبوتنيك": "في مثل هذا اليوم حشدت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا قوات دولية لاحتلال العراق، خارج الشرعية الدولية، بعد أن رفضت روسيا والصين وفرنسا، طلب احتلال العراق بحجج امتلاك الشعب العراقي أسلحة دمار شامل، وهي الحجج التي انكشف كذبها فيما بعد، واعتبر مجلس الأمن الدولي أن القوات الأمريكية البريطانية ومن تحالف معهم قوة احتلال".
وقال النايل: "انطلقت على إثرها المقاومة العراقية بشراسة لتسجل في التاريخ الحديث أنها أسرع مقاومة للمحتل، بعد أن كذب الشعب العراقي الأصيل ادعاءات الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش، ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير، بأن جنود بلاده سيستقبلون بالورود".
المقاومة العراقية
وتابع: "أصبح في العراق قوتان تتحكمان في المشهد العراقي؛ المحتلون ومن معهم من الأدوات السياسية والمليشيات، من جهة، والمقاومة العراقية التي تتمتع بالشرعية الوحيدة ضمن قوانين مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بحقها الشرعي في الدفاع عن بلدها، من جهة أخرى".
وقال المحلل السياسي العراقي: "بعد انهيار الجيش الأمريكي في الأنبار وبغداد وصلاح الدين والموصل ونينوى وكركوك وديالى أطلق عليها المحتل (مثلث الموت)، وتفكك على إثرها تحالف الاحتلال وانهارت أسطورة الجيش الأمريكي وهو ما دفعهم لتأسيس عملية سياسية تحت الحماية الأمريكية في استخدام أحزاب ومليشيات".
وأكد المحلل العراقي أنه: "تم استخدام الطائفية لتقسيم العراق وتدمير شعبه واستمر ذلك على مدى سبعة عشر عاما، والجيش الأمريكي لا يزال موجودا في العراق وأن الإيرانيين يستخدمون العراق في استكمال مشروعهم ضد جميع دول المنطقة وفي مقدمتها الدول العربية".
وقال: "الحصيلة الكارثية مستمرة في معاناة الشعب العراقي من العملية السياسية الحالية بعد سبعة عشر عاما، بانهيار التعليم حيث أصبحت مدارس وجامعات العراق خارج إطار الجودة بعد أن كانت المؤسسات التعليمية العراقية من أفضلها على مستوى الشرق الأوسط وتنافس على مستوى العالم، وبعد هذه السنوات ترتفع نسب الأمية الى ملايين من العراقيين".
الانهيار الأمني
واستطرد النايل: "ما يحدث الآن من انهيار صحي خطير وجائحة كورونا تؤكد الفشل الكبير للسلطة الحاكمة في العراق التي تسببت في إنهاء السيادة العراقية واستمرار الانهيار الأمني بعد فشلهم في بناء قوات عسكرية عراقية واعتمادهم على المليشيات الموالية لإيران التي تتحكم بالقرار السياسي والاقتصادي والأمني وتسعى لترسيخ التهجير والتغيير الديمغرافي".
وقال عبد القادر النايل: "هذا الفشل دفع الشعب العراقي للخروج بتظاهرات كبيرة دفع من خلالها دماء زكية في ثورة أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تطالب بإسقاط العملية السياسية ودستورها وبناء عملية سياسية وطنية راشدة تكتب بأياد عراقية بعد أن كشفت أكذوبة الديمقراطية في العراق التي سوغت الولايات المتحدة لها بأنها ثمرة الاحتلال للعراق".
وأضاف المحلل السياسي العراق: "في مثل هذا اليوم يتذكر العالم معركة الفلوجة، تلك المدينة الصغيرة بحجمها والكبيرة بأفعالها، التي هزمت الجيش الأمريكي ومن معه من المليشيات"، مشيرا إلى أنه في الذكرى الـ17 للغزو الأمريكي ندعو الولايات المتحدة الأمريكية إلى التحلي بالواجب القانوني والأخلاقي بالانسحاب المسؤول من العراق وتسليمه لشعبه وإنهاء الدور الإيراني الذي دخل بموافقتهم ودعمهم".
وتابع: "على مجلس الأمن الدولي الذي كان شاهدا على احتلال العراق أن يفعل القوانين التي تنهي الاحتلال وآثاره وتدعم تطلعات شعبه في الاستقلال والسيادة وبناء نظامه السياسي الديمقراطي"، مضيفا: "نحن على أعتاب متغيرات دولية منها عودة القطبية الثنائية لحكم العالم وتداعيات اقتصادية عالمية قادمة".
واعتبر المحلل السياسي أن "احتلال العراق كان سببا في التدمير والانهيار وانتشار الإرهاب".
