ويرى مراقبون أن المقصود من عودة هذا الملف هو إحداث ضجة إعلامية في هذا الوقت، وإذكاء المخاوف لدى المؤيدين لإيران، وربما من أجل جمع صفوف تلك الفرق والأحزاب السياسية وإخافتهم من عودة البعثيين، وهو ما يعني عودة العراق إلى العمق العربي.
خطورة العودة
قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة النهرين العراقية الدكتور قحطان الخفاجي: "أرى أن إرجاع أرشيف حزب البعث في هذ الوقت إعلامي، ورسالته الأساسية هى إذكاء موضوع البعث أو ما يسمى خطورة العودة والمواقف المتقاطعة للقوى السياسية الحاكمة، لذا فالموضوع إعلامي وليس إجرائي".
وأضاف لـ"سبوتنيك": "الموضوع ليس إجرائي، لأنه لو كان إجرائيا فإنه يراد لعناصر البعث أن يكونوا فاعلين في الأيام القادمة مع الكاظمي أو غيره، وليس من المنطق أبدا أن يكون الأمر بهذه الآلية، علاوة على أن إرجاع الأرشيف لا علاقة له بفعالية الأعضاء، فيمكن أن يفعلوا الأعضاء بدون عودة الأرشيف، كما يمكن أيضا أن يفعلوا الأعضاء بدون ضجة إعلامية تخلق موقف متضاد مع هذا السلوك أو مع عملية ترشيح أشخاص معينين من قبل الكاظمي لهم خلفية بعثية، بمعنى أنه لو كان الهدف إعادة العمل مع بعض العناصر البعثية، فيمكن أن يحدث هذا بدون الإعلان أو ذكر الأرشيف السابق، حتى لا يتم إزكاء حالة من الرفض لأي مرشح له صلة بالبعث السابق".
ضجة إعلامية
وتابع الخفاجي: "الموضوع برمته هو إعلامي أكثر منه إجرائي، ويقصد به إخافة العناصر المؤيدة لإيران التي ترى في عودة البعث عودة للعمق العربي، وهو ما يعني علو نبرة مقاطعة إيران، فهم يخشون انتقام البعث إذا ما استلم السلطة أو استحوذ على جانب تنفيذي في الحكومة، لكن كما قلنا أن هذا الموضوع إعلامي وقد يخدم القوة المؤيدة لإيران، ويكون عونا لها في عملية التشكيك في قادم الأيام من أي إجراء يقوم به الكاظمي لأنه سيعتمد على البعث، وهذا يعني إعادة الأمور إلى ما كانت عليه وإلى ما قبل المربع الأول.
وقال الخفاجي: "هذا الموضوع يخلق نوع من التوافق بين القوى المؤيدة لطهران لوجود مخاوف مشتركة لكي يكون لها موقف متشدد ضد الكاظمي وضد من سيأتي أو يعين من جانبه".
تقاطع المصالح
وأوضح الخفاجي أن "عودة هذا الملف لا يخدم البعثيين، لأن هذا الملف قد يكون تحت أياد بالحكومة تتقاطع مصالحها مع البعث، والماضي القريب شهد عمليات خطف وقتل وكل العمليات اللا إنسانية قامت بها عناصر متسلطة على البعثيين، ولذا نتساءل أيضا، هل هذه خطوة للضغط على البعثيين لكي يتوافقوا مع الكاظمي، والجواب بالقطع لا وليس هناك خطوة في هذا الاتجاه، لأنه لو كانت هناك خطوة لإخفاء الأرشيف عن خصوم العراق، لكان بإمكان البعض أن يعطي تنازلات نظرا لإخفاء هذا الأرشيف عن خصومهم التقليديين من التابعين لإيران".
وتابع: "أما إعادة الملف إلى يد الحكومة فهى خطوة ضد البعثيين، كما يمكن أن يكون هذا الأمر عقوبة للبعثيين لعدم توافقهم مع أمريكا، فرأت أمريكا أن جزء من القسوة عليهم هو تقريب الملف إلى بغداد، وقد لا تسمح لمن يضطلع عليه في الوقت الحاضر من المناوئين للبعث، لكن هذا يخلق ريبة وشك وقلق لدى البعثيين من أن يضلع على الملف من يخشونه، وبالتالي قد يعطي البعث تنازلا، ويبقى الأمر في النهاية في سياق الصراع والضغط والضغط المقابل".
وتوقع أستاذ العلوم السياسية أن لا يهتم كثيرا بهذا الأمر لأن الملف قد يكون به نسخ أخرى، لأن طبيعة عمل الحزب إن كان له أرشيف في القيادة العامة، سيكون هناك قسم من هذه الملفات في مناطق أخرى.
وأضاف: "البعثيين لم يكونوا أغراب عن الشارع العراقي والكثير يعرفهم ومناصبهم في الحزب وكان عملهم واضح وجماهيري وكل تحركات الأعضاء كانت معروفة.
وتابع: "الخطر الأكبر هو في شخوص البعثيين، لذا لا أتوقع أن يخشى البعثيين من وصول الملف إلى أياد متقاطعة معهم سياسيا وفكريا".
كشف المستور
قال الدكتور عبد الستار الجميلي أمين الحزب الطليعي الناصري بالعراق: "أعتقد أن طرح موضوع ملف أو أرشيف البعث في هذا الوقت له أهداف سياسية تتعلق بتوظيفه في إطار الصراعات السياسية بين أطراف العملية السياسية، فقد يتضمن الأرشيف معلومات هامة ودقيقة تتعلق بالوضع السياسي العراقي في ظل حقبة الدكتاتورية، وما يخفيه من معلومات سرية بخصوص علاقات بعض شخصيات المعارضة السابقة بالأجهزة الأمنية للنظام".
مصير المفقودين
وتابع الجميلي: "من جانب آخر من الممكن أن يساعد الأرشيف في بيان مصير مئات الآلاف من العراقيين الذين غيبهم النظام السابق ولم يعرف مصيرهم، ومن بينهم عدد من مناضلي التيار القومي الناصري الذين غيبوا أو أعدموا ولم تسلم جثثهم ولم يعرف مصيرهم منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى الاحتلال الأمريكي وبعده، ومن بينهم حميد زيد الشمري وحسين عليوي الشمري وجاسم الياسين ومتعب صلال الشمري وطلال عبد الجبار بكر ومحمد يونس أصلان ومحمد صالح حمادي وغيرهم".
الأرشيف
بعد أشهر قليلة من الإطاحة بنظام صدام حسين عبر غزو بقيادة أمريكية عام 2003، تم العثور على 5 ملايين صفحة في مقر لحزب البعث، بعدما غمرت المياه أجزاء من المبنى الواقع في بغداد.
واستعانت القوات الأمريكية بالمعارض القديم كنعان مكية والكاتب والناشط مصطفى الكاظمي، الذي أصبح اليوم رئيس وزراء العراق، للاطلاع على محتويات تلك الوثائق.
ومع تصاعد العنف الطائفي في بغداد، اتفق مكية مع الأمريكيين على نقل تلك الوثائق إلى الولايات المتحدة، في خطوة ما زالت مثارا للجدل.
وتم ترقيمها وخزنها في معهد هوفر، وهو مركز أبحاث للسياسة العامة في جامعة ستانفورد في ولاية كاليفورنيا، ولم يطلع عليها هناك سوى باحثين.
لكن الوثائق التي يبلغ وزنها 48 طنا، أعيدت مجددا في 31 أغسطس/ آب، إلى بغداد وتم وضعها في موقع مجهول، وفق ما أفاد مسؤول عراقي لـ"فرانس برس".
ولم تعلن أي من الحكومتين، بغداد أو واشنطن، نقل الأرشيف الضخم. وحسب المسؤول العراقي، لا توجد خطط لدى بغداد لفتح الأرشيف أمام العامة.
وبين الوثائق، كانت هناك ملفات لأعضاء في حزب البعث ورسائل مخاطبات بين الحزب ووزارات تتعلق بأمور إدارية، وتقارير كتبت من عراقيين يتهمهم جيرانهم بانتقاد صدام حسين، وأخرى تتحدث عن شكوك حول خيانة جنود عراقيين تعرضوا للأسر خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988).