كشف التقرير الرسمي لسنة 2019 الصادر عن مندوبية حماية الطفولة في تونس (منظمة حكومية تابعة لوزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن) أن عدد الإشعارات المتعلقة بالتبليغ عن حالات اعتداءات وتهديدات تمس الأطفال، بلغ 17505 إشعارا في مختلف محافظات الجمهورية التونسية، سجلت أغلبها في إطار الأسرة.
تونس الكبرى الأكثر تعنيفا للأطفال
وبيّن حمادي أن إقليم تونس الكبرى الذي يجمع محافظات تونس وأريانة وبن عروس ومنوبة، سجل النسبة الأكبر من التبليغات الواردة على مكاتب مندوبيات حماية الطفولة بما عدده 4801 إشعارا من بينها 1717 في محافظة بن عروس.
في المقابل، يحتل إقليم الجنوب الغربي العدد الأقل من التبليغات عن الاعتداءات على الأطفال بـ 1758 إشعارا، وهو عدد يضاهي وفقا لمندوب حماية الطفولة ما يتم تسجيله في واحدة من محافظات إقليم تونس الكبرى.
وأوضح حمادي أن النسب الأكبر من الإشعارات تتعلق بالتبليغ عن التقصير البيّن في التربية والرعاية بـ 4740 حالة، ثم سوء المعاملة بـ 3912 حالة، ثم تعريض الطفل للإهمال والتشرد بـ 1730 حالة، واستغلاله جنسيا بـ 1234 حالة.
في المقابل بين المتحدث أن الأرقام المتعلقة بتعريض الطفل للتسول واستغلاله اقتصاديا تعد منخفضة نسبيا فهي في حدود 576 اشعارا ويحتل فيها الفتيان العدد الأكبر بـ 377 إشعارا مقابل 201 للفتيات.
إتجار بالأطفال ومحاولات انتحار
وقال المندوب العام لحماية الطفولة إن "الملفت للانتباه هو ارتفاع نسب الاعتداء على فئة الأطفال دون سن الدراسة (أقل من 5 سنوات) حيث بلغت 22 % من مجموع الإشعارات"، مؤكدا أن النسبة الأعلى تبقى في صفوف الأطفال المتمدرسين التي بلغت 61 %، في وقت سجل فيه الأطفال المنقطعون عن الدراسة ما نسبته 17 % من مجموع الإشعارات المتعلقة بالاعتداء على الأطفال وهي نسبة تعكس بالنسبة لحمادي عدم اكتراث بهذه الفئة الهشة، وهو ما يجعلها أكثر عرضة لمختلف أنواع التهديد والوضعيات المخالفة للقانون على غرار الاتجار بالأشخاص.
وفي هذا الإطار أكد حمادي تسجيل 181 شبهة إتجار بالأطفال جلهم تونسيون باستثناء اثنان من بلدان جنوب الصحراء، مبينا أن محافظة سيدي بوزيد وسط البلاد تحتضن العدد الأكبر من هذه الحالات بـ 42 طفلا، تليها القيروان في المرتبة الثانية بـ 36 طفلا بينهم 24 حالة استغلال جنسي و12 حالة استغلال اقتصادي، تليهم ثالثا تونس العاصمة بـ 18 طفلا.
الأسرة... مصدر اعتداء وتبليغ
ولاحظ المندوب العام لحماية الطفولة في حديثه لـ "سبوتنيك"، أن النسبة الأعلى للاعتداءات كان مصدرها الأسرة بنسبة 53.88% ، إذ تم تلقي 9432 إشعارا لاعتداءات على الأطفال من قبل أوليائهم أو أقاربهم، وهو ما يعتبره حمادي يشكل خطرا حقيقيا بالنظر إلى أن الأسرة تمثل النواة التربوية الأولى للطفل.
وأبرز المتحدث أن الشارع يأتي في المرتبة الثانية من حيث عدد الاعتداءات المسلطة على الطفل بنسبة 21.38% (3740 حالة)، تليه المؤسسات التربوية من مدارس ومعاهد بنسبة 13.3% (2329 حالة).
ونوه حمادي إلى أن الأسرة هي مصدر اعتداء وتبليغ على العنف ضد الطفل في آن واحد، إذ بلغ عدد الإشعارات الصادرة عن الأسرة 10140 إشعارا معظمها صدرت عن الأم بدرجة أولى ثم الأب أو أحد أفراد العائلة الموسعة، تليهم المصادر الأمنية بـ 1631 إشعارا ثم مؤسسات التربية بـ 1400 إشعارا وهي نسبة وصفها مهيار حمادي بالضعيفة بالنظر إلى وجود مليونيْ طفل يزاولون تعليمهم في المدارس بصفة متواصلة، واعتبارا أيضا إلى أن الثلاثي الأخير من السنة الدراسية تزامنت مع الحجر الصحي الشامل.
الوعي بالتبليغ
وتعقيبا على هذه الإحصاءات، قال رئيس الجمعية التونسية لحماية حقوق الطفل معز الشريف لـ "سبوتنيك"، إن هذه الأرقام على ارتفاعها فإنها تعكس تزايدا في معدلات الوعي بأهمية التبليغ عن الاعتداءات الممارسة على الأطفال مقارنة بالسنوات المنقضية، وهي نتيجة يعتبرها الشريف طبيعية بالنظر إلى تكثيف الحملات التوعوية حول مسائل الطفولة وتشجيع كل المتدخلين على الإشعار، فضلا عن إحداث الهاتف الأخضر للتصدي للعنف ضد المرأة والطفل الذي سهل على المواطنين عملية التبليغ.
في المقابل انتقد الشريف صدور ما يقارب ثلثيْ الاعتداءات عن المؤسسات التربوية من أسرة ومدارس والتي من المفروض أن تمثل مصدر حماية وتأطير بالنسبة للطفل، وفقا لتعبيره.
كما انتقد الشريف العدد الضئيل للإشعارات الصادرة عن الأطفال أنفسهم، قائلا "في تونس الأطفال ما يزالون غير متشبعين بثقافة حقوق الطفل، في الوقت الذي تمثل فيه هذه المعرفة أفضل حصانة بالنسبة لهم".
وأضاف"مسؤولية تثقيف الطفل وتمكينه من الآليات المتوفرة لحمايته من أي استغلال تقع على عاتق الدولة وخاصة المؤسسة التربوية التي من واجبها تعريف الطفل بكيفية الولوج إلى آليات الإشعار".
العوامل الاقتصادية دافع للعنف
وعن الأسباب المؤدية إلى ارتفاع عدد حالات الاعتداءات على الأطفال في تونس، قال الشريف إن الأزمات الاقتصادية المتفاقمة والتي تنعكس على الواقع الاجتماعي تؤدي ضرورة تعميق حرمان الشريحة الأضعف في المجتمع، من أطفال ونساء، من الولوج إلى حقوقهم.
وأوضح المتحدث " وجهت الأولويات في تونس بعد الثورة إلى المجهود السياسي وإرساء الآليات الديمقراطية، في المقابل كان هناك تراخي كبير على صعيد الخدمات الاجتماعية وخاصة في المرافق العامة وهو ما أدى إلى تراجع ملحوظ في الأداء الصحي والتربوي العمومي".
واعتبر رئيس الجمعية التونسية لحماية حقوق الطفل أن من بين الأسباب التي تقف وراء ارتفاع منسوب الاعتداءات على الأطفال في تونس، هو التأخير الحاصل في تركيز آليات الحماية، موضحا أن الوحدات المختصة بمراقبة الاعتداءات على الأطفال والنساء لم يقع تنصيبها إلا في أواخر 2019، مضيفا أن هذه الوحدات ما تزال حديثة العهد بتقاليد العمل في مجال حماية حقوق الطفل وهو ما سيؤخر مردودها على مستوى تحسين الوقاية.
وتابع محدثنا: "تركيز هذه الوحدات تم بسرعة كبيرة وهذا أمر إيجابي، لكن هذه السرعة لن تمكن المختصيين من التكوين الكافي للقيام بواجبهم كما يجب"..
وأضاف الشريف أن المسألة لا تتعلق فقط بالأشخاص وإنما أيضا بضعف التمويل وغياب إمكانيات التدخل، منتقدا ضعف الميزانية المخصصة لوزارات المعنية بحماية الطفولة ونبه المتحدث إلى ضرورة العمل على التحسيس بثقافة الإشعار واعتبار جميع الأطفال أصحاب حقوق.