وأثارت هذه الحادثة ضجة كبيرة في الأوساط السورية خصوصا بعد صمت المجتمع الدولي وعدم إدانته لها، بما في ذلك الأمم المتحدة نفسها.
وأشار موقع" انترناشونال بزنس تايمز" إلى أن الحادثة جاءت بأوامر مباشرة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مشيرا إلى خطورة الأمر تكمن بالتزامن مع توقف حركة التجارة العالمية بما في ذلك السلع الأساسية جراء انتشار (كوفيد-19).
وتعاني سوريا حصارا خانقا من قبل الدول الغربية، وهي تشتري الأقماح بعد أن كانت تتمتع بفوائض كبيرة في صوامعها قبل الحرب، كما تقوم روسيا الاتحادية بإرسال شحنات من القمح كمساعدات للشعب السوري منعا لبروز أي اختناق في هذه الأساسية لوجبات السوريين.
وكانت 10 دول بينها روسيا والصين وإيران وسوريا قد أرسلت رسالة رسمية إلى المفوضية السامية لحقوق الإنسان طالبت فيها بالعمل الفوري على رفع العقوبات الأحادية التي تفرضها الولايات المتحدة على الدول.
فليس غريبا لمن ألقى القنابل النووية على هيروشيما وناغازاكي، واستخدم 72 مليون لتر من المواد الكيماوية والنابالم ضد الفيتناميين، أن يقوم بهذا التصرف مع كل الدمار والبؤس الذي حل بسوريا، بعد قرابة عشر سنوات من الحرب، التي كانت أمريكا سببا مباشرا لها، وما خلفته من تدمير منازل نسبة كبيرة من الناس وفقرهم.
ويبدو أن الرئيس الأمريكي يخوض حربين اقتصاديتين ليس لهما أي غاية إلا "تجويع الناس عمدا" لدفعهم إلى الامتعاض والضغط على الحكومة السورية.
فالحرب الأولى هي الدولار الذي بدأ بالصعود الجنوني منذ إقرار مجلس الشيوخ الأمريكي في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي (2019)، "قانون سيزر" الذي يفرض عقوبات على سوريا.
ونقلت وسائل إعلام، عن الناطقة الإقليمية باللغة العربية باسم الخارجية الأمريكية، غيرالدين غريفيث، قولها: إن "قانون قيصر (سيزر)، الذي سيبدأ العمل به في يونيو/حزيران المقبل، يوفر للولايات المتحدة الوسيلة للمساعدة في إنهاء الصراع في سوريا من خلال تعزيز المُساءلة لنظام الأسد".
واستمرت التهديدات الأمريكية بفرض عقوبات اقتصادية إضافية على الدولة السورية، وكذلك رفض واشنطن رفع عقوباتها السابقة من أجل السماح للدولة السورية بمواجهة كورونا، ما أدى لوصول الدولار لحدود 1800 ليرة سورية، أي أن أعلى راتب وظيفي في سوريا أصبح يساوي 40 دولارا أمريكيا (في السوق السوداء)، حتى تاريخ كتابة هذا المقال.
ورافق ذلك ارتفاع جنوني في الأسعار فأصبح هذا الراتب لايكفي لشراء 3 كيلو غرام من اللحم (على سبيل المثال).
أما الحرب الثانية فتتركز على الاحتياطات الزراعية، فمحافظة الحسكة، والتي يسيطر على جزء كبير منها تنظيم " قسد" والجيش الأمريكي من طرف، ومن طرف آخر الفصائل "التركمانية" الخاضعة للجيش التركي، تعتبر عاصمة القمح السورية وتعاني بشكل شبه يومي من انتشار الحرائق المفتعلة التي تلتهم قسما كبيرا من المواسم المزروعة في سوريا لتعزيز الأمن الغذائي.
وتوقعت مصادر رسمية سورية في موسم 2019 - 2020، إنتاج نحو 3.7 مليون طن من القمح، وهي كمية تزيد عن الاستهلاك السنوي، إلا أن الحرائق والفوضى الأمنية كانا سببا بتخفيض الوارد لنحو 500 ألف طن في محافظة الحسكة، والتي تعتبر خزانا غذائيا لبلد يعاني حصارا اقتصاديا خانقا تفرضه عليه الولايات المتحدة الأمريكية.. وبالتالي استكمال إحدى حلقات هذا الحصار.
وتنص المادة الثامنة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الصادر بروما عام 1998، والذي دخل حيز التنفيذ عام 2002، على أن إلحاق تدمير بالممتلكات والاستيلاء عليها دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك يعتبر "جريمة حرب".
محصول القمح الذي ارتكب ترامب جريمة بحرقه، ليس مجرد منتج اندثر، أو أرض زراعية تلفت.. بل هو مادة غذائية أساسية في تحقيق الأمن الغذائي الضروري للشعب السوري في ظل العقوبات الجائرة، وخصوصا أولويته بصناعة الخبز، الذي يعتبر عاملا رئيسيا لقوت السوريين ومدعوم من قبل الدولة ولم يتأثر بارتفاع الدولار، حيث تبيع الحكومة السورية الكيلوغرام الواحد منه بحوالي 35 ليرة سورية (نحو 3 سنتات/ دولار أمريكي).
وقبل إحراق طعام الشعب، وكـ"عمل استفزازي" بحسب وصف أهالي المنظقة.. كانت طائرات الأباتشي تطير على ارتفاع قريب جدا من أسطح البيوت، ما سبب خوف وذعر السكان.
دونالد ترامب، الذي يدعي أنه "راعي حقوق الإنسان" وأنه دائما يتحدث لصالح الشعب السوري، ها هو يقوم بأبشع عمل، مضرّ بهذا الشعب، ولا يمت للإنسانية بصلة.
وأمام أدخنة النيران التي تختبئ وراءها الأمم المتحدة، يجلس منحنيا ذلك الرجل الذي انتظر موسم القمح لشهور عديدة من أجل إطعام أبنائه وأبناء بلده، ويده على رأسه يشكو القدر على رئيس عجز عن حل مشاكله الداخلية، فحاول لفت النظر لإجرامه الخارجي.
صورة هذا الرجل هي استمرار لما حدث العام الماضي ويحدث بشكل مفضوح هذا العام من قبل الاحتلال الأمريكي على أرض سورية، لا يحق له التواجد بها، وقد تكون حرقت حقوله مجدداً.
ويبقى السؤال المعلق حتى الآن.. كيف سيكون الرد السوري على هذا التصرف؟
(المقال يعبر عن رأي كاتبه فقط)