وما قد ينشأ عن هذا التطور الجديد ليس مجرد "لعبة كبرى"، كما كان يطلق على معركة القرن التاسع عشر على النفوذ في آسيا الوسطى، ولكن فوضى كبرى، مع تراجع الولايات المتحدة حيث يحتمل أن تصعّد طالبان العنف للإطاحة بالحكومة المدعومة دوليًا في كابول، بحسب ما جاء في تقرير لوكالة فرانس برس.
وقال وليام فيكسلر المسؤول الكبير السابق في البنتاغون والخبير الآن في المجلس الأطلسي "لن يقوم أحد بتولي الدور الأمريكي لأن لا أحد لديه التطلعات والأهداف نفسها".
"لا أحد يريد حربا أهلية"
وأضاف "ولكن ما سيحدث هو أنه مع مغادرتنا سيحاول كل لاعب آخر تحقيق أهدافه المحدودة والمحددة. وهو ما سيؤدي، في شكل كبير، إلى أن تدخل أفغانستان في مثل هذه الفوضى في المقام الأول".
من جانبه، قال مدير برامج أفغانستان وآسيا الوسطى في معهد الولايات المتحدة للسلام سكوت ووردن إنّ "الصين وروسيا وإيران وربما باكستان بدرجة أقل تشترك جميعها في أن لها مصلحة في خروج القوات الأمريكية من المنطقة ولكن ليس مغادرتها فجأة".
وتابع "لا أحد يريد أن يرى انهيارا وتجدد الحرب الأهلية ولا يريدون أن يعبر لاجئون أو إرهابيون من أفغانستان على الحدود".
روسيا: تأثير الانسحاب ضئيل
رحبت موسكو على لسان نائب مدير المكتب الصحفي بوزارة الخارجية الروسية أليكسي زايتسيف بعزم واشنطن على مواصلة خفض عدد القوات في أفغانستان.
لكن روسيا ترى أن للحملة الأمريكية في أفغانستان عواقب وعلى واشنطن إدراكها، وقبل كل شيء، وفاة المدنيين بسبب الضربات الجوية الخاطئة التي شنتها هناك.
إذ قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا:
"نعتقد أنه يجب على واشنطن تحليل وفهم جميع عواقب حملتها العسكرية التي استمرت عشرين عامًا في أفغانستان، مع الأخذ في الاعتبار، أولاً وقبل كل شيء، الخسائر المدنية نتيجة الضربات الخاطئة للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي أو الأعمال غير المصرح بها لأفرادها العسكريين".
وعن تأثير خطوة الانسحاب على الوضع في أفغانستان، قال زامير كابولوف، المبعوث الروسي الخاص إلى أفغانستان، لـ"سبوتنيك"، إن هناك المزيد من الضجيج حول تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول تسريع انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، معتبرا أن الخطوة سيكون لها -في الواقع- تأثير ضئيل على الوضع "على الأرض".
وأضاف كابولوف "يتم تقديم هذا بحذر ... ومع ذلك، فإن ترامب سيسحب القوات، لكن ليس كلها، فكما ذُكر سابقا، يبقى 2500. ولهؤلاء المهتمين، نقول، لا يزال الناس في كابول يأملون في ذلك لاحقا، بأنه عندما سيتولى جو بايدن منصبه، يمكنه إلغاء كل هذا".
وعن إيران، يقول ووردن أنّ قلق إيران الرئيسي هو القوات الأمريكية لكن طهران "تود بالتأكيد تجنب سيطرة طالبان على أفغانستان والانسحاب الأمريكي المتسرع يزيد من ترجيح هذه النتيجة".
"النفوذ الصيني"
وقال فيكسلر "ترغب الصين في مواصلة الاستفادة المجانية من الأمن الذي توفره أمريكا (في أفغانستان) لأطول فترة ممكنة"، مضيفا:
"لكن الصين ترغب أيضًا في الاستفادة من الرحيل الأمريكي لتوسيع نفوذها وتوسيع نطاق روايتها بأنها جديرة بالثقة وأن الأمريكيين ليسوا كذلك في الأساس".
وقالت الزميلة البارزة في معهد بروكينغز فاندا فيلباب-براون "تريد روسيا والصين بالتأكيد أن تغادر الولايات المتحدة، لكنهما لا تمانعان في أن تكون الولايات المتحدة مشغولة ومكبلة هناك".
وأضافت فيلباب براون إنه "تقدير معقول" أن "يحصل خصوم الولايات المتحدة على دفعة معنوية" بسبب الرحيل الأمريكي من البلاد دون هزيمة طالبان.
وتابعت "ولكن هناك أيضًا الجانب الآخر من مصداقية الولايات المتحدة، لا يتعلق الأمر بأن الولايات المتحدة غير قادرة على التحمل، ولكن بأن تظل متورطة في صراع يتجاوز حدود ما يخدم مصالح الولايات المتحدة".
ويقول الخبراء إن الانسحاب الأمريكي، الذي يريد ترامب استكماله بحلول منتصف عام 2021، سيسمح لباكستان بتحسين وضع وكلائها في أفغانستان، لكن المفارقة أنه قد يضعف مكانة إسلام أباد، إذ لن تكون القوات الأمريكية بحاجة إلى مساعدتها اللوجستية.
يشار إلى أن إدارة ترامب أعلنت أمس الثلاثاء الماضي أنها ستسحب ألفي جندي من أفغانستان و500 جندي آخرين من العراق بحلول منتصف كانون الثاني/يناير
ويتعهد ترامب بإنهاء "الحروب الأبدية" التي لا تحظى بشعبية، فيما يدافع بايدن منذ سنوات عن إنهاء التدخل في أفغانستان، وهو الأطول في تاريخ الولايات المتحدة، والذي بدأ في أعقاب هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001.