شكلت هذه الحادثة المؤسفة التي جرت مع نهاية عام 2017 أمام عيني الطبيب الدكتور أحمد محمد دافعاً قوياً كي لا تتكرر مرة ثانيةً، فقرر مع مجموعة من أصدقائه وزملائه فعل شيء لإنقاذ أعداد كبيرة من الأطفال يموتون بسبب غياب الوعي الصحي لدى أسرهم وصعوبة الوصول إلى الخدمات الصحية في الوقت المناسب، فأسس مع فريقه منصة الصحة الطبية السورية "أطباء الميد دوز" بهدف تقديم المساعدة الإنسانية والاستشارة الطبية ونشر الوعي الصحي، نجحت التجربة وازدادت مساحة العمل أكثر مع انتشار جائحة كورونا سوريا والعالم.
كتاب سوري عن كورونا
مؤسس فريق "ميد دوز" الدكتور أحمد محمد أكد في تصريح خاص لـ "سبوتنيك" أن فريقه قطع شوطاً طويلاً في العمل خلال الثلاث سنوات الماضية واكتسب خبرات كبيرة في العمل الطبي، وقال: "تمثل التحدي المرافق لأزمة كورونا أن هذا الوباء كان مجهولاً في البداية لدى السوريين ولذلك قمنا بتأليف كتاب حول كورونا وهو أول كتاب في سوريا (صدر بتحديثين)، وأسسنا أول مركز ( Medical CallCenter) للرد على الاستفسارات حول الفيروس"، مضيفاً أن "الفريق يضم أطباء من كافة الاختصاصات حتى لا يضطر أحد من المنزل حيث يمكنه تلقي أي استشارة طبية وبشكل مجاني عبر الهاتف من قبل طبيب أخصائي يتواصل معه عبر منصة الصحة الطبية السورية".
300 طبيب وصيدلي واختصاصي معا
وعن خصوصية هذه التجربة في سوريا، قال الدكتور محمد: "تعد هذه التجربة في سوريا الأولى على الإطلاق، حيث يقدم الفريق خدماته الاستشارية مجاناً للسوريين وللعرب في كافة أنحاء العالم عبر أكثر من /300/ طبيب وصيدلاني وأخصائي، وترد يومياً إلى صفحة المنصة مئات الاستشارات الطبية، وقد تم تقديم هذه الخدمة المجانية خلال الشهرين الماضيين، ووردت رسائل كثيرة إلى بريد الصفحة خلال هذه الفترة من قبل أناس لا يعرفون ماذا يفعلون للوقاية من الإصابة بالفيروس، فكان الفريق يقدم الإرشادات والنصائح اللازمة، وبذلك تم توفير أموال طائلة على الناس كانوا سيدفعونها في المشافي والعيادات الطبية وكثير منهم لا يقوى على دفع فواتير الأطباء، يضاف إلى ذلك تقديم الاستشارة الطبية للعرب الموجودين خارج سوريا".
وعن حجم التفاعل والتواصل الإلكتروني مع منصة الصحة الطبية السورية وأهم القضايا التي يتم التركيز عليها قال: "الإحصائيات متزايدة فكل شهر يصل الـ RICH إلى /6/ مليون عبر المنصات حول القضايا الطبية وبأبسط الطرق، فقد ابتعدنا عن التعقيد وخرجنا من الصندوق باللغة المحكية وتحدثنا عن الصحة النفسية، وعن كل ما يتعلق بجائحة كورونا".
حرب عالمية ثالثة تخوضها الجراثيم
وعن أهم وأبرز المبادرات التي نفذها الفريق لفت محمد إلى أن مبادرات الفريق تنقسم إلى شقين، شق إلكتروني وشق على أرض الواقع، ولا يقل أحدهما أهمية عن الآخر لكن الإلكتروني يمتاز بسرعة وصوله إلى عدد كبير من الناس وتابع قائلاً: "نفذنا حملة "ميد دوز الحرب العالمية الثالثة" التي تتحدث عن الحرب العالمية الثالثة التي تخوضها الجراثيم بسبب الاستخدام الغير واعي للمضادات الحيوية في العالم، ووصلت هذه الحملة إلى عدد كبير جداً من الناس ونصحنا الجميع عبرها بالابتعاد عن الصادات الحيوية وعدم استخدامها بشكل عشوائي وخاطئ، كما نفذنا حملات لمحاربة العادات الخاطئة والموروث الخاطئ المنتشر في العالم العربي، مثل تمليح الطفل حديث الولادة أو تعريضه للشمس لفترات طويلة أو وضعه تحت ضوء "النيون" وغير ذلك، وفي الفترة الأخيرة أضفنا موضوع الـ"تريند" لمواكبة أي حدث عالمي من خلال فريق رصد مؤلف من أطباء لرصد أي حدث طبي في كافة أنحاء العالم".
إنقاذ 100 شخص يحتاجون الدم
وأشار الدكتور محمد إلى أن "أبرز المبادرات على أرض الواقع تمثلت بتنفيذ حملات توعية حول سرطان الثدي وحول الاستخدام الخاطئ للصادات الحيوية وحملات الفحص للأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم إضافة إلى مبادرة لتوزيع أجهزة فحص مستوى السكر مجاناً لمن لا يستطيعون شراءها، كما أطلقنا حملة "صار دورك" التي انضم إليها عشرات الجمعيات والمؤسسات السورية بهدف التعاون مع المجتمع المحلي لإنهاء أزمة كورونا، حيث يتوفر فريق من المتطوعين خلال فترات الحجر المنزلي مزودين بالكمامات والثياب الواقية ليقومونا بمساعدة الناس المحجورين منزلياً وذلك بشراء حاجياتهم الغذائية والطبية والمنزلية من الأسواق وإيصالها إلى المنازل، بهدف تكريس مبدأ الحجر وتحقيق الغاية منه لتحقيق التباعد المكاني بين الناس وضمان عدم احتكاكهم مع بعضهم البعض".
وأضاف: "نفذنا أيضاً مبادرة (مو بيناتنا كيس دم) بهدف المساعدة في تأمين الدم اللازم لأي شخص من خلال النشر على منصاتنا الإلكترونية والدعوة لتأمين الدم للمرضى والتفاعل مع منشورات الصفحة بالمشاركات وكتابة التعليقات لتحقيق أكبر وصول ممكن إلى الناس واستطعنا بهذه الطريقة إنقاذ /100/ شخص كانوا معرضين لخطر الوفاة، ولم نجد في العالم تجربة مشابهة، وقمنا بحملة لتوزيع الكمامات الطبية على الكوادر الطبية في المشافي وبدأنا نبحث عن داعمين ووصلنا إلى شركة (بادوفا) التي أمنت لنا عدداً كبيراً من الكمامات وقمنا بتوزيعها على الأطباء بشكل مجاني وكانت هذه أول مبادرة من نوعها في سوريا لدعم الأطباء، إضافة إلى حملة (يوم أطفال الشمس) للأطفال المشردين حول العالم وحملة في مهرجان (الشام بتجمعنا) للتوعية بأمراض الكبد".
50 ألف مقال طبي
ولفت الدكتور محمد إلى أنه مع مرور الوقت "أصبح لدى منصة الصحة الطبية السورية أكثر من /50/ ألف مقال طبي إضافة مكتبة إلكترونية كبيرة جداً تتحدث عن كافة الأمراض وكافة الأدوية التي يحتاجها الإنسان، إضافة إلى البث المباشر الذي قدم خدمة كبيرة باسم مشروع (البث العلمي المباشر) وهي أول تجربة من نوعها في سوريا للإجابة عن أسئلة الناس من قبل أطباء أخصائيين".
100 اختصاصي لرصد الأخطار
وأوضح محمد أن "فريق الرصد المكون من /100/ طبيب نفذ حملة لرصد أي خطر أو خبر طبي في العالم كي لا نضطر للبحث في مئات المواقع الطبية العالمية ونختار بين الموثوق وغير الموثوق من المعلومات فمن خلال منصة (ميد دوز) يستطيع أي شخص أن يصل إلى أي معلومة طبية في العالم بشكل سريع جداً وموثوق ومدقق، وللوصول إلى عدد أكبر من الناس أقمنا شراكة مع تلفزيون الخبر السوري الذي يعتمد نظام (slide show) في عرض الأخبار وبدأنا بتغطية وتحديث الأخبار الطبية بشكل يومي بهدف الوصل إلى كل الناس، وتجاوز عدد المتطوعين في الفريق /300/ متطوع من أطباء وصيادلة وأطباء أسنان ومعالجون فيزيائيون وممرضون ومهندسون ومختصون بالتصميم والإدارة والاقتصاد والمحاماة".
أفكار معلقة بحاجة للدعم
وعن أفكار وخطط العمل المقبلة قال الدكتور محمد: "هناك الكثير من الأفكار لكن هناك عائق أمام تنفيذها بسبب غياب الدعم، وقد كشفت أزمة كورونا ثغرات في النظام الصحي العالمي، ومنهج العمل التطوعي لا يتعارض مع مبدأ تلقي الدعم، فنحن بحاجة إلى دعم كبير حتى نقوم بتطوير العمل ولدينا الكثير من الأفكار قيد الانتظار ولازالت معلقة، فالفريق يعتمد على التمويل الذاتي لأعضائه".