يرى مراقبون أن النظام الحالي منقسم على نفسه سواء فيما يتعلق بمكونات قوى الحرية والتغيير أو داخل الحكومة وأيضا بين جناحي الحكم "المدني والعسكري"، ففي الوقت الذي دعت فيه حركات مسلحة بضرورة دمج أنصار المرحلة السابقة في الحياة السياسية وعدم إقصائهم حتى تخرج البلاد من كبوتها، يؤكد آخرون على أن هذا لا يمكن تقبله قبل محاسبتهم على ما ارتكبه في حق الشعب، هناك تخبط وعدم ثقة بين معظم الأطراف سواء من هم في السلطة أو خارجها، ما يجعل مصداقية الدولة واستقرارها عرضة للخطر.
قال عضو تنسيقية تيار الثورة السودانية لؤي عثمان، إن هناك تحركات سابقة ومن وقت مبكر من اللجنة الأمنية للبشير والتي تمثل المجلس العسكري وتوجد الآن في المجلس السيادي وعلى رأسه عبد الفتاح البرهان، وقد حاولوا خلال الفترة الانتقالية الماضية إعادة الإسلاميين، لكنهم اصطدموا برفض كبير من الشارع.
وأضاف في اتصال هاتفي مع وكالة "سبوتنيك" تلك اللجنة الأمنية التابعة للبشير تعتقد أن الوقت الآن مناسب بعد أن تم تعديل الوثيقة الدستورية وعودة قادة الفصائل والحركات الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، خاصة وأنهم يرون أن رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم قد تربى في أحضان الإسلاميين وله علاقات وطيدة وبشكل خاص مع المؤتمر الشعبي وبعض قادة المؤتمر الوطني، يمكن أن يكون مدخلا مناسبا، هذا بجانب الحركة الشعبية -شمال بقيادة مالك عقار وياسر عرمان وهم من صرحوا مرارا بأن الإسلاميين لا بد أن يشركوا ويكونوا جزء من الفترة الانتقالية، وقد رأينا التصريحات التي صدرت عنهم مؤخرا بشأن المصالحة.
رفض شعبي
وأكد عضو تنسيقية تيار الثورة، أن الشعب لن يقبل بتلك المصالحات ما لم تتحقق العدالة الناجزة المطلوبة، أما في ظل تغييب العدالة فلا يمكن أن تكون هناك أي مصالحة وطنية، لأن المصالحة التي يتحدثون عنها الآن تعني العفو والتغاضي عن كل الجرائم التي ارتكبوها ويتحركون بكل أريحية ويفتح الباب لعودتهم للسلطة مرة أخرى، نظرا لما لديهم من جذور في كل مفاصل الدولة بما فيها الشركات الحكومية.
وأوضح عثمان أن كل الدلائل والمؤشرات تقول أن البشير في مأمن وليست هناك محاكمات، والقوى المدنية المشاركة في الحكم تقول أن العسكريين الحاليين في مجلس السيادة وفي الحكومة كانت علاقاتهم السابقة مع المؤتمر الوطني وليس مع البشير، وأهم هم من انقلبوا على البشير، في الوقت الذي تشهد فيه البلاد تثبيت للدولة العميقة مع عدم إعادة الهيكلة للأجهزة الأمنية والجيش، حيث تسيطر الحركة الإسلامية على كل تلك القوات بالكامل، مؤكدا على أن الشارع إذا ضغط عليهم فلن يستطيعوا تنفيذ ما يريدون أو إعلان ولائهم للحركة الإسلامية.
وأضاف: لا توجد أي ضغوطات من المجلس السيادي، بل إن العسكر قاموا بإطلاق يد اللجنة لأشهر طويلة لتفعل ما تشاء، فعاثت في الأرض فسادا وقمعا وظلما، كما أن نائب رئيس اللجنة هو الكادر السياسي الطلابي محمد الفكي سليمان عضو المجلس السيادي.
إزالة التمكين
من جانبه قال المدير الإعلامي الأسبق للرئاسة السودانية أبي عز الدين: "إن إزالة التمكين التابع للنظام الانتقالي الحالي لمحاسبة قادة النظام السابق، هي لجنة فاسدة، أصابها كثير من الضربات المؤلمة سواء من أشخاص منسلخين عنها، وقاموا بفضحها مثل رئيس منظمة الشفافية ومكافحة الفساد نادر العبيد والذي يختبئ الآن منهم حفاظا على حياته نظرا لحصانتهم أمام القضاء، أو من رئيسها نفسه الفريق ياسر العطا والذي صرح مؤخرا عن فساد لجنته، إضافة إلى ضربات من حركات الكفاح الوطني المسلح، والتي ترى أن هذه اللجنة مكونة من مراهقين سياسيين متطرفين وصارت تغطي على الفساد وتخفي مبررات إطلاق سراح البعض دون محاكمات ودون توجيه تهم، هذا إضافة لانتباه المنظمات الحقوقية الدولية، ومنظمات حقوق الإنسان لمخالفات هذه اللجنة والنيابة العامة، والاعتقالات التعسفية المخالفة للقانون".
وأضاف في اتصال مع "سبوتنيك"، "هذا إضافة لمصادرة اللجنة لأراضي وعقارات وأموال مواطنين دون أن تقوم بتقديم أي فرد منهم لمحاكمة، بل إن بعض من قاموا بنهب أموالهم وأراضيهم، لم يتم اعتقالهم أساسا، كما أن هناك ضغوطات قانونية على قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين الحاكم، بسبب مماطلتهم في تشكيل محكمة دستورية عليا كي يتم التقاضي فيها، حيث إن الدولة بلا محكمة دستورية لفترة طويلة، لخشية أعضاء لجنة إزالة التمكين من فتح البلاغات فيهم" حسب قوله.
إطلاق الشائعات
وتابع عز الدين، كل هذه الظروف ضد هذه اللجنة، ومع وصول الحركات المسلحة، جعلت بعض منسوبي اللجنة يطلقون شائعة المصالحة لامتصاص الضغوط والبلاغات التي سيتم فتحها ضدهم، مما اضطر السياسيون في هذه اللجنة لإطلاق شائعات تخفف عنهم ضغط الرأي العام، ومنها الحديث عن اتفاق مصالحة، وهي خطوة تخديريه، ولا ينبغي أن تكون هناك أي مصالحات في الفساد، سواء من طرف أشخاص معتقلين أو من طرف سماسرة هذه اللجنة الذين يلبسون ثوب المحاماة.
وأشار المستشار الإعلامي إلى أن قيادي بعثي عضو في اللجنة يحاول الاستنجاد بالرأي العام أمام وضعه القانوني الضعيف حاليا بعد بدء انكشاف الأستار عن هذه اللجنة والتي سيتم حلها قريبا، وتكوين مفوضية للفساد بديلة لهذه اللجنة الإجرامية.
وأوضح عز الدين أنه إذا كان هناك مطلب من المؤتمر الوطني، فهو ليس المصالحة مع هذه اللجنة القمعية الفاسدة، وإنما اعتقالهم ومحاسبة هذه اللجنة عن كل ما قامت به، وإنفاذ القانون ومساءلتهم حول سبب افراجهم (في الخفاء) عن بعض المعتقلين السياسيين والمعتقلات بعد طول اعتقال غير قانوني، دون إبداء أي أسباب للرأي العام.
طرح عاقل
أما المحلل السياسي السوداني الدكتور ربيع عبد العاطي فيقول، النظام الحالي ليس حزبا واحدا لكنه عبارة عن شتات من الجماعات اليسارية والعلمانية، ومن يتماهون معهم من المحسوبين على اليمين، ولا أعتقد بأن ذلك ممكنا مع الشيوعيين والعلمانيين ومن يتبعهم من دعاة الكراهية، ولقد طرح بروف غندور المكلف برئاسة المؤتمر الوطني "الحزب الحاكم السابق" تصور المعارضة المساندة، لكن لم يستمع له أحد.
وأضاف في اتصال مع "سبوتنيك"، ومع قدوم الحركات المسلحة أرى أن هناك طرحا عاقلا من بعض قياداتهم، ولا استبعد أن يكون هناك تفاهم مع بعض جماعات الحاضنة الجديدة للحكومة، وليس معهم جميعا، لكن لا أتوقع أن تسير الأمور كما كانت عليه في السابق، في ظل ما يشهده الواقع السياسي والاقتصادي من تدهور مريع ينذر بانهيار الدولة والمجتمع.
وحول مدى قبول الشارع لأي مصالحة قال عبد العاطي "هناك الكثير الآن يتمنون العودة لما كان عليه الحال، قبل حدوث التغيير الذي يطلق عليه آخرون بأنه كان انقلابا دفعت فيه أموال وحدثت تدخلات خارجية، وبيع وشراء لذمم وخداع أدى لفوضى وليست ثورة كما ذهب لذلك البعض الآخر".
خصم من رصيد الحكومة
في الوقت ذاته شن القيادي بالحزب الشيوعي السوداني كمال كرار هجوما على القيادات التي تسعى لعقد مصالحة مع الإسلاميين، مشيرا إلى أن الحديث عن المصالحة يخصم كثيرا من رصيد الحكومة الحالية، وأن أي شخص يتحدث عنها يضع نفسه في خانة العداء للشعب السوداني.
وأوضح كرار بحسب صحيفة "السوداني" أن قرار عقد المصالحة الوطنية مع الإسلاميين متروكة للشارع السوداني، وليس الوقت مناسبا للحديث عنها خاصة وأن دماء الشهداء لم تجف بعد، مشددا على تحقيق العدالة القضائية أولا بتقديم المجرمين لساحة القضاء أولا.
سودان ما بعد الثورة
قال عضو لجنة إزالة التمكين وجدي صالح في تصريحاتٍ لصحيفة السوداني الصادرة اليوم "الاثنين"، إن هناك جهات تعمل على إعاقة عمل اللجنة، من أجل حماية منظومة الفساد، جزء منها يتبع للنظام السابق، وجزء آخر يتمدد حتى يجد موطئا في ظل السودان ما بعد الثورة.
وأوضح صالح أنه لم يتعرض على المستوى الشخصي لضغوطٍ ولم يطالب بتقديم استقالته.
وأضاف صالح أتعرض لتهديدات بشكلٍ يومي وغيره، ولكن مهما كانت محاولات اغتيال اللجنة أو محاولات الاغتيالات الشخصية بواسطة الذين تضرروا من عمل اللجنة والذين سيتضررون من عملها لاحقا وهم في محطة الانتظار نقول لهم، لن نتخلى عن أداء واجبنا.
وكانت وسائل إعلام سودانية تحدثت عن جولات سرية من المحادثات تجري بين النظام الانتقالي السوداني وبشكل خاص الجانب العسكري في مجلس السيادة من أجل عقد مصالحة بين رموز وقيادات النظام السابق ممن هم في الصف الثاني وما قبله من غير المتورطين في دماء الشعب ووقف عمل لجنة إزالة التمكين.
ومنذ 21 أغسطس/ آب من العام الماضي، يشهد السودان، فترة انتقالية تستمر 39 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات، ويتقاسم السلطة خلالها كل من المجلس العسكري، وقوى "إعلان الحرية والتغيير"، قائدة الحراك الشعبي.