مهمة الحكومة الجديدة
قال الدكتور عبد الرحمن المشهداني الخبير الاقتصادي العراقي، إن تشغيل تركيا لأول التوربينات في سد أليسوا على نهر دجلة الممتد من تركيا إلى العراق ليس هو المشكلة، المشكلة ليست في التشغيل وإنما في ملء السد وقطع المياه القادمة إلى العراق.
وأضاف الخبير الاقتصادي لـ"سبوتنيك"، الاتفاقات السابقة بين البلدين تتحدث عن الملء الجزئي، فإذا كان تشغيل التورببن يتم وفق الاتفاقات السابقة، أعتقد هنا أن العراق لن يتضرر كثيرا، لكن كل الخوف من قطع مياه نهر دجلة من أجل ملء السد لتشغيل التوربينات، هنا سيكون الضرر كبير على الاقتصاد العراقي.
وأكد المشهداني أنه من الصعب جدا تقليل الٱثار السلبية لملء السد على الاقتصاد العراقي، الأمر الٱخر أن العراق ما زال حتى اللحظة يستخدم الأساليب التقليدية في الري وتبديد المياة بشكل غير اقتصادي سواء في الزراعة أو في الاستهلاك المنزلي، وكان يجب على الحكومات السابقة في العراق أن تبدأ خطة طويلة الأمد لتدريب الفلاحين على أساليب وطرق الزراعة الحديثة، وفي حالة تقلصت حصة العراق فإن المياه القادمة قد لا تكفي حتى للاستهلاك المنزلي.
تغيرات ايجابية
أما من حيث فتح حوار جديد بين العراق وتركيا حول ملء سد أليسوا فقال الخبير الاقتصادي، هذا الأمر من مهام الحكومة الجديدة التي يقودها الكاظمي، ويمكن أن تفتح الحكومة صفحة جديدة مع تركيا من أجل عدم الإضرار بسمعة تلك الحكومة على المستوى المحلي، فالمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية الموجودة حاليا يمكن أن تعصف بالحكومة، التي هي بالأساس حكومة انتقالية جاءت من أجل إجراء الانتخابات المبكرة.
وأشار المشهداني، أعتقد أن الحل سيكون في زيارة يقوم بها الكاظمي إلى تركيا من الضغط لتأجيل عملية ملء السد ومنع عملية الضغط المائي على العراق، وفي اعتقادي أن الجانب التركي سوف يستجيب، وبما أن التغير المناخي أصبح إيجابيا بعد انتشارفيروس كورونا بأن أصبح الوضع المناخي اعتيادي، وبالتالي يمكن أن يكون الشتاء القادم شديد المطر وبالتالي تملأ السدود في العراق وتركيا.
أكبر السدود
يعد سد إليسو من أكبر السدود المقامة على نهر دجلة، ويقع في جنوب شرقي تركيا وعلى مقربة من الحدود العراقية، إذ يبعد 65 كم عنها، ويبلغ طول السد 1820 متر وبارتفاع 135 مترا وعرض 2 كم، ومساحة حوضه تقدر 300 كم مربع، ويستوعب السد في حالة امتلائه كليا بالمياه ما يقارب 20,93 بليون متر مكعب وهو مشروع كهرومائي على نهر دجلة.
خطط فاشلة
من جانبه قال عبد القادر النايل المحلل السياسي العراقي، "من المعلوم أن السياسة المائية في العراق فاشلة طوال سبعة عشر عاما، ولم يكن هناك أي خطة للسلطات الحكومية لتأهيل السدود وإنشاء خزانات ماء يمكن أن تكون رافدا مهما لنهر دجلة والفرات الذي يعتمد عليهما العراق بشكل أساسي بنسبة 100%، من حيث مياه الشرب ومياه الزراعة، وما يخدم استمرار الحياة.
وأضاف النايل لـ "سبوتنيك"، لم يقف الأمر عند فشل السياسات المائية، بل تعدى ذلك إلى استهداف نهر دجلة والفرات بتصريف مياه الصرف الصحي بشكل مباشر فيهما، فضلا عن تضييق الأنهار والروافد التي تصب فيه، وكذلك بعض السياسين استغلوا الفوضى وعدم تفعيل قوانين الموارد المائية مما دفعهم لدفن اجراء من نهر الفرات ونهر دجلة وبناء منازل كبيرة لأطراف سياسية متنفذة، وانشاء مطاعم وكازينوهات على ضفافه بعد دفن أجزاء كبيرة، مما تسبب بتضيق نهري دجلة والفرات.
جرائم ضد النهر
وأشار المحلل السياسي إلى أن هناك جريمة أخرى أرتكبت بحق نهر دجلة، أن أغلب الأنهار والروافد التي وصل عددها إلى 42 نهر ورافد تصب بنهر دجلة من الحدود المشتركة مع طهران، وبالتالي تحول تلك المياه إلى الداخل الإيراني، بسبب تواطئ السلطات الحاكمة ومليشياتها وهي انتهاك للقانون الدولي الخاص بمصادر الماء المشتركة،
ويأتي خبر تشغيل تركيا توربينات سد اليسو خبر صادم الشعب العراقي ونحن مقبلين على فصل الصيف، فضلا عن أن العراق يتعرض لأزمة اقتصادية كبيرة في ضوء تردي التيار الكهربائي الذي يتم شرائه من إيران ولا وجود له على أرض الواقع، وقد أجلت تركيا بالفعل عملية الملء لمدة عامين ولم تتحرك الحكومات ولا وزارة الموارد المائية لوضع خطة تؤهل استمرار الأمن المائي للشعب في حال تشغيل تركيا للسد.
ٱثار كارثية
وتابع المحلل السياسي، وللأسف الحكومة لاتملك أي خطط لتجيب العراق كل تلك الآثار الكارثية المتوقعة، أعلم أن هناك شحة بالماء لدى أبناء الشعب العراقي رغم وجود النهرين، بسبب عدم ايصال خدمة المياه بشكل مؤسسي لمنازل المواطنين، فكيف إذا أصبح نهر دجلة فارغا من الماء، وتضرر نهر الفرات لاسيما أن المحافظات الجنوبية ومنها البصرة والناصرية وميسان اذا انقطع الماء عنها فإن هناك أزمة صحية كبيرة جدا ستحدث، بسبب النفط وحرارة الأرض حيث يساهم الماء في إخماد الأضرار البيئة على السكان، لذلك نحن أمام كارثة قادمة ربما سنشهد فيها العطش والجوع، وانهيار الصحة في ظل عجز حكومي واقتصاد منهار، وعدم وجود الحلول، ولا يوجد حل إلا إذا أجلت تركيا قرارها بملء السد رحمة بالشعب العراقي.
بدايات السد
وقالت دراسة بحثية نشرها مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية بالعراق للباحث محمد كريم الخاقاني إن سد إليسو تعود بداياته إلى العام 1999 قبل أن تحدث انسحابات من بعض الداعمين لإقامة السد الذي تسبب في غرق مدينة حسن كيف الأثرية وتهجير أكثر من 78 ألف مواطن تركي، وبدأت الحملة الفعلية لبناء السد عام 2010 بعد الحصول على دعم من شركة انرتز النمساوية، وترى تركيا أن السد ليس له من الآثار السلبية على العراق، لأنه يسمح بمرور المياه، لكون المشروع هو كهرومائي، وبالتالي فليس له أي خطورة على حصة العراق من كميات المياه المتدفقة من نهر دجلة، وأن بناء السد لن يلحق ضرراَ بحقوق ومصالح العراق.
وأشارت الدراسة إلى أنه في عام 2007 عقد اجتماع في مدينة أنطاليا التركية لوزراء الموارد المائية للدول المعنية وهي: تركيا والعراق وسوريا، لمفاتحتها بشأن رغبة تركيا في بناء سد على نهر دجلة، وأعلن العراق عن رفضه لمثل هكذا مشاريع، وتكرر الحال في عام 2008 في العاصمة السورية دمشق، إذ أعلنت الحكومة التركية بأن السدود المقامة على نهر دجلة سوف لن تلحق ضرراَ في مصالح الدول الأخرى.
ويعتقد الجانب التركي أن نهري دجلة والفرات هما أنهاراَ وطنية داخلية وليست دولية كما تم توصيفها في القانون الدولي، إذ ترى بأن إسباغ صفة الدولية على نهري دجلة والفرات يتم في حالة كون النهر مشتركاَ بين حدود تركيا مع العراق, أي بمعنى يشكل حداَ فاصلاَ بين حدود الدولتين، وهذا ما لا ينطبق على الواقع من جهة الحدود بينهما، وبالتالي فأن لتركيا الحق في إقامة السدود، وحسب ما تقتضيه مصالحها الوطنية، وعلى هذا الأساس تبلورت في تركيا مشاريع مقايضة النفط مقابل المياه، ويظهر ذلك جلياَ في دعوة الرئيس التركي الراحل تورغوت أوزال عندما ذهب إلى حق تركيا في السيادة على مواردها المائية، وأن لا يكون بناء السدود التي تنوي بالفعل إقامتها على نهر دجلة سبباَ في إثارة أزمة دولية، بل عد أن نهري دجلة والفرات هي أنهاراَ وطنية داخلية وليست أنهاراَ دولية، والنهر لا يعد دولياَ إلا إذا كان يشكل نقطة الحدود بين دولتين أو أكثر، وبالتالي فأن لتركيا الحق في التصرف في كيفية استغلال مواردها المائية بالشكل الذي تراه مناسباَ لها ومنسجماَ مع مصالحها.