الاتفاق المعلن عن استعداد لبنان ونيته التفاوض على لسان رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري حمل رسائل ودلالات عدة بارزة، أولها القبول الضمني لـ"حزب الله" اللبناني بهذه الخطوة كون الإعلان صدر عن حليفه الاستراتيجي.
ثانيا، كان لافتا أن الرئيس بري اختار كلمة "إسرائيل" وليس العدو أو الكيان الصهيوني على غير عادته، مشيرا بذلك الاعتراف اللبناني الرسمي الضمني بإسرائيل لإطلاق مسيرة المفاوضات معها.
أما على المستوى الخارجي وبعد فشل المبادرة الفرنسية التي كانت تقوم على إنقاذ لبنان من مأزقه استطاعت واشنطن من طرح مخرجها عبر الدفع بطرح الاتفاق مع إسرائيل بشأن الحدود البحرية وتقسيم المنطقة النفطية مقابل حصول لبنان على المكاسب الاقتصادية والمالية بعد وصول البلاد إلى مأزق كارثي.
اعتراف ضمني بإسرائيل
اتفاق الإطار الذي أُعلن عنه، لترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، يعني ضمنا أن الدولة اللبنانية وكل أركانها سلكت طريق "الاعتراف بإسرائيل" وبالرغم من محاولة إظهار العكس عمليا فإن الجلوس على طاولة المفاوضات هو يعني اعترافا بالأساس قبل التوصل إلى أي نتيجة.
من المستفيد من المفاوضات بين لبنان وإسرائيل؟
لا شك أن المفاوضات لن تكون سهلة على الأطراف وستتطول بوقتها حتما، وذلك بسبب التفاصيل التي ستمر بتعرجات ومراحل كثيرة، بالإضافة إلى ضغوطات سياسية واقتصادية وعسكرية للوصول إلى تنازلات وموافقات رسمية من الطرفين.
فلبنان سيجني من خلال هذا الاتفاق الكثير وخصوصا على المستوى الاقتصادي خصوصا أن البلاد تمر بأزمة اقتصادية كارثية ووصلت إلى حد تهديد وجودية النظام اللبناني القائم على القطاع الريعي والمصارف التي خوت من الأموال والقطاع السياحي الذي بات لا يصلح مقارنة بتطور الدول المجاورة.
إذن، لا حلول في الأفق للبنان سوى ثروته النفطية التي ستنقذه بعد الانكفاء الأوروبي عن المساعدة والضغوطات الأمريكية وحربها الاقتصادية ضد لبنان و"حزب الله" مقدمة شروطا مستحيلة ومذلة لإخضاع المقاومة اللبنانية مقابل المال والمساعدات الاقتصادية.
أما إسرائيل فتعتبر أنها حققت تقدما كبيرا مع دولة مجاورة معادية سببت لها الكثير من الأزمات والمشاكل والاخفاقات بدءا من الانسحاب الإسرائيلي من بيروت عام 1982 وصولا إلى الانسحاب الكلي عام 2000، وفشل حرب تموز عام 2008. وبالتالي فإن تل أبيب مصلحتها إنهاء إشكالية ربط النزاع لأنها تخاف من أن تقوم المقاومة اللبنانية بأخذها كحجة للمواجهة المستقبلية، وكذلك الاستفادة من جو التطبيع العربي معها الذي يجري في المنطقة الذي يعد انتصار تاريخيا لحتمية وجودها.
أما واشنطن، فالرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أضاف إلى سجله انجازا جديدا عشية الانتخابات الرئاسية بعد مسلسل الانجازات المتصلة باتفاق السلام بين الدول الخليجية وإسرائيل، حيث يقدم ترامب نفسه للعالم والأمريكيين والإسرائيليين أنه رجل سلام وتفاوض قادر على تحقيق ما عجز أسلافه عن تحقيقه والذي قد يساعد على بقاءه جالسا على كرسي الرئاسة في البيت الأبيض.
في المحصلة وافق لبنان على إطلاق المفاوضات حول ملف ترسيم الحدود البحرية، وملف الغاز والنفط مع إسرائيل، مقدما تنازلا كبيرا، لأن ما أعلن عنه كان مطروحا منذ زمن بعيد، ولم يكن مقبولا، ليصبح اليوم مرحبا به، وبرعاية واشنطن.
وأخيرا، كل الاتفاقيات بدأت غير مباشرة وبرعاية أمريكية، وانتهت مباشرة في واشنطن بتوقيع نهائي مشروط بالسلام..فهل سيكون الغاز نقمة لبنان لا نعمته؟ الأيام فقط كفيلة بالرد على ذلك.
المقالة تعبر عن رأي كاتبها