ويصطلح التونسيون على تسمية المادة الكحولية بـ"القوارص" وهي مادة سامة تحتوي على نسبة مرتفعة من كحول الميثانول.
كما طالب المحتجون بإقالة والي محافظة القيروان تنديدا بما اعتبروه تهميشا متواصلا للمنطقة.
ضحايا التسمم
الحصيلة الحالية للمتوفين جراء التسمم بلغت 7 شبان تونسيين من بينهم 3 أشقاء فيما يخضع 59 آخرون إلى العلاج منهم 20 شابا في حالة صحية حرجة وفق تصريح المدير الجهوي للصحة بمحافظة القيروان حمدي الحذري لوكالة "سبوتنيك".
وأوضح الحذري أنه تم إيواء 64 مصابا بمستشفي ابن الجزار بالقيروان فيما فارق اثنان الحياة أحدهما في منزله منذ اليوم الأول من حصول حادثة التسمم، مضيفا أنه تم توزيع 39 مصابا على أقسام الإنعاش بـ8 مستشفيات جامعية بمحافظات تونسية أخرى نظرا لتدهور حالتهم الصحية.
وقال المدير الجهوي للصحة حمدي الحذري إنه من الصعب التقدير ما إذا كان سيرتفع عدد الضحايا أم لا، مشيرا إلى بذل الإطار الطبي بالمؤسسات الصحية جهودا كبيرة لانقاذ أرواح المصابين بالتسمم وسط أنباء عن فقدان بعضهم لحاسة البصر فيما يعاني آخرون من قصور كلوي ناتج عن هذا التسمم.
ملاحقة قضائية
السلطات القضائية في محافظة القيروان أصدرت 4 بطاقات إيداع بالسجن ضد 4 أشخاص في قضية التسمم الجماعي بمادة كحولية مخلوطة ب"الميثانول"، والإبقاء على شخص خامس على ذمة القضية بحالة سراح.
من جهته أفاد الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية بالقيروان نزار الغريبي أن المتهمين الأربعة هم شخصان أصيلا معتمدية حاجب العيون (رجل وامرأة) وهما صاحبا محلين قاما ببيع "القوارص" للمتضررين وشخصان آخران من محافظة صفاقس جنوبي البلاد التونسية قاما بصنع هذه المادة المسمومة.
وأضاف الغريبي أنه تم العثور على كميات هامة من "القوارص" لدى المتهمين الاثنين من محافظة صفاقس قاما بتصنيعها داخل محلين سكنيين ومستودعين عشوائيين أحدهما مستودع مهجور ولا يستجيب لأدنى شروط الصحة والسلامة.
غضب واحتجاجات
هذه الحادثة خلفت احتجاجات يومية بمنطقة حاجب العيون بمحافظة القيروان ينفذها أهالي الجهة تنديدا بارتفاع نسب البطالة و الفقر بالجهة و تواصل التهميش وغياب التنمية مطالبين بعزل والي محافظة القيروان.
من جانبه يؤكد أحد الشباب المشاركين في الحراك الاحتجاجي بحاجب العيون لوكالة "سبوتنيك" أن:
"ضحايا حادثة "القوارص، فئات اجتماعية تتميز بهشاشة نفسية واقتصادية واجتماعية بل هم ظاهرة تعكس أزمة مجتمع فشلت مؤسساته أن تؤمن لهم بنية نفسية صلبة وأن توفر لهم بصيص أمل يمنحهم مزيدا من الرغبة في الحياة".
يضيف محدثنا "هؤلاء نموذج لواقع متدهور ونموذج لأجيال ترزح تحت وطأة الإحساس بالضياع والرغبة الفردية والجماعية للهروب من مواجهة الواقع وصعوباته بل يمكن اعتبار ما وقع لهم انعكاسا لأزمة دولة عجزت على تحمل مسؤولياتها في حماية مواطنيها دولة تفشل في كل مرة في إنتاج مقاربات شاملة يتظافر فيها البعد السوسيولوجي والثقافي والاقتصادي والتربوي تؤمن جودة الحياة بالحد الأدنى على الأقل لهذه الشرائح الاجتماعية.
وجهة الشباب الفار من مواجهة الواقع
يؤكد الباحث الأكاديمي في علم الاجتماع نبيل الزايدي في حديثه لوكالة "سبوتنيك" أن إدمان الشباب في المحافظات الداخلية للبلاد التونسية على شرب مادة "القوارص" رغم مخاطرها الصحية و الاجتماعية هو نتاج للخصاصة والفقر والتهميش التي تعانيها هذه المناطق.
في ظرف 48 ساعة،66 حالة تسمم جراء إستهلاك مادة "القوارص" منها 7 حالات وفاة الى حد الآن والباقي بين حالات حرجة ومستقرة،
— Hany JaGuA 🖊🖌🦅🇩🇿🇹🇳🇵🇸🇱🇾🇲🇦🦅 (@HanyMaammer) May 27, 2020
يعني حسابيًّا فعل "القوارص"ما لم تفعله #كورونا في #تونس،
هل السبب هو قلّة الوعي عند الواطن او الاستهتار او تقصير الحكومة،#اللهم_ارفع_عنا_البلاء_والوباء pic.twitter.com/E0QapwuJnI
ويضيف الزايدي "المفقرون والمهمشون ممن أدمنوا شرب الكحول حتى لو خيرتهم بين أفضل أنواع الخمور وأرفعها وهذه المادة الرخيصة (القوارص) سيتشبثون بها لما لها من نشوة وتأثير عميق ومحفز في أنفسهم للهرولة والهروب عبر قطرات قاتلة إلى بركة واقع مميت عبر جرعات أخرى".
وأشار الزايدي أن ظاهرة إدمان شرب الكحول هي في مجملها تعتبر ظاهرة اجتماعية نفسية بالأساس تدفع إليها الثقافة الآثمة ألا وهي ثقافة الاغتراب وهذا ما يضعنا أمام موقف حيرة و يطرح التساؤل هل هؤلاء المتعاطين يكرسون ضربا من ضروب الماجوسية وإلحاق الأذى بالأنا؟ فهذه الظاهرة التصقت بهذه الربوع لما وجدته من حاضنة اجتماعية رثة وأماكن فقيرة على الصعيد المعنوي والاقتصادي ومهمشة سياسيا.