كان يوما استثنائيا بكل معنى للكلمة للقضاء الروسي ومحاكمه، حيث استطاعت المحكمة المركزية في موسكو من جذب أنظار العالم والدول الغربية خصوصا التي لم تخف اهتمامها بالمتهم نافالني وبادرت إلى دعمه وتأييده ومساعدته إلى أقصى حد ممكن، وتجلى ذلك من خلال الحضور الشخصي للوفود الدبلوماسية الغربية إلى المحكمة التي عجت فيها الكاميرات الغربية والسيارات الدبلوماسية المختلفة المناصرة لقضية هذا المتهم.
تحاول الدول الغربية بكل قواها وإمكانياتها إشعال فتيل الشارع الروسي المتجمد من البرد القارس غير مدركين بالأسس الاجتماعية والثقافية لشعب اعتاد على مواجهة المكائد والمخططات التي حاولت تاريخيا تمزيقه مرارا لكنها كانت تصطدم بالعوامل النفسية والذاتية وحتى الطبيعية في بعض الأحيان.
لكن الصبر الروسي المعروف بدى أكثرعقلانية واستطاع استيعاب كل ما يجري من أحداث بطريقة هادئة وسلسة جعلت من الدول الغربية تفقد صبرها وتعلن عن مواقفها بشكل علني، مطالبة بالإفراج عن الناشط والمدون الروسي نافالني دون قيد أو شرط دون النظر في ما يحدث في بلادهم من اعتقالات مستمرة لمحتجين متهمين بخرق قانون الحجر المنزلي والاستخدام المفرط اللقوة من قبل قوات مكافحة الشغب في فرنسا وهولندا وبولندا والولايات المتحدة.
"الغرب" في المحكمة بقلب موسكو
لم تكن الدول الأوروبية ومعها الولايات المتحدة تطمح بفتح المواجهة المباشرة مع موسكو من بوابة مدون صحفي ترقى إلى مستوى المعارضين الجدد في السياسة الداخلية الروسية بعد دعم مباشر له خلال السنوات الماضية والتي جعلت منه بحسب الغرب رقما صعبا في المعادلة الداخلية الروسية بحيث أصبح للغرب الرجل الأول المواجه للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحسب زعمهم.
اشتاط الغرب غضبا بعد المحاولات والتحركات الفاشلة في الشارع الروسي، مما أرغم على اتباع نمط أكثر حدية ومواجهة مع موسكو وتجلى ذلك عبر الحضورالرسمي للوفود الدبلوماسية إلى المحكمة المركزية الروسية لحضور جلسة محاكمة نافالني ومحاولة الضغط على السلطات القضائية للتأثيرعلى الحكم والمطالبة بالإفراج الفوري عنه.
أما عن الوافدين الدبلوماسيين القادمين لمناصرة نافالني كشفت سياراتهم الشخصية عن جنسياتهم حيث اصطفت بجوار المحكمة سيارات تحمل أرقام دبلوماسية حمراء وعرف منها سيارات تابعة للسفارة الأمريكية والبريطانية ودول الاتحاد الأوروبي.
وذكرت مصادر دبلوماسية روسيا بهذا الصدد، أن التحرك الغربي الأخير كان محدد الأهداف وهو افتعال أزمة ومشكلة دبلوماسية جديدة مع روسيا تكون نتيجتها إعلان العديد من الدول الحاضرة إلى المحكمة قطع العلاقات الدبلوماسية متذرعة بمنع إدخالها لحضور جلسة محاكمة المعارض نافالني، لكن الرد الروسي جاء مفاجئا للكثيرين من خلال الهدوء في التعاطي واحترام الأعراف الدبلوماسية، وانحصر بموقف الخارجية الروسية الذي اعتبر الخطوات الغربية بالاستفزازية، متهمة الغرب بالتدخل السافر في الشؤون الروسية الداخلية.
ونصحت وزارة الخارجية الروسية الدول الغربية ورؤساءها الذين علقوا على وضع نافالني باحترام القانون الدولي والاهتمام بمشاكل بلادهم، مشيرة أن روسيا لا تنوي الاستماع إلى تصريحات من الخارج بشأن هذا المتهم.
وبعد مرور عشرات الساعات نطق القضاء الروسي بالحكم ضد نافالني بسجنه لمدة ثلاثة أعوام ونصف العام في قضية شركة "إيف روشيه"، وذلك بعد إلغائها الحكم الصادر من قبل بالسجن مع إيقاف التنفيذ. وتعد هذه القضية من أولى القضايا التي نطق بها الحكم مع وجود العديد من الاتهامات الأخرى بحقه وأبرزها اتهام السلطات الروسية بتسميمه وتنظيم تحركات غير مرخصة وجمع أموال من الخارج لأهداف سياسية وزعزعة الأمن القومي الروسي.
أسقطت رهانات الدول الغربية مجددا في موسكو وفشلت بإنقاذ ابنها الروسي المدلل حتى بحضور أهله من السفراء والدبلوماسيين الغربيين إلى المحكمة، بينما نجحت روسيا مجددا بسياستها الهادئة والحكيمة من إفشال المخطط الغربي وكشف عن أقنعة الدبلوماسيين وخيارتهم ومواقفهم الحقيقية تجاه روسيا وشعبها ورئيسها.
لكن ما كل ما يتمناه الغرب يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي أهدافه..ببساطة لأنها روسيا.
المقال يعبرعن رأي كاتبه