وكان الرئيس التونسي قيس سعيد قد أعلن، يوم الأربعاء المنقضي الموافق لـ 30 كانون الأول 2020، قبوله الإشراف على حوار وطني على قاعدة خطة الإنقاذ التي اقترحها اتحاد الشغل والرامية لإيجاد حلول سياسية واقتصادية واجتماعية للوضع الراهن في البلاد.
وجاء في بيان الرئاسة أن رئيس الدولة "قبل بإجراء حوار لتصحيح مسار الثورة التي تم الانحراف بها عن مسارها الحقيقي الذي حدده الشعب منذ عشر سنوات ألا وهو الشغل والحرية والكرامة الوطنية".
تصحيح مسار الثورة
وفي هذا الإطار، قال الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي لـ"سبوتنيك"، إن "المبادرة التي تقدم بها اتحاد الشغل تندرج فعلا ضمن مخطط تصحيح مسار الثورة".
وأوضح النائب أن "الثورة التونسية قامت قبل عشر سنوات على الاستحقاق السياسي المتمثل في الحرية والديمقراطية والاقتراع الحر والنزيه، وعلى الاستحقاق الاجتماعي المتمثل في التنمية والتشغيل والكرامة وتحسين الخدمات الصحية والتعليمة وغيرها".
وتابع: "بعد 10 سنوات نحن اليوم نعتبر أن الثورة في أزمة وفي منطقة زوابع حقيقية لأن الاستحقاق السياسي الذي كنا نفاخر أصبحت تشوبه العديد من المساوئ التي كشف عنها مؤخرا تقرير محكمة المحاسبات، فضلا عن أن كل المؤشرات تؤكد أن الاقتصاد التونسي في تراجع والاستحقاقات الاجتماعية مغيبة".
واستنتج المغزاوي أن "هذه المؤشرات تبرر الحاجة إلى حوار وطني جدي يبتعد عن الحلول التقليدية المتأتية من مؤسسات الدولة حكومة وبرلمانا ويستهدف تصحيح المسار الخاطئ الذي أنتج أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية، مضيفا أن رسم الحلول لهذه الأزمة يجب أن يتأتى من تقييم هذا المسار وتحديد علّته".
ويرى المغزاوي أن
"صعوبات حقيقية تنتظر هذا الحوار الوطني، بالنظر إلى عدة أسباب تتعلق أساسا بالتجاذبات الحادة الموجودة على الساحة السياسية، وبنوايا بعض الأطراف السياسية التي لا تريد لهذا الحوار أن يذهب إلى عمق الأشياء بمعنى تقييم النظام السياسي وإصلاح منوال التنمية".
وقال المغزاوي إن "هذه العوامل ستضاعف المسؤولية على عاتق اتحاد الشغل ورئيس الجمهورية باعتبارهما أصحاب المبادرة".
الخيار الوحيد
من جانبه، قال نائب الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي محمد الحامدي في تصريح لـ "سبوتنيك"، إنه "لا خيار لتونس في هذه المرحلة الصعبة سوى الاحتكام إلى مبدأ الحوار والتوافقات، وأضاف أنه لا يمكن لأي طرف سياسي أن يقود البلاد إلى المخرج بمفرده".
وتابع: "لا بد من أن يجلس الفرقاء السياسيون على الطاولة الحوار من أجل الاتفاق على التسويات الكبرى التي تقتضيها عملية الانتقال الديمقراطي، والتي ستحدد لاحقا الخيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية".
وأكد الحامدي أن "التيار الديمقراطي معني بالمشاركة في هذه المبادرة الوطنية".
وشدد أن
"الحزب كان سباقا في الدعوة إلى هذا الحوار، مشيرا إلى أن الحساسيات السياسية هي التي فرضت أن يكون الاجماع على مبادرة الاتحاد بوصفه منظمة وطنية جامعة وبعيدة عن التجاذبات".
وقال الحامدي: "نحن لا نرى حرجا في دعم هذه المبادرة، لأن المهم هو الذهب إلى حوار جدي يفضي إلى إنهاء الأزمة التي تمر بها البلاد بغض النظر عن جهة المبادرة".
إقصاء الفاسدين
وتعليقا على حديث رئيس الجمهورية عن إقصاء الفاسدين من هذا الحوار، قال الحامدي: "المقصود حقيقة بهذه العبارة ودون مواربة هو حزب قلب تونس لاعتبارات عدة، أولها نشأة الحزب التي تعلقت بها شبهات فساد، وثانيها شبهات تبييض الأموال المتعلقة برئيس الحزب نبيل القروي والتي تكاد تصبح أدلة وقرائن، وثالثها تقرير محكمة المحاسبات الذي كشف عن تلاعب وفساد مالي لهذا الحزب أثناء الحملة الانتخابية".
ويرى الحامدي أن
"إقصاء رئيس الجمهورية للفاسدين أو لممارسي العنف هو قرار وجيه، مضيفا أن اعتراض بعض الأطراف السياسية، ومنها حركة النهضة، على تغييب قلب تونس أو ائتلاف الكرامة لا يجب أن يعطل الحوار، قائلا "من الوجيه أن نذهب إلى الحوار دون هؤلاء في حال استمرت الاعتراضات".
ولا يستبعد الحامدي أن يفضي الحوار إلى تغيير الحكومة أو إحداث تحوير وزاري، موضحا "سينتهي الحوار بتحديد مخرجات وحلول عملية لإنقاذ البلاد من المأزق الراهن، وإذا لم تكن الحكومة الحالية قادرة على تنفيذ هذه المخرجات فإنه من الأسلم تغييرها".
واستدرك الحامدي: "في اعتقادي يجب أن لا نضع في جدول أعمال هذا الحوار تغيير الحكومة، لأن المهم الآن هو تغيير السياسات وليس الحكومات".
الإقصاء سيفضي إلى الفشل
وقال جبنون:
"هذه الاصلاحات لا يمكن أن تتم إلا بحضور كل الطيف السياسي المنتخب في البرلمان والفاعل في الساحة السياسية التونسية، لأنه لو تم اقصاء أحد مكونات هذا الطيف فإن هذا الحوار لن يكتب له النجاح، وهو أمر يعلمه اتحاد الشغل جيدا باعتباره المتمرس في الحوارات الاجتماعية مع منظمة الأعراف ومع الحكومة ومع أطراف تبدو من الوهلة الأولى متناقضة ولكنها تصل في نهاية الأمر إلى اتفاق فيما بينها إثر تقريب وجهات النظر".
وانتقد جبنون غياب مضمون حقيقي ورسالة اصلاحية واضحة في مبادرة اتحاد الشغل، قائلا إن المطلوب هو تحديد محتويات المبادرة حتى يقع فيما بعد الحوار حولها وإيجادالصيغ التي ستفضي إلى إنجاح هذه المبادرة.
وأضاف أن "مهمة الحوار الوطني المرتقب يجب أن تقتصر على معالجة الأزمة الاقتصادسة والاجتماعية للبلاد، مشددا على أن مسألة تقييم الحكومة وإعادة هيكلتها يعود إلى رئيس الحكومة بمقتضى القانون والدستور".
مخطط لإسقاط الحكومة
إلى ذلك، اعتبر النائب عن كتلة ائتلاف الكرامة منذر بن عطية في حديثه لـ "سبوتنيك" أن "الأطراف السياسية التي دفعت إلى إجراء هذا الحوار الوطني هي ذاتها المكونات التي خسرت في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ممثلة أساسا في التيار الديمقراطي وحركة الشعبط.
وأضاف أن "هذه الأطراف التي تتمركز حاليا خلف اتحاد الشغل وجدت نفسها على الهامش بعد أن خسرت حكومتها (في إشارة إلى حكومة الياس الفخفاخ)، وهي اليوم تسعى من خلال هذه المبادرة إلى تجميع حزام برلماني قوي لإسقاط حكومة هشام المشيشي الذي خرج عن طوع قيس سعيد واستبدالها بحكومة على المقاس".
وقال بن عطية أن "رئيس الجمهورية قيس سعيد وضع بصمته في هذا الحوار، من خلال استخدام حجة إقصاء الفاسدين، في حين أن الهدف الحقيقي هو تصفية خصمه الرئاسي السابق نبيل القروي"، على حد قوله.
ووصف بن عطية الحوار الوطني المرتقب بـ"الانقلاب المقنع" على الديمقراطية والدستور والقفز على مخرجات انتخابات 2019 تحت غطاء المصلحة الوطنية.
ومن المنتظر أن تعقد خلال الأيام القليلة القادمة جلسة عمل مشتركة بين رئيس الجمهورية والاتحاد العام التونسي للشغل لتناول تفاصيل الحوار الوطني بتونس.