منذ تسجيل أول حالة إصابة بفيروس كورونا المستجد في مدينة ووهان الصينية، نهاية العام الماضي، كان هناك نقاش كبير حول أصل المرض الجديد الذي يواصل انتشاره في أماكن أخرى من العالم بشكل متسارع.
النسخة الجديدة من الفيروس، المعروفة علميًا بـ"سارس كوف 2"، المسببة لمرض "كوفيد 19" تعد السلالة السابعة من عائلة فيروسات "كورونا"، ويمكنها أن تتسبب بمرض وإعياء شديد للشخص المصاب، تمامًا مثل سلالتي "سارس" و"ميرس"، في حين تتسبب السلالات الأربع الأخرى بأعراض بسيطة.
وفي حين لم يحسم العلماء النظريات الجدلية حول تطور السلالة الحالية داخل الخفافيش أو آكل النمل الحرشوفي أو غيرهم من الحيوانات أو المصادر المحتملة الأخرى، كان لرئيس الولايات المتحدة رأي آخر مخالف.
يؤمن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن كورونا المستجد –الذي وصفه مرارًا بفيروس الصين- تم تطويره في مختبر سري بمدينة ووهان بوسط الصين، والتي كانت نقطة انطلاق الجائحة الحالية.
رغم أن ترامب لم يقل إن الصين فعلت ذلك عن عمد ولم يتبن إحدى النظريات المبكرة حول ابتكار الفيروس كسلاح بيولوجي لغرض الحرب، فإنه يرى ضرورة محاسبة الصين لتقصيرها أو خطأها في احتواء الوباء.
الاستخبارات الأمريكية عارضت رواية ترامب، وأشارت تقارير إلى أنها تحاول التصدي لضغوط البيت الأبيض لإدانة الصين بالتسبب في تفشي الوباء وتطويره داخل مختبرات تديرها بكين.
على أي حال، نفت الصين الاتهامات الأمريكية التي وجهها الرئيس ترامب، وقالت إنه يحاول التغطية على فشل إدارته في احتواء الوباء واتخاذ الإجراءات المناسبة (تعليق تكرر من قبل مسؤولين وسياسيين أمريكيين).
وفقًا لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" فقد أشارت رواية متداولة إلى إصابة باحثة صينية في المختبر موضع الجدل قبل نقلها العدوى إلى شريك حياتها.
هذا المختبر معني بالأساس بدراسة انتقال الفيروسات القاتلة من الحيوانات إلى الإنسان منذ تدشينه قبل 5 سنوات. تحفظ معظم حلفاء الولايات المتحدة على رواية "نشأة الفيروس في المختبر" ونفت أجهزتها الاستخبارية هذه الادعاءات.
وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الذي كان مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية سابقًا، قال إنه ليس لديه سبب للاعتقاد بأن الفيروس انتشر عمداً. لكنه أضاف: "تذكروا أن للصين تاريخاً في نشر العدوى في العالم، ولديها سجل طويل في إدارة مختبرات لا تلبي معايير السلامة المطلوبة".
بالنسبة للمعهد الذي يضم المختبر الشهير، فإنه يتعاون مع أكثر من جهة أجنبية، بينها مختبرات فرنسية، ويتلقى دعمًا ماليًا من الحكومة الأمريكية (أوقفه ترامب مؤخرًا).
نظرًا لتصينف المعهد العالمي من حيث السلامة البيولوجية، فإن مختبره مؤهل لإجراء الدراسات على الفيروسات وغيرها من الكائنات الدقيقة سريعة العدوى، وكان يعكف على فهم فيروس كورونا.
فرنسا هي من مول وصمم هذا المختبر بتكلفة 44 مليون دولار، وتم افتتاحه عام 2015، كما منحت أغلب كوادره التدريبات اللازمة لتشغيله، ويعد المختبر الوحيد من نوعه في الصين برمتها.
تصميم المختبر يحظى بمعايير استثنائية مثل لضمان تنقية الهواء الخارج منها ومعالجة المياه المنصرفة، كما يخضع العاملون به لقواعد صارمة للحفاظ على النظافة الشخصية والتعقيم قبل الخروج.
وقالت مجلة "نيتشر" العلمية البريطانية في عام 2017:
العديد من كوادره تلقوا التدريب في مختبر مماثل في مدينة ليون الفرنسية، وهو ما يطمئن إلى حد ما بالاتزام بمعايير الأمن والسلامة المطلوبة.
لكنها نقلت عن الباحث في جامعة روتجرز الأمريكية ريتشارد إيبرايت قوله إن عدة حوادث تسرب لفيروس سارس وقعت في منشأة تخضع لإجراءات سلامة مشددة في العاصمة بكين.
ويرى إيبرايت أن الصين تسعى إلى مجاراة الولايات المتحدة وأوروبا اللتين أيضا ليستا بحاجة إلى هذا العدد الكبير من هذه المختبرات، ويقول إن الحكومات سترى أن هذا العدد الكبير من هذه المنشآت يمكن استخدامه لتطوير الأسلحة البيولوجية.
في واحدة من الدراسات التي تميل إلى تحليل ومقارنة بيانات الجينوم الخاص بالفيروس، خلص العلماء إلى أن "سارس كوف 2" لم يخلق معمليًا ولم يتم التلاعب بتركيبته عن قصد.
في النهاية، ورغم عدم حسم العلم لمساءلة "نشأة الفيروس" يُصر ترامب على ادعائه، ويعد بإصدار تقرير رسمي يفصل أسباب اتهامه للصين بالتسبب في هذه الجائحة.
وقال ترامب للصحفيين خارج البيت الأبيض لدى مغادرته في رحلة إلى أريزونا، يوم الثلاثاء، إن الولايات المتحدة ستصدر تقريرها الذي يعرض بالتفصيل لمنشأ الفيروس دون أن يحدد موعدا لذلك.