القاهرة - سبوتنيك. وعلى مدار أيام الثورة تمركزت في الميدان الطواقم الطبية من أطباء وممرضات لاستقبال المئات، وربما آلاف الحالات لإسعافها، لتصبح مستشفيات الميادين أبرز علامات الثورة.
ومع مرور 10 سنوات على الثورة، يجد الأطباء والطواقم الطبية أنفسهم في موقف ليس بعيدا عما حدث في يناير، ففي مستشفيات العزل اليوم تقف الطواقم الطبية بإمكانيات محدودة وتحت حصار الوباء وفي مواجهة خطر الموت لإسعاف مصابي كورونا.
الأمينة العام السابقة لنقابة الأطباء الطبيبة منى مينا، والتي شاركت بقوة في مستشفى ميدان التحرير من بدايتها قالت في حديثها لـ"سبوتنيك": "مستشفيات الميدان تشكلت مع الأحداث دون استعداد مسبق ودون قرار من أحد، لذا واجهت بالطبع الكثير من المصاعب، في البداية كانت هناك صعوبة في توفير المواد والآلات اللازمة للإسعافات، خاصة مع تزايد الصدامات، والمستشفى وقعت تحت الحصار بالفعل، كان الضرب في كل مكان ولم يكن بالإمكان إخراج المصابين الذين يحتاجون لإمكانيات كبيرة أو جراحات، ومع انقطاع الاتصالات كانت الصعوبة أكبر، وكان هناك أيضا تهديدات من القوات بضرب مستشفى الميدان مباشرة".
وأضافت مينا:
"كانت القدرات بسيطة والعلاج لم يكن متوفرا بشكل دائم، ولا إمكانية لنقل المصابين، كانت لدينا مشكلة أيضا في خوف المصابين بإصابات بليغة من التوجه لمستشفيات كبيرة حتى لا يتم توقيفهم".
لم تكن المشكلات الفنية هي فقط التي واجهتها الطواقم الطبية، فبعض المشكلات كانت سياسية كما توضح مينا: "بعد استقرار مستشفى الميدان في التحرير وانتقاله لمكان آمن في محيط الميدان ظهرت مشكلة أخرى، جاء الإخوان المسلمون وأرادوا وضع سترات موحدة للأطقم الطبية مكتوب عليها (لجنة الإغاثة التابعة لاتحاد الأطباء العرب) والمعروف تبعيته لجماعة الإخوان، وكان الهدف تصوير المستشفى كأنه مستشفى إخواني".
وتابعت مينا: "الإصابات التي كنا نستقبلها في مستشفى الميدان كانت متنوعة، بدأت بالإصابات الخفيفة، الاختناق والخرطوش والرصاص المطاطي، بعد ذلك بدأنا نستقبل إصابات بالرصاص الحي، ثم بدأنا نستقبل إصابات قاتلة، أي في الصدر والرأس، هذا يعني أن من يطلق الرصاص يستهدف القتل مباشرة وليس فض تجمعات، كان أغلب هذه الإصابات في 28 و29 يناير".
وأوضحت مينا: "بالطبع مستشفيات الميدان بإمكانها علاج حالات محددة، خياطة الجروح مثلا وقف النزيف، ولكن الحالات الأخطر كانت تحول بعد إسعافها لمستشفيات كبيرة مثل القصر العيني والحسين، وبالطبع لم يكن متاحا طوال الوقت تحويل المصابين لمستشفيات كبيرة، وكانت تحدث حالات وفيات كثيرة بين المصابين، خاصة في يومي 28 و29 يناير".
كانت مشاركة الممرضات أيضا بارزة في مستشفيات الميدان، ورغم الخطر المحيط، رفضت الممرضات المغادرة وظللن ينقذن مصابي الثورة ويضمدن جراحهم. الممرضة سيدة السيد فايد تؤكد ذلك في حديثها لـ"سبوتنيك": "من اليوم الأول للثورة انضممت لمستشفى الميدان في التحرير، ولم أغادر المستشفى طوال أيام الثورة رغم الهجمات المتكررة عليه وحصاره واضطرارنا للانتقال من مكان لآخر".
وواصلت فايد: "كانت الإمكانيات محدودة والأخطار كبيرة، ووقعت إصابات بالفعل وسط الطواقم الطبية، ومع ذلك كان لدينا إصرار على الاستمرار، وأعداد الطواقم الطبية تزايدت يوما بعد يوم في المستشفى الميداني".
ولفتت فايد: "بالنسبة لي كانت أول مرة أستخرج الخرطوش من تحت الجلد، تعلمت استخراج طلقات الخرطوش من الجسم في مستشفى الميدان، ونقص الإمكانيات جعلنا نضاعف جهودنا لنعوض النقص".
بالنسبة لها اليوم الأصعب كان يوم موقعة الجمل، في 2 فبراير/ شباط، حين هجم أنصار الرئيس المصري الراحل، حسني مبارك، على الميدان بالخيل والجمال لفض الميدان بالقوة، وتقول فايد:
"يومها اعتبرنا أنفسنا في عداد الموتى لكن تابعنا إسعاف المصابين".
وأوضحت: "يوم بعد يوم كانت إمكانيات مستشفى الميدان تزداد، عدد أكبر من الأطباء والممرضين كانوا ينضمون، وبدأت تبرعات تأتي للمستشفى، أسرة وأجهزة طبية وأدوات ساعدتنا في إسعاف المصابين وعلاج الجرحى".
وأكدت فايد: "كانت بطولات المصابين والجرحى ملهمة للأطقم الطبية، كان أغلب المصابين ينهي الإسعافات ثم يعود للميدان فورا، كنا نحاول منعهم ليستريحوا قليلا ولكنهم كانوا يتوجهون فورا من مستشفى الميدان لاشتباكات الميدان".
وتقدر أعداد القتلى خلال فترة التظاهرات التي امتدت 3 أسابيع من 25 كانون الثاني/يناير إلى تنحي الرئيس مبارك في 11 شباط/فبراير بأكثر من 350 شخصا، إضافة إلى آلاف الجرحى.