يرى مراقبون أن عملية الربط بين قائمة الإرهاب والتطبيع غير منطقية، وتدخل في إطار الابتزاز السياسي، والحكومة الانتقالية الحالية لا تملك القرار في هذا الملف الذي يقابل باستياء شديد.
حالة من التجاذب
يقول الخبير الأمني والمحلل الاستراتيجي السوداني، الفريق جلال تاور، تناولت منصات التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية وبعد اتصال وزير الخارجية الأمريكي برئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، وأن الأخير أبلغه بأنه إذا لم تف الإدارة الأمريكية بالتزامها برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، فإن الخرطوم لن تكون مجبرة على الاستمرار في التطبيع مع إسرائيل، هذا ما تداولته مواقع التواصل الاجتماعي.
وأضاف لـ"سبوتنيك"، أما من الناحية العملية، فإن مسألة الرفع من قائمة الإرهاب مرتبطة بموافقة الكونغرس الأمريكي، وهناك مؤشرات تؤكد أن الأمر سوف يكتمل خلال هذا الشهر وقبل إجازة أعياد الميلاد.
ونوه جلال تاور بأن،
"ما يتعلق بمسألة التطبيع فهو محل تجاذب بين طرفين في السودان، طرف يرى ضرورة الاستمرار في هذا الاتجاه وخاصة المكون العسكري الموجود في منظومة الحكم الثلاثية من مجلس السيادة ومجلس الوزراء والحاضنة السياسية، وبعض السياسيين غير متفق مع الآخرين في هذا الاتجاه، ومع وجود الاتفاق والاختلاف، فإن هذا الأمر لن يكتمل بالقبول أو الرفض إلا بعد مناقشته في المجلس التشريعي بعدما يتم تشكيله".
مرحلة التشكيل
وأكد تاور، أن مسالة التطبيع مازالت في طور التشكل رغم الخطوات غير الرسمية التي تمت وزيارة الوفد الإسرائيلي إلى الخرطوم، لكن الأمر لا يزال بيد البرلمان المتوقع تشكيله خلال الفترة القادمة بعد التوافق بين الأطراف الجديدة المكونة للحاضنة السياسية في البلاد.
وأشار الخبير الأمني إلى، أن الذي دفع السودان تجاه التطبيع بتلك السرعة هي الإدارة الأمريكية الحالية وتم الإعلان عن مسألة التطبيع عبر الاتصالات وليس بشكل مباشر ولم تكن هناك أي توقيعات، فقد كان ترامب في البيت الأبيض ونتنياهو في إسرائيل وحمدوك في السودان.
وشدد الخبير الأمني، على أنه رغم ما جرى فإن هناك جهات سودانية رافضة بشدة للتطبيع، خصوصا وأن هناك قانون صدر في العام 1958 ومازال مفعوله ساريا حتى الآن يرفض التطبيع تماما، والجميع ينتظر البرلمان ليناقش هذا الأمر بمنتهى الصراحة والوضوح.
علاقة غير منطقية
من جانبه، يقول المحلل السياسي السوداني الدكتور قطبي المهدي، ليس هناك علاقة منطقية بين رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وفك الحصار عنه وقضية التطبيع مع إسرائيل، وربط هذه بتلك هى عملية ابتزاز سياسي لا أكثر ولا أقل.
وأضاف لـ"سبوتنيك"، أن
"الحكومة الانتقالية الحالية ليس من حقها ولا من صلاحياتها أن تتخذ مثل هذه الخطوة، وهذا يعني أن أي حكومة قادمة منتخبة من الشعب هي التي تستطيع أن تتخذ قرار في هذا الشأن، لأنه ليس هناك ربط بين التطبيع وفك الحصار عن السودان".
خطوات غير ملزمة
وأكد المهدي، أن أي حكومة قادمة ليست مضطرة للسير قدما فيما أقدمت عليه الحكومة الحالية فيما يتعلق بمسألة التطبيع، فليس هناك ما يلزم الحكومات القادمة بما اتخذته الحكومة الانتقالية الحالية.
الهدف الإسرائيلي
وأوضح أن زيارة الوفد العسكري الإسرائيلي إلى المناطق العسكرية السودانية قوبلت باستياء كبير جدا على المستوى السياسي والشعبي، فكيف يتم السماح لهذا الوفد بتفقد منشآت عسكرية هامة في البلاد، وهذا الأمر يعد من الأمثال التي تورطت فيها الحكومة الحالية وغير ملزمة لهم".
وأوضح، "يجب أن نعلم أن مسألة التطبيع بالنسبة لإسرائيل اليوم هي عملية دعائية في المقام الأول، فهم لا ينظرون إلى علاقة حقيقية مع السودان، حتى الآن هذا الأمر يستخدم في السياسة الداخلية لنتنياهو أو في سياستهم الخارجية في المنطقة لكسب المزيد من الدول للاعتراف بهم، لكنهم ليسوا جادين في أي علاقة مع السودان.
وكان رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، قد هدد بتجميد التطبيع مع إسرائيل إذا لم يوافق الكونغرس الأمريكي على منح بلاده حصانة من دعاوى عائلات ضحايا الإرهاب.
وحذر البرهان، في اتصال هاتفي مع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، من أنه إذا لم يوافق الكونغرس الأمريكي بنهاية ديسمبر/ كانون الأول الجاري، على القانون الذي يمنح السودان حصانة من الدعاوى القضائية التي تقدمها عائلات ضحايا تفجيرات 11 سبتمبر/أيلول، فإن السودان سيجمد التطبيع مع إسرائيل، وذلك حسب صحيفة "ذا نيويورك تايمز" الأمريكية.
وقالت الصحيفة، إن "بومبيو وعد البرهان بأن الكونغرس سيوافق في الأسابيع المقبلة على قانون الحصانة، مؤكدا أن إدارة ترامب تخطط لعقد حفل توقيع رسمي للاتفاق بين السودان وإسرائيل في وقت لاحق من هذا الشهر في البيت الأبيض".
وفي 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلن قادة الولايات المتحدة وإسرائيل والسودان في بيان مشترك عن توصل الخرطوم وتل أبيب لاتفاق لتطبيع العلاقات بينهما، وينص البيان على أن "الاتفاق المبرم يقضي بإقامة علاقات اقتصادية وتجارية بين إسرائيل والسودان مع التركيز مبدئيا على الزراعة".
وأصبح السودان خامس بلد عربي يوقع اتفاقا لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، عقب الإعلان عن اتفاق مماثل بين تل أبيب وأبو ظبي والمنامة منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، كما وقع الأردن اتفاقا للسلام مع إسرائيل عام 1994، ومصر عام 1979.
ومنذ 21 أغسطس/ آب من العام الماضي، يشهد السودان، فترة انتقالية تستمر 39 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات، ويتقاسم السلطة خلالها كل من المجلس العسكري، وقوى "إعلان الحرية والتغيير"، قائدة الحراك الشعبي.