وأوضح البطريرك أن نداءه الأخير إلى الأسرة الدولية لتأكيد حياد لبنان كان من أجل خير البلاد وخير جميع مكوناته، داعيا لتكون ذكرى مئوية إعلان الدولة نقطة انطلاق نحو هذا الحياد.
ينقسم السياسيون في لبنان بشأن دعوة الحياد، فيراها المؤيدون أنها فرصة حقيقية لإنقاذ لبنان من أزمته الحالية، مع ضرورة النأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية في المنطقة، فيما يؤكد آخرون أنها دعوة للتنازل عن القضية الفلسطينية، وتحجيم المقاومة بعد أن انتصرت على إسرائيل.
وقال الراعي أمام الصحفيين: "لبنان هو الحياد والدولة المدنية وبلد اللقاء والتعددية والعيش معا، لبنان كان منفتحا على كل الدول شرقا وغربا ما عدا إسرائيل التي احتلت أرضنا، ولذلك كان سويسرا الشرق... اليوم بات منعزلاً عن كل العالم لكن هذه ليست هويتنا، بل هويتنا الحياد الإيجابي والبناء لا المحارب".
وأوضح أن "الحياد هو مطلب دولي وأوروبي وعربي، نحن نطالب بالحياد أي التزام السلامة والعدالة وحقوق الإنسان وهذا الجسر بين الشرق والغرب. هذه الأرض لم تعرف سوى مد الجسور مع الآخرين ولا يمكننا معاداة جميع الشعوب فلنعد لطبيعتنا".
وتابع: "إننا نريد العودة إلى أنفسنا لا أن نكون مرتبطين بأحد والنضال مسؤوليتنا جميعاً ليستمر لبنان الرسالة والنموذج".
دعوات موجهة
وقال المحلل السياسي اللبناني، فيصل عبدالستار إن "الدعوة التي أطلقها البطريرك الراعي حول ما يسميه الحياد، وأن هناك إمكانية للعودة لهذا المفهوم، مغلوطة، فلم يكن هناك أي دعوة من هذا النوع تاريخيًا في لبنان".
وأضاف في تصريحات لوكالة "سبوتنيك"، أن " لبنان شهد نقاشا عن ماهية الحياد بعد الاستقلال عن الاحتلال الفرنسي، لكن كان هناك خلافات كبيرة على مستوى القيادات السياسية في لبنان، ولم يتم تبني المفهوم على أي صعيد من الأصعدة".
وتابع: "محاولة البعض إسقاط الأمر والعودة له لتاريخ لم يكن موجودًا ولم يكن متفقًا عليه، ما هو إلا محاولة لإعادة إحياء المفهوم الملتبس على المستوى الدولي والقانون الدولي، فعندما تدور الحروب لا يتم احترام الحياد، كما حدث في معظم الحروب ومن بينها الحرب العالمية الثانية".
وأكد أن "القضية في لبنان أخطر وأعمق من مفهوم الحياد، فهناك ذئب يجاورنا وعدو مفترس اغتصب الأرض الفلسطينية ويقيم عليها بشكل غير شرعي واعترف به العالم، وأصبح عضوًا في الأمم المتحدة".
واستطرد: "تأتي الدعوة وكأن لبنان ليس له علاقة بقضية فلسطين، أو القضايا المتنازع عليها مع العدو الإسرائيلي، وكذلك يبرر المفهوم كل ما يطالب به البعض بتوطين الفلسطينيين في لبنان".
ومضى بالقول: "هذه الدعوة تخلط المزيد من السجالات في لبنان، وإن كان البعض يحاول أن يكون مداهنا في تعاطيه مع الدعوة لحسابات سياسية آنية ورخيصة، كالاصطفاف مع ما يسمى بالمعارضة ضد حكومة حسان دياب، وتوصيفها أنها حكومة حزب الله، فالدعوة للحياد تعني أنه لا داعي للمقاومة، والسلاح، بل يمكن أن تكون دعوة لتسليم السلاح".
وأنهى حديثه قائلًا: "الدعوة تنطوي على مخاطر كبيرة، فضلًا عن أنها لا يمكن أن تكون موضع تنفيذ، فلا يمكن أن يكون لبنان محايدًا في موضوع اسمه القضية الفلسطينية".
مهمة صعبة
من جانبه قال الناشط السياسي اللبناني، أسامة وهبي، إن "عنوان الحياد ليس جديدًا، وتم طرحه مجددًا من قبل البطريرك الراعي نتيجة للأوضاع التي وصلت إليها البلاد".
وأضاف في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "في يونيو/ حزيران 2012 اجتمع الفرقاء في طاولة حوار بقصر بعلبك، وصدر عن الاجتماع ما سمي بإعلان بعلبك الذي يدعو إلى إتباع سياسية النأي عن النفس، ما يعني اصطلاحيا الحياد، وحزب الله كان مشاركا بشخص رئيس كتلة نوابه، ووقع على البيان لكن سرعان ما تراجع".
وأكد أن "الدعوة للحياد تأتي في السياق نفسه، وهناك طيف كبير من السياسيين يطالبون بالحياد وأيدوا الدعوة، لكن هذا لا يعني أن هناك إجماعا عن الحياد، فهناك انقسام ونعني بذلك موقف حزب الله".
وأشار إلى أن "الدعوة للحياد لا تعني الابتعاد عن القضية الفلسطينية كما يحاول البعض أن يصور، لكن تعني الحياد في صراع المحاور بالمنطقة، وصراعات الدول العربية فيما بينها، والمحور الأمريكي الإيراني".
وأنهى حديثه قائلًا: "مهمة البطريرك الراعي صعبة جدا لأنها لا تحظى بإجماع، وستكون الدعوة بمثابة مواجهة جديدة بين الفرقاء السياسيين في لبنان".