ففي وقت تدين وزارة الخارجية الأمريكية الهجمات في مناطق اعزاز والباب وعفرين وتعبر عن حزنها وتعازيها لكنها لا تفعل الشيء ذاته إزاء هجمات إرهابية تحدث يومياً في وسط وجنوب البلاد وتستهدف المدنيين وحافلات تقل عناصر الجيش العربي السوري.
في هذا السياق أشار الباحث والمحلل السياسي الدكتور خالد المطرود مدير شبكة "البوصلة" السورية وعضو مؤتمر سوتشي للحوار الوطني السوري لـ"سبوتنيك" إلى أن "الولايات المتحدة الأمريكية هي صاحبة مشروع حرب على سوريا وعلى دول المنطقة للسيطرة على مقدراتها والتحكم بقرارها السيادي ومحاولة إيجاد شرق أوسط جديد أمريكي الهوى والنكهة، وهي تعمل وفق مصالحها لذلك هي لم تحرك ساكناً بعد تفجيرات حافلات العسكريين والمدنيين السوريين التي حدثت مؤخراً في البادية السورية بين دير الزور وتدمر وفي ريف السلمية بحماة ولا في الاعتداءات والاغتيالات التي تستهدف المدنيين وعناصر الجيش العربي السوري لأنها تجد أن هذه الاعتداءات تخدم مشروعها وتحاول توظيف هذه الأعمال الإرهابية للضغط على الدولة السورية وعلى الجيش العربي السوري هذا إن لم تكن هي من يقف وراءها فكيف لها أن تدين نفسها؟".
وأضاف المطرود: "تنتهج الولايات المتحدة ازدواجية معايير لأنها تبني مواقفها وسياساتها وفق مصالح وليس وفق مبادئ وهي ترى اليوم أن مصلحتها في مواصلة الضغط على الدولة السورية من خلال قتل الأبرياء وتدمير البنى التحتية كعامل ضغط تسعى لاستخدامه في مرحلة التفاوض النهائية لكن ازدواجية المعايير هذه جعلت من الولايات المتحدة مثار سخرية أمام شعوب ودول العالم لأنها تتبع سياسات مختلفة فقط لتحقيق مصالحها، ونظرتنا في سوريا لن تتغير في استمرار مكافحة الإرهاب من قبل الجيش العربي السوري وحلفائه والدول الداعمة للدولة السورية".
وحول الوضع في الجنوب السوري أوضح المطرود أن "المنطقة الجنوبية مرت بمجموعة من المراحل آخرها مرحلة التسويات والمصالحات التي أطلقت في 16/6/2018 وتم في ذلك اليوم الإعلان عن تحرير محافظة درعا من الإرهاب وعودة الجيش العربي السوري إلى الحدود مع الأردن وعودة قوات "الأندوف" إلى اتفاقية فصل القوات الموقعة عام 1974 فيما يخص الصراع مع الكيان الصهيوني، الآن ما بعد هذه التسويات هناك مجموعة من الملاحظات؛ فهناك تسويات جرت مع الجيش العربي السوري وأخرى جرت مع الحليف الروسي والتي جرت في مناطق طفس وبصرى الشام ودرعا البلد والتي لم يتم من خلالها نزع السلاح الخفيف والمتوسط الذي استخدم في عمليات قتل وخطف بين الحين والآخر وأدى إلى وقوع شهداء عسكريين ومدنيين من الأطفال والنساء وإلى اغتيالات وتفجير عبوات ناسفة واللافت أننا لم نسمع من الولايات المتحدة اي بيان إدانة أو حزن أو تعزية حول ما جرى في المنطقة الجنوبية كما فعلت في مناطق الشمال السوري وهذا يعبر عن نهجها وسياستها ومشروعها في استهداف سوريا".
الجنوب... خيارات محسومة
وأردف: "الآن الأمور تتحسن وتتظهر، وأصبح القاصي والداني يعرف حقيقة ما يجري، وهناك مناشدات كبيرة من الأهالي لضرورة حسم موضوع المسلحين ونزع السلاح من كل المسلحين وقد بدأت هذه الخطوات بالتعاون مع الحليف الروسي إن كان في طفس أو درعا البلد أو بصرى الشام وأصبحت يد الجيش العربي السوري هي العليا في المنطقة وباتت خيارات الدولة السورية محسومة الآن نحو سحب كل السلاح وإجراء تسويات لجميع من لم تشمله التسويات والمصالحات التي جرت في الفترات السابقة، والعمل على ضبط الحالة الأمنية، وأصبح من غير المسموح بعد اليوم في المنطقة الجنوبية لأي فصيل كان ولأي فرد مدعوم من أي كان أن يخالف القانون ويمارس أفعال تخالف هذا القانون وهذه هي رغبة أهالي محافظة درعا وهو ما يعمل عليه الجيش العربي السوري".
وحول المساعي الأمريكية والإسرائيلية لتوتير الجنوب السوري قال المطرود: "هناك معطيات لدى أهالي درعا أن الولايات المتحدة و"إسرائيل" لا زالتا تعملان في المنطقة الجنوبية من خلال الخلايا النائمة وتصنيع خلايا نائمة في محاولة لإعادة توتير الأوضاع وزيادة الكلفة على أبناء المنطقة ولتكون عامل ضغط على القيادة السورية" مضيفاً أن "أبناء درعا هم الذين يتصدون مع الجيش العربي السوري لكل هذه الأشكال ويطالبون بوضع حد للفلتان الأمني الذي ما زال قائماً، لكن الأمريكيين يريدون أن تبقى منطقة الجنوب منطقة غير مستقرة أمنياً وخنجراً في ظهر الدولة السورية وهو ما تشتهيه وتخطط أمريكا و"إسرائيل".
واشنطن تريد دستوراً بنكهتها... ولن يكون
وحول جدوى سياسة الضغوط التي تتبعها الولايات المتحدة ضد سوريا وحلفائها قال المطرود: "الآن موازين القوى التي أفرزتها الحرب بعد عشر سنوات تم تثبيتها ولم يعد هناك مجال لتغيير هذه الموازين وبالتالي فإن أهداف الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في إسقاط الدولة السورية قد سقطت إلى غير رجعة لكن بقي استمرار الحرب للرهان على تسويات ناتج الحرب وأعتقد أن هناك الآن محاولة للضغط على الدولة السورية من خلال الحصار الاقتصادي على الشعب السوري للنيل من إرادة هذا الشعب حيال خياراته السياسية في الاستحقاق الرئاسي في منتصف هذا العام ووقوفه خلف قيادة الرئيس بشار الأسد بالتزامن مع الضغوط التي تمارس لمحاولة إنتاج دستور ببصمات أمريكية شبيه بالدستور العراقي أو اللبناني أو ما شابه، الآن الرهانات فشلت طيلة عشر سنوات والخيارات الموجودة في التفاوض في سوريا غير ممكنة على شيء يمس الثوابت والهوية والسيادة".
الرهانات الأمريكية على الحصار الاقتصادي ستفشل
وأضاف: "هناك محاولة الآن لتسوية إقليمية تكون سورية هي جزء منها تتضمن اليمن والعراق ولبنان وحتى أفغانستان ما بين الكبار على المستوى الدولي ومع إيران على المستوى الإقليمي لكن في سوريا الرهانات على الحرب ما زالت قائمة في اعتقاد من الولايات المتحدة أنها إذا ما زادت الضغط على الدولة السورية من خلال الحصار الاقتصادي ومحاربة الشعب السوري بلقمة عيشه أن تحقق شيئاً من هذا القبيل، لكن الشعب الذي كان كريماً بكل هذه الدماء طيلة عشر سنوات من الحرب لن تؤثر فيه كل هذه الضغوط مهما اشتدت عليه الأحوال ضيقاً وحصاراً، لأن المواطن السوري يدرك أن هذه الحرب حرب وجود وحرب هوية وليست حرباً من أجل الشعب السوري بل على العكس تم وضع الشعب السوري كذريعة لتمرير مخططهم في استهداف وقتل هذا الشعب بالإرهاب الذي جاؤوا به إلى سوريا من كافة أنحاء العالم ومن خلال الحصار الاقتصادي وهو الشكل الأخير من أشكال الحرب التي عرّت الولايات المتحدة حتى الذين كانت مواقفهم رمادية في بداية الأحداث في سوريا هم اليوم من يقف في وجه الأمريكي".
وختم مدير شبكة "البوصلة" الإعلامية التسوية تصريحه لـ سبوتنيك بالقول: التسوية قائمة وقادمة بلاشك ويتوقع أن تتظهر أكثر بعد الانتخابات الرئاسية بعد أن يتيقن الأمريكي وحلفاؤه أن الرهان فشل عندها ربما يبحثون عن أوراق أخرى لوضعها على طاولة المفاوضات.