ونشرت وكالة "رويترز" تقريرا مطولا، حول الصعوبات التي تواجه الاتفاق النووي الإيراني، وهو الأمر الذي استغرق سبع سنوات منذ التقى دبلوماسي أمريكي كبير بنظيره الإيراني في أحد أيام صيف عام 2008 إلى أن أبرم الجانبان الاتفاق النووي الرامي إلى الحيلولة دون امتلاك طهران أسلحة نووية.
ولا يتوقع أحدا أن تمر هذه المدة الطويلة ذاتها للتأكد من قدرة الجانبين على إحياء الاتفاق، الذي انسحب منه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، غير أن مسؤولين أمريكيين وأوروبيين يقولون إن الطريق سيكون طويلا وشاقا إذا بدأ الطرفان السير فيه.
ويوم الخميس الماضي قالت إدارة الرئيس جو بايدن إنها على استعداد لإيفاد مبعوثها الخاص روب مالي للقاء المسؤولين الإيرانيين، وبحث سبل العودة إلى الاتفاق الذي توصلت إليه طهران وست قوى عالمية واسمه الرسمي خطة العمل الشاملة المشتركة.
ورغم أن طهران أطلقت إشارات متباينة في البداية، فقد انتهج وزير خارجيتها محمد جواد ظريف نهجا متشددا يوم الأحد بقوله إن "الولايات المتحدة لن تتمكن من العودة إلى الاتفاق النووي قبل رفع العقوبات".
وبيت القصيد من الاتفاق هو أن تقلص إيران برنامجها الخاص بتخصيب اليورانيوم بحيث تزداد صعوبة تخزين كمية من المادة الانشطارية تكفي لإنتاج سلاح نووي وذلك مقابل تخفيف أعباء العقوبات الاقتصادية الأمريكية وغيرها من عقوبات سارية عليها.
وتنفي إيران السعي لامتلاك السلاح النووي. ومن الناحية النظرية سيكون من الصعب تحديد مسار إحياء الاتفاق، الذي تقع تفاصيله في 110 صفحات تمثل بنوده وملاحقه.
وعلى أرض الواقع سيمثل ذلك تحديا لسببين، أولهما عشرات العقوبات التي فرضها ترامب على إيران بعد الانسحاب من الاتفاق في مايو/أيار 2018، وثانيهما الخطوات التي طبقتها طهران وخالفت بها الاتفاق، ردا على قرارات ترامب وذلك بعد الانتظار أكثر من عام.
ورغم أن الجانبين ركزا حتى الآن علنا على مسألة من يخطو الخطوة الأولى صوب إحياء الاتفاق، إذ يصر كل منهما على أن يكون الطرف الآخر هو البادئ فقد قال مسؤول أمريكي لوكالة "رويترز" إن من الممكن تنسيق ترتيبات الخطوات.
وقال لرويترز "لا أعتقد أن مسألة من يبدأ.. ستكون هي أصعب المسائل".
وأضاف أن الصعوبة تكمن في "تحديد الكيفية التي يرى بها كل جانب الالتزام" بالاتفاق مشيرا إلى تحديد العقوبات الأمريكية التي يمكن رفعها "وكذلك مسألة... الخطوات التي أخذتها إيران، فهل يمكن الرجوع عنها كلها؟".
واستدعى الاتفاق النووي الذي أبرمته إيران وبريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة أن ترفع واشنطن العقوبات المرتبطة بالمسألة النووية فقط عن طهران.
وبعد الانسحاب من الاتفاق فرض ترامب عشرات العقوبات الجديدة لأسباب أخرى من بينها اتهام إيران بدعم الإرهاب.
ويقول خبراء إن بايدن سيواجه مخاطر سياسية وربما يجد من المستحيل تلبية مطالب طهران برفع هذه العقوبات وذلك في ضوء انتقادات الجمهوريين وربما بعض أعضاء حزبه من الديمقراطيين.
وقال هنري روم من مجموعة أوراسيا البحثية "هذه مسألة في غاية الحساسية السياسية في الولايات المتحدة لأن عددا منها ... طبق عن عمد بمقتضى السلطات الخاصة بالإرهاب".
وأضاف "سيتعين على فريقي التفاوض الخوض في عملية مستفيضة لتحديد ما سيتم الإبقاء عليه وما سيتم رفعه".
وثمة تحد آخر يتمثل في دعم إيران لفصائل في منطقة الشرق الأوسط تعمل لحسابها من بينها فصائل متهمة بشن هجمات على القوات الأمريكية.
وفي أخطر هذه الهجمات منذ عام أسفر هجوم صاروخي على قوات تعمل تحت قيادة أمريكية في شمال العراق يوم الاثنين الماضي عن مقتل متعاقد مدني وإصابة جندي أمريكي الأمر الذي يزيد من صعوبة ظهور واشنطن بمظهر من يقدم تنازلات لإيران.
ومن أوجه الصعوبة الأخرى الرغبة الأمريكية في الإفراج عن مواطنين أمريكيين مسجونين في إيران وهي قضية قال جيك سوليفان مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض إن واشنطن بدأت مباحثات بشأنها مع المسؤولين الإيرانيين.
وفي حين أن من الممكن الرجوع عن بعض الخطوات التي خطتها إيران بالمخالفة للاتفاق النووي مثل تخصيب اليورانيوم بنسبة تتجاوز 3.67 في المئة وزيادة مخزوناتها من اليورانيوم منخفض التخصيب فربما لا يكون من السهل الرجوع عن خطوات أخرى.
ومن تلك الخطوات الخبرات التي اكتسبتها من أنشطة البحث والتطوير باستخدام أجهزة الطرد المركزي المتقدمة والتي من شأنها أن تساعد إيران في رفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 90 في المئة وهي الدرجة اللازمة لتصنيع السلاح النووي إذا ما قررت ذلك.
وقال روبرت آينهورن من مؤسسة بروكينجز البحثية "كيف يمكن التراجع عن المعرفة التي اكتسبوها؟"
كذلك تواجه السلطات في طهران خيارا حساسا فيما يتعلق بالاستجابة لأي مبادرة من إدارة بايدن في وقت تستعد فيه إيران لانتخابات رئاسية في يونيو/حزيران المقبل من المرجح أن يمثل الإقبال على التصويت فيها استفتاء على المؤسسة الدينية وسط مشاعر سخط متنامية على الصعوبات الاقتصادية.
ولم يترك الاقتصاد الإيراني الهش، الذي زادته العقوبات الأمريكية وجائحة فيروس كورونا ضعفا، للنخبة الحاكمة خيارات تذكر سوى التفاوض غير أن القرار النهائي هو قرار الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي.
إلا أنه لم يتضح حتى الآن ما إذا كان بإمكان الجانبين العودة إلى طاولة التفاوض.
فقد هددت إيران يوم الثلاثاء بالمزيد من الخطوات لتقليص التزامها بالاتفاق النووي، لا سيما بوقف بعض عمليات التفتيش المفاجئة، التي تنفذها الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة.
وقال خبراء إن ذلك قد لا يفسد بالضرورة فرص التفاوض، لكنه يزيد التحديات.
وقال مصدر دبلوماسي فرنسي "رغم كل شيء لا نزال في وضع محفوف بالمخاطر وستزداد مخاطره في قادم الأيام. من المهم إحياء المساعي الدبلوماسية بسرعة".